الورطة تكبر فى شمال سوريا، قوات أردوغان عاجزة عن دخول مدينة عفرين السورية الحدودية، رغم أنها ثانى أضخم جيوش الناتو وقوات درع الفرات المكونة من الجماعات الإرهابية، وعلى رأسهم الإخوان. القوات الأمريكية فى ورطة أكبر، فلا هى قادرة على كبح أردوغان، ولا إرضاء الأكراد، وهى واقعة بين خصوم أشداء، وعددهم قليل لا يحمى ولا يخيف. بيان جماعة الإخوان السورية يكشف مدى التخبط الفكرى والسياسى للجماعة، فهى مع غزو أردوغان لبلدها سوريا، ومع ضربه أبناء وطنهم الأكراد المسلمين السنة.
ليس أمام أمريكا إلا ورقة الأكراد، وليس أخطر من الأكراد على تركيا، وهو ما يعنى أن التناقض على أشده، ولا مفر من المواجهة. الجيش السورى هو الرابح الوحيد فخصومه جميعا يتقاتلون بعد أن كانوا حلفاء. أكراد عفرين استغاثوا بالجيش السوري، وأعلنوا أنهم مع وحدة تراب سوريا وتحت سلطتها, كانوا يراهنون على تدخل أمريكى ولم يستوعبوا درس كردستان العراق.
تشى العملية العسكرية التى تخوضها فى منطقة عفرين بالاعتماد على مقاتلين من فصائل فى الجيش السورى الحر، بأن الصراع فى سوريا انتقل إلى مرحلة تثبيت النفوذين، الدولى والإقليمي، فيها، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تثبيت نفوذها بعد إعلان استراتيجيتها الجديدة فى سوريا، الهادفة إلى إنشاء دويلة أو كيان انفصالى فى منطقة الجزيرة السورية، عبر إعلانها العمل على تشكيل جيش مؤلف من ثلاثين ألف مقاتل، قوامه الأساسى عناصر ميليشيات »وحدات حماية الشعب«(YPG)، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطى (PYD)، الذراع السورية لحزب العمال الكردستانى (PKK)، مهمته الانتشار على طول الحدود مع تركيا والعراق، وعلى الضفة الشرقية لنهر الفرات، إلى جانب إنشائها قاعدة «التنف» فى الجنوب الشرقى من سورية، وقواعد ومطارات عسكرية فى شمالها، بينما تسيطر روسيا على منطقة الساحل السوري، بدءا من اللاذقية، وصولاً إلى حمص ودمشق، وأقامت فيها قواعد عسكرية بحرية وبرية ومطارات، وثبتت وجودها العسكرى باتفاقيةٍ مهينة مع النظام السوري، تقرّ بتحول القوات العسكرية الروسية إلى قوة احتلال شبه دائم فى سوريا. أما إيران فقد ضمنت الطريق الممتد من طهران إلى بيروت، مروراً ببغداد ودمشق، وثبتت نفوذها فى البوكمال فى البادية السورية، وفى المنطقة الممتدة من دمشق إلى بيروت، حيث تنشر فيها أكثر من 70 ألف مرتزق من ميليشيا حزب الله اللبنانى والميليشيات العراقية والأفغانية، فضلاً عن قواعد ومصانع أسلحة، وضباط ومقاتلين من الحرس الثورى الإيرانى وسواهم. وبقيت تركيا الطرف الإقليمى الذى لم يرضه ما حصل عليه فى حسابات صراع تقاسم النفوذ.
لم يكن للعملية العسكرية التركية فى عفرين أن تنطلق، لولا حصول تفاهماتٍ عليها ما بين الساسة الأتراك والروس والإيرانيين، وعدم اعتراضٍ من الإدارة الأمريكية. وفى القضية السورية، لا يكترث ساسة هذه الدول بمعاناة الشعب السوري، ولا بالكلفة البشرية والمادية الهائلة التى دفعتها غالبيته خلال سنوات الصراع فى سوريا وعليها. إذ ليس مصادفة أن ينسحب الجنود الروس من بلدة كفر جنة القريبة من مدينة عفرين، وأن تعلن وزارة الدفاع الأمريكية أن منطقة عفرين لا تدخل ضمن نطاق عمليات التحالف الدولى الذى تقوده ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن تفسح كل من روسيا والولايات المتحدة المجال أمام المقاتلات التركية، كما أنه ليس بعيداً عن ذلك كله تقدم قوات النظام الأسدى والميليشيات الإيرانية فى محافظة إدلب، وسيطرتها على مطار أبو الظهور. ولعل التخلى الأمريكى والروسى عن ميليشيات وحدات الحماية الكردية فى عفرين يكشف هشاشة تعويلها الكامل على الأمريكيين أولاً، وعلى الروس ثانياً، لأن ساسة هاتين القوتين العظميين لا ينظرون إلى اللاعبين المحليين إلا وفق منظور استخدامهم وتوظيفهم خدمةً لمصالحهما وأجنداتهما ومشاريعهما التوسعية.
وفى الجانب الإقليمي، ليس مستغرباً أن يحصل التفاهم بين ساسة تركيا وإيران، إذ على الرغم من اختلاف مشاريعهما فى المنطقة، وسعى ملالى إيران إلى تنفيذ مشروعهم الهادف إلى السيطرة على المنطقة، إلا أن ساسة هذا النظام لم يتوانوا عن عقد صفقات المقايضات مع جميع الأطراف. لذلك، جاء الموقف الإيرانى من العملية العسكرية التركية فى عفرين باهتاً، حيث اكتفت الخارجية الإيرانية بتصريح عبر عن قلقهم البالغ، وعن أملهم «فى إنهاء العمليات التركية ضد المدينة» فى أسرع وقت. غير أن اللافت ليس فقط وقف منظومة إس 400 الصاروخية الروسية فى سوريا، والسماح للمقاتلات التركية بدكّ حصون ميليشيات الحماية الكردية. ومهما تكن التفاهمات والمواقف الدولية حيال العملية العسكرية فى عفرين السورية، فإن المدنيين السوريين هم الطرف الخاسر الوحيد، عرباً وكرداً وتركمانا وسواهم، وقد يدفعون ثمناً يضاف إلى الأثمان الباهظة التى دفعوها فى السنوات السبع الماضية.
عن الاهرام