24 حزيران 2015
بعد أن تأخر صدوره ثلاثة أشهر كاملة، ها هو تقرير لجنة التحقيق الدولية حول الحرب الإسرائيلية على غزة، يشق طريقه إلى الأطراف المعنية ووسائل الإعلام المختلفة، ذلك أنه كان من المقرر أن يصدر هذا التقرير في آذار الماضي، لولا أن إسرائيل وبعد حملة منظمة شنتها ضد رئيس اللجنة وليام شاباس، نجحت في استقالته، ومن ثم العودة إلى التحقيق من جديد، الأمر الذي مدد الفترة الزمنية لإنجازه.
وكان من اللافت، أنه وبالرغم من العناوين البارزة لوسائل الإعلام، حول «إدانة الجانبين» لشبهة جرائم حرب، في التقرير، إلاّ أن حركة «حماس» أشادت عبر تصريحات لقيادتها والناطقين باسمها، بالتقرير، يعود ذلك نظرياً، إلى أن لجنة التحقيق الدولية، وفقاً لما جاء في «بوابة الهدف الإخبارية» عمدت إلى توزيع ترجمات ومقتطفات ومحذوفات متباينة إلى الفرقاء، إذ نقلت «البوابة» عن مصادر إعلامية إسرائيلية أن النسخة العبرية، نقلت الانتقادات والإدانات المتعلقة بحركة حماس، خاصة فيما يتعلق بإعدامها لواحد وعشرين مشتبهاً بالتعاون مع الاحتلال، في حين لم تظهر هذه الإدانات والمقتطفات في النسختين العربية والإنجليزية.
إلاّ أن الملاحظة الأبرز حول إشادة حركة حماس بالتقرير، تعود إلى أنه ـ التقرير ـ أضفى شرعية على قيام الحركة بحفر الأنفاق، ذلك أن التقرير اعتبر هذا الأمر «تكتيكاً دفاعياً» على عكس ما تحاول إسرائيل إقناع الرأي العام العالمي به، وهو أن مهمة هذه الأنفاق، ذات طابع هجومي يهدد أمن المدنيين الإسرائيليين للخطر، حركة «حماس» رأت في هذا النص ـ كما تعتقد ـ منح القانون الدولي وفقاً لما جاء في التقرير، صفة الشرعية على إقامة الأنفاق، أو على الأقل فإن قيامها بذلك، لن يشكل عملاً يتنافى مع القانون الدولي، الأمر الذي سيشجعها على المضي قدماً في حفر المزيد من الأنفاق، ذات «التكتيك الدفاعي» حسب تصنيف تقرير اللجنة.
إلاّ أن الأمر اللافت ـ مجدداً ـ أن هذا التقرير، وخلافاً لكافة تقارير اللجان التحقيقية السابقة، حملت المسؤولية للقيادتين، السياسية والأمنية في إسرائيل، وليس للجنود منفذي الأوامر، ويحمل التقرير المسؤولية لكل طرف من أطراف إصدار الأوامر، وبالتالي، فإن هذه الصياغة المحكمة تطال رئيس الحكومة ووزراء الحرب والأمن في الدولة العبرية، إضافة إلى القيادات السياسية والأمنية، خاصة المجلس الوزاري المصغر الذي كان يوجه آلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويشار على هذا الصعيد، إلى أن هناك جدلاً، في إسرائيل، عقب صدور التقرير، حول إمكانية أن يتملص نتنياهو، وأعضاء حكومته وخاصة في المجلس الوزاري المصغر، من المسؤولية، بعد إدانتهم من خلال التقرير، وذلك لتجنب تقييد حركتهم خارج الدولة العبرية، قادة الفرق والألوية في الجيش الإسرائيلي، عبروا عن قلقهم من تهرب القيادتين السياسية والأمنية من المسؤولية، وتحميلهم ـ قادة الفرق والألوية ـ مسؤولية ما قام به الجيش الإسرائيلي من مذابح وتدمير للبنية التحتية في قطاع غزة، وأن تتفرّد لجان التحقيق بما فيها لجان الجنائية الدولية بالتحقيق معهم، بعد أن يتخلى كبار المسؤولين في الدولة العبرية عن مسؤوليتهم في إصدار الأوامر والتعليمات لقادة الجيش أثناء الحرب الإسرائيلية الثالثة، قبل عام، على قطاع غزة.
ولكن.. هل من تأثير لهذا التقرير على عمل «الجنائية الدولية»، فيما يخص تحقيقاتها حول الحرب الثالثة على قطاع غزة؟! سؤال مشروع، لأن التقرير، وبشكل غير مباشر، توجه إلى المحكمة الجنائية في لاهاي عندما جاء في التقرير، أنه وبعد فشل كل الطرق للتحقق بشكل مؤكد وواضح حول مجريات الحرب، فإن المحكمة الجنائية الدولية قد تكون الوسيلة الوحيدة التي يمكنها ردع الجانبين من الدخول في جولة أخرى من المعارك.
تقرير لجنة التحقيق الدولية المشار إليه، أعاد الحرب الكلامية مجدداً لدى الأوساط السياسية والإعلامية في إسرائيل، حيث سبق وأن انتقد البعض، رفض إسرائيل التعاون مع اللجنة واستقبالها، كما لم تتمكن إسرائيل من تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وشكلت لجنة تحقيق حكومية، ما أضفى شكوكاً حقيقية على نتائج تحقيقاتها.
لذا، يقول البعض، إنه على إسرائيل أن تنتهج سياسة مختلفة، بتشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق مستقلة، تحظى بالشفافية المطلوبة الكافية للاعتراف بها، حينها، وحينها فقط، يمكن لمحكمة الجنايات الدولية، غض النظر عن التحقيق، لأن قانونها يمنحها التخلي عن التحقيقات في حال توفرت الإمكانية القانونية، لدى الأطراف المعنية لإجراء تحقيق ذاتي مستقل وشفاف، بدون ذلك، فإن نتائج لجنة التحقيق الدولية المتضمنة في التقرير، سيساهم في اتخاذ قرار لجنة الجنائية الدولية، بفتح تحقيق دولي، يسعى الجانب الفلسطيني، بكل جهد، من خلاله، للتعويض عن نجاح إسرائيل في وضع عقبات أمام مفاوضات جادة ومثمرة!!