قال رئيس الوزراء رامي الحمد الله، إن هناك حاجة ماسة إلى حشد الدعم الدولي لإحياء عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة، وذلك على أساس احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال.
وأعرب رئيس الوزراء في كلمته خلال الاجتماع الاستثنائي للجنة المانحين الدولية، اليوم الأربعاء في العاصمة البلجيكية بروكسل، عن اعتقاده ان الاجتماع يمكن أن يسهم في رسم مسار عملي للسلام، وأن ينقل إشارات مفعمة بالأمل والتفاؤل.
وقال: "يأتي عقد هذا الاجتماع الاستثنائي للجنة المانحين في منعطف حاسم، حيث تتلقى آفاق تحقيق حل الدولتين ضربة أخرى، وهذه المرة من راع رئيسي لعملية السلام في الشرق الأوسط، وهذا يضاف إلى الضربات الحادة الناجمة المتمثلة في استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي والبناء الاستيطاني على أرضنا الفلسطينية".
وأعرب عن خالص امتنانه لحكومة مملكة النرويج والاتحاد الأوروبي على عقد هذه الدورة الاستثنائية لمجموعة المانحين الدوليين لفلسطين، وشكر ممثلي الدول والمنظمات الدولية المشاركة في هذا الاجتماع على دعمهم المتواصل لجهودنا في بناء الدولة، وكذلك سعينا الجاد لتحقيق حل الدولتين، والذي يتمثل في استقلال الفلسطينيين وحريتهم، وهذا هو المسار الوحيد من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع مع إسرائيل".
ودعا لجنة المانحين الدولية إلى إصدار بيان سياسي وموقف صريح لحث الرئيس الاميركي على إلغاء الإعلان الأخير بخصوص القدس، وكذلك قراره بتخفيض المساعدات المالية للأونروا، وهي الوكالة التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 1949 لخدمة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.
وبين ان الإعلان بخصوص القدس يغير قاعدة أساسية لعملية السلام، مشيرا إلى ان لجنة المانحين الدولية هي جزء لا يتجزأ منه، مؤكدا أن حجب المساعدات عن اللاجئين الفلسطينيين سيؤدي إلى مصاعب سيتعين على بقية العالم التعامل معها، وفي وقت لا تزال أهداف عملية السلام بعيدة المنال بسبب التعنت الإسرائيلي.
وقال الحمد الله: "بالنسبة لنا والدول الـ129 والتي أيدت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي رفض القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، فإن القرار الأمريكي بشأن القدس لا يغير شيئا. أما فيما يتعلق بقرار تخفيض المعونة المالية المقدمة إلى الأونروا، فإننا سنواصل العمل بلا كلل وبجدية تامة مع المجتمع الدولي، لضمان استمرار الأونروا في مهامها وعملها، حيث توفر الوكالة لخمسة ملايين لاجئ في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا خدمات صحية واجتماعية وتعليمية ومعيشة يومية".
وأوضح ان الرئيس محمود عباس اجتمع يوم الاثنين الماضي، الموافق 22 يناير، مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ودعا دول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطين على حدود حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وشدد على ضرورة أن يعترف اجتماع اللجنة بهذه الدعوة ويدعمها، لأن هذا الاعتراف سيدعم السعي لتحقيق السلام بين الدولتين.
واكد أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام مع الاحتلال، ولذلك فإن نقطة النهاية المنطقية والعقلانية لعملية السلام الحقيقية هي انهاء الاحتلال لأرضنا وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات سيادة على الأرض الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ حزيران 1967، والتي تشمل القدس الشرقية، عاصمة دولة فلسطين، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ومبادرة السلام العربية في العام 2002".
وقال: "لقد استعدت السلطة الوطنية الفلسطينية لهذه النتيجة وهي اقامة الدولة المستقلة، وهي في وضع ممتاز يمكنها من تحمل مسؤوليات وكذلك التزامات دولة مستقلة ذات سيادة في أي وقت في المستقبل القريب، وتم تأكيد هذا في اجتماعات اللجنة. إن الاحتلال العسكري الإسرائيلي لأرضنا هو العائق الوحيد أمام تحقيق هذا الهدف بالاستقلال. إن الوصول إلى هذا الهدف هو السبيل الوحيد لكي نكون أقل اعتمادا على المساعدات الدولية –او حتى عدم الاعتماد عليها- لأن قدرات شعبنا وإمكانيات وطننا ستظهر بشكل كبير".
