أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان، دراسة بعنوان البطالة وآثارها على حقوق الإنسان (الخريجون الجامعيون في قطاع غزة أنموذجاً)، وهدفت الدراسة، إلى التعرف على تداعيات مشكلة البطالة في قطاع غزة، ولاسيما في صفوف الخريجين/ ات الجامعيين/ ات، وتأثيرها على حقوق الإنسان المكفولة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
واستخدمت الدراسة المقابلة الجماعية من خلال المجموعات البؤرية التي نفذها مركز الميزان واستخدمها كأداة لجمع المعلومات كما أعد استبياناً للغرض نفسه، حيث مثلت العينة مجموع الخريجين/ ات في مختلف التخصصات في قطاع غزة.
وتأتي الدراسة وسط تدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تنذر بتفاقم المشكلات الاجتماعية وستكون تداعياتها بالغة الخطورة على المجتمع الفلسطيني والأوضاع السياسية في المنطقة.
وأظهرت الدراسة أن التغيرات السياسية في قطاع غزة انعكست على معدلات البطالة وبلغت (46.6%)، بينما تجاوزت نسبتها في أوساط الشباب (60%)، وفي صفوف النساء تجاوزت (85%).
وتُعدّ مشكلة ومعاناة الخريجين هي السمة الرئيسة ضمن مؤشرات البطالة المرتفعة في قطاع غزة، حيثُ بلغ عدد الخريجين/ ات من مؤسسات التعليم العالي للعام (2017/2016) في محافظات قطاع غزة (21508) خريج/ة، منهم (11601) من الذكور، و(9907) من الإناث. بينما بلغ عدد المسجلين في مؤسسات التعليم العالي (85660) طالب/ ة.
وفي نفس الإطار تظهر الدراسة بأنه خلال العشر سنوات الأخيرة تقدم أكثر من ربع مليون خريج/ة (295.510)، بطلبات الحصول على وظيفة في وزارة العمل للاستفادة من فرص العمل المؤقتة التي تشرف عليها الوزارة، من بينهم حملة شهادات الدكتوراه، والماجستير، والدبلوم العالي.
كما تشير الأرقام إلى أن حجم الزيادة السنوية في أعداد الخريجين/ ات سيكون كبيراً ارتباطاً بعدد المسجلين/ ات.
كما أشارت الدراسة إلى أن الخريجين/ ات يواجهون انتهاكات منظمة لحقوقهم، كالحق في العمل، والحق في الصحة، والحق في مستوى معيشي ملائم، والحق في السكن، والحق في الرعاية الصحية، والحق في الزواج وتكوين أسرة، وحرية الرأي والتعبير، والحق في المشاركة السياسية، والحق في مواصلة التعليم العالي.
وبينت الدراسة أن معدلات البطالة المرتفعة ولاسيما في صفوف الخريجين/ات لها آثار خطيرة تمثلت في هدر الموارد البشرية والخسارة الكبيرة التي تكبدها الاقتصاد الوطني، جراء غياب التخطيط الذي يربط الاستثمار في تخصصات تعليمية بحاجة سوق العمل والمجتمع الفلسطيني، الأمر الذي حال دون استغلال الطاقات البشرية المؤهلة والمدربة. كما تشير الدراسة إلى الدور المحوري الذي لعبته البطالة في ظهور مشكلات خطيرة مثل الفقر والعوز والحرمان والجوع والتسول والجريمة والعنف والتطرف في ظل غياب الاستقرار وضعف القدرة على التكيف.
وتطرقت الدراسة إلى الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبطالة التي دفعت بالعاملين إلى القبول بأجور متدنية أقل من الحد الأدنى للأجور من أجل العمل، والحرمان من العمل اللائق، وقللت من القوة الشرائية، وبالتالي أضعفت من قدرة المنشآت على زيادة الإنتاج، مما أدى إلى الركود واضعاف النشاط الاقتصادي، وغياب الأمن الإنساني.
وعلى صعيد الآثار النفسية والاجتماعية في أوساط الخريجين/ات فقد سادت حالة من الإحباط، والقلق، والتوتر الدائم، وتُولد شعوراً في أوساط الخريجين/ ات بأنهم أصبحوا عبئاً على الأسرة والمجتمع. بالإضافة إلى ظهور الفوارق الاجتماعية. كما تعزز الشعور بغياب المساواة وتكافؤ الفرص، وعزوف كثير من الشباب عن الزواج بسبب عدم توفر الإمكانات المادية، وارتفاع معدلات الطلاق، وزعزعة الانتماء للوطن، كما شكلت عوامل البطالة والفقر والفراغ عاملاً مساعداً لالتحاق بعض الخريجين بالجماعات المتطرفة الغريبة عن قيم وثقافة المجتمع، والتفكير المتزايد في الهجرة الخارجية نظراً لانسداد أفق إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية، ونفاذ قدرتهم على تحمل هذه الظروف الكارثية.