وأضاف: ان أهم مهمة لحكومة الوفاق الوطني هي إنهاء الانقسام مع غزة، واصلاح الدمار الذي حصل جراء الحرب التي شنتها اسرائيل في العام 2014. واننا نحرز تقدما بطيئا ولكن مع تصميم، وبالرغم من كل العقبات فنحن ما زلنا ملتزمين وعازمين ومصممين على إنهاء الانقسام، والتغلب على هذه العقبات وتحقيق أهداف المصالحة الوطنية واعادة الاعمار. ويمكن تحقيق ذلك عندما تكون حكومتي متمكنة بالكامل، كما تقوم ويتم ازالة المعوقات التي تعرقل تمكيننا في قطاع غزة.
ولفت رئيس الوزراء إلى أنه بجانب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية، وبما في ذلك المستشفيات وشبكات المياه والكهرباء فقد تدمرت 170 ألف وحدة سكنية. وقال: "تمكنا بدعم من المانحين من إعادة بناء 7725 منزلا من المنازل التي دمرت بالكامل وعددها 11 ألف منزل، وتم تعويض 100,124 منزلا من الوحدات السكنية التي دمرت جزئيا من اصل 162,503 منازل".
وشكر الدول التي تبرعت من اجل إعمار قطاع غزة، وناشد الدول التي تعهدت في مؤتمر القاهرة لعام 2014، ولم تف بهذه التعهدات، أن تفعل ذلك، وتوفي بوعودها في القريب العاجل، لنتمكن من إنجاز إعادة بناء بقية الوحدات السكنية وانجاز مشاريع حيوية اخرى.
ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى التعاون في حل أزمات الكهرباء والمياه في قطاع غزة، ورفع الحصار عن قطاع غزة فورا، مشيرا إلى أن 70? من اهلنا في القطاع لم يتمكنوا من السفر إلى خارج البلاد خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية.
وقال: "في 4 أكتوبر 2017، التقيت بالمئات من الشباب في مدينة غزة. واعربوا عن توقهم لحياة طبيعية كريمة. إن القيود المفروضة من قبل اسرائيل على حركة المواطنين وتدفق السلع والمواد يتسبب في خلق مصاعب إنسانية كبيرة للأهل في قطاع غزة، والذين يعانون أصلا. ونحن جميعا نتحمل المسؤولية من اجل تغيير هذا الوضع القاتم، حيث ان تجاهل معاناة شعبنا في غزة، خاصة شبابنا، هو وصفة لكارثة مدمرة أخرى".
وبين أن الحكومة أعلنت عن أجندة السياسات الوطنية للفترة 2017-2022، وذلك تحت شعار "المواطن أولا"، وتهدف هذه الخطة إلى تحسين نوعية الحياة لشعبنا، وذلك من خلال تقديم خدمات عالية الجودة وحماية الفئات الضعيفة والمهمشة في فلسطين".
وأشار إلى أن الخطة تركز خلال السنوات الخمس القادمة على زيادة الاستثمارات في مجالات البنية التحتية، بما في ذلك بناء شبكات المياه، التي تخدم القطاع الزراعي، وتعزيز التواصل من خلال تحسين شبكات النقل والاتصالات، وكذلك تنفيذ استراتيجية الإدماج المالي، وزيادة إمدادات الكهرباء، وإنشاء مدن صناعية جديدة، ودعا المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة من اجل تحقيق هذه الأهداف.
وأكد رئيس الوزراء أنه رغم التحديات العديدة التي تواجهنا، فقد تم الحفاظ على تقديم الخدمات العامة بشكل جيد، واستمرت استراتيجية تعبئة الإيرادات في الضفة الغربية في تحقيق النجاح، فقد ارتفع إجمالي الدخل الصافي بنسبة 10? في عام 2017 مقارنة بالعام 2016. وخلال نفس الفترة، انخفض إجمالي صافي الاقتراض بنسبة 4.3?، في حين انخفض العجز المتكرر (قبل التمويل الخارجي) بنسبة 25.4?، ما أدى إلى خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 6.8? في عام 2016 إلى 4.7? في عام 2017. وبلغ العجز الكلي (قبل التمويل الخارجي) بنسبة 21.45?، وهو ما يمثل انخفاضا من 9.3? إلى 6.7? من الناتج المحلي الإجمالي".
وأضاف: "لقد اعاقت اسرائيل وعلى مدار 12 عاما استخدام نظام الجيل الثالث في شبكة الهواتف الخلوية الفلسطينية، وقد تم رفع الحظر في الاسبوع الماضي، وذلك بمساعدة من الحكومة الامريكية واللجنة الرباعية ونحن نشكرهم على ذلك. اما قطاع غزة فما زال محروما من هذه الخدمة بسبب القيود الإسرائيلية.
ونوه إلى أنه رغم الالتزام القوي من طرفنا لتحقيق الاصلاح، وكذلك تقليل العجز في الميزانية وتحسين الإدارة المالية، فقد انخفض دعم الميزانية بشكل كبير من 1.23 مليار دولار في عام 2013 إلى 606 ملايين دولار في عام 2016. وقد استمر دعم الميزانية في الانخفاض في عام 2017 من قبل الجهات المانحة، ولم يتجاوز 500 مليون دولار بنهاية تلك السنة، وأدى هذا إلى فجوة تمويلية قدرها 580 مليون دولار. وبالتالي، لا تزال هناك حاجة ملحة إلى دعم الميزانية، وفي هذا المقام أحث المانحين الدوليين من أجل زيادة دعم ميزانيتنا وذلك على نحو مستدام".
وأوضح رئيس الوزراء أن العقبة الرئيسية أمام وجود اقتصاد فلسطيني تتمثل في التوسع الاستيطاني وسيطرة الاحتلال العسكري الإسرائيلي على أرضنا، وهو يسيطر على ما يسمى بالمناطق "ج" ويفرض القيود على التنمية الفلسطينية في تلك المناطق، وتمثل هذه المناطق حوالي 64? من مساحة الضفة الغربية، وتحتوي على الموارد الرئيسية التي في حال تم الوصول إليها واستخدامها، فإنها ستزيد الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بنسبة 35?، وفقا لتقرير البنك الدولي في العام 2013".
ودعا الحمد الله، الاجتماع الى مطالبة اسرائيل بإزالة القيود على الفلسطينيين في مناطق "ج"، وليس فقط تخفيفها، كما طالب الاجتماع بدعم مشاريع مهمة سيادية من اجل دعم سيادتنا الوطنية، والا يتم اعاقتنا في تنفيذ مشاريع سيادية مثل انشاء المطار والميناء وبناء مدن جديدة ومراقبة الحدود في الضفة الغربية وقطاع غزة. حيث ان هذه المشاريع هي تجسيد لحل الدولتين.
ودعا المجتمع الدولي للمساعدة في تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية في غزة، ولا سيما في قطاعات الطاقة والمياه والتعليم.
وأكد رئيس الوزراء أنه توجد حاجة لإمدادات الغاز الطبيعي اللازمة لتطوير قطاع الطاقة في غزة، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل في مسارين متوازيين لتحقيق هذه الغرض، ويركز المسار الأول على مشروع "الغاز من أجل غزة" ويجمع هذا المشروع الأطراف المعنية لتسهيل الوصول الى اتفاق من اجل إنشاء خط أنابيب للغاز يربط غزة بشبكة الغاز الطبيعي الإسرائيلية، لكي يحل الغاز الطبيعي مكان الوقود الذي تستخدمه حاليا محطة كهرباء غزة، وقد تم تحديد مختلف الاطر التجارية والتنظيمية للمشروع والخطوات الضرورية لتنفيذها.
وأوضح أن هذا المشروع سيقلل بشكل كبير من تكلفة توليد الكهرباء، وأيضا تحسين الظروف البيئية.
ولفت إلى ان المسار الاخر يركز على تطوير حقل الغاز في ساحل غزة، والذي من شأنه أن يعزز استقلالية الطاقة الفلسطينية إلى حد