وبينت الدراسة عدم وجود خطة واضحة لخفض الزيادة المضطردة في معدلات البطالة، لاسيما في صفوف الخريجين/ ات حيث باتت الجهود المبذولة على هذا الصعيد مبعثرة وغير كافية ولا تنطلق من خطة استراتيجية وطنية. ولفتت الدراسة إلى استمرار ضبابية المستقبل - حتى بعد إعلان المصالحة الداخلية - أمام الخريجين/ ات الذين لم يشعروا/ ن بأي انعكاس حقيقي وملموس على واقعهم ومستقبلهم بإتاحة فرص الحصول على وظائف. وفي السياق نفسه نوهت الدراسة أن بعض الخريجين/ات نظموا فعاليات ميدانية لإيصال رسائلهم والمطالبة بحقوقهم المنتهكة، ولكنها كانت تنتهي في كل مرة بالوعود والتطمينات، في وقت أصبحت صور البطاقات الشخصية والشهادات الجامعية للخريجين تملأ أرفف المؤسسات والجمعيات الأهلية بانتظار فرصة عمل أو الحصول على مساعدة إنسانية.
وتناولت الدراسة التحديات التي تعترض مستقبل الخريجين/ ات، ومن بينها عدم الاعتراف ببعض الكليات أو التخصصات، حيث لم تزل الشهادات الجامعية تحتاج للتواقيع والاختام من وزارة التربية والتعليم في السلطة الوطنية الفلسطينية حتى تصبح فعالة، وتمكنهم من البحث عن عمل بشكل رسمي أو استكمال الدراسات العليا.
وخلصت الدراسة إلى أن الممارسات الإسرائيلية لاسيما فرض الحصار والإغلاق المشدد على قطاع غزة للعام الحادي عشر على التوالي، واستمرار الهجمات الحربية واسعة النطاق والانتهاكات شبه اليومية ضد المدنيين في قطاع غزة، تشكل عقبة كؤود أمام تحسين واقع الخريجين/ ات وتنمية القطاعات الاقتصادية كافة، علاوة على تراكمات الانقسام السياسي الداخلي التي تسببت في مزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية واستمرار تراجع نشاط المنشآت الصناعية والخدمية والتجارية، وانخفاض الطلب على العمالة.
وفي خاتمتها أوصت الدراسة بضرورة تدخل المجتمع الدولي والوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة فوراً، كونه يضع العراقيل كافة أمام تحقيق التنمية، ووقف العقوبات الجماعية، لضمان تمتع الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير المصير، وتسريع عملية إعادة إعمار قطاع غزة ودعم الاستثمارات في الأراضي الفلسطينية، وتوفير أشكال الدعم والمساندة للقطاعات الاقتصادية والإسراع في توفير مدخلات الإنتاج من المواد الخام، وتفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة الدولية لضمان حقوق ضحايا انتهاكات قوات الاحتلال في العدالة.
وعلى الصعيد الداخلي أوصت الدراسة بضرورة اتمام المصالحة وتقديم المصلحة الوطنية على سواها، بما يحقق وحدة النظام السياسي وتفعيل مؤسساته وتوحيد الأنظمة والقوانين والإجراءات، بما يضمن حماية وتعزيز مبادئ حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد والواسطة والمحسوبية، ولاسيما عند التوظيف، وتفعيل مبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص، والعمل على انشاء جهاز حكومي يعنى بالبطالة، خاصة في صفوف الخريجين/ ات الجامعيين/ ات، وإنشاء صندوق خاص بالخريجين/ ات، وتوفر له الموارد المالية اللازمة، لدعم ورعاية المشاريع الصغيرة وتشجيع الأفكار الريادية، بالإضافة إلى إنهاء مشكلات الخريجين والخريجات الذين لم يتسلموا شهاداتهم بسبب تراكم الديون المتأخرة، ومعالجة قضايا التخصصات والمؤسسات الأكاديمية غير المعترف بها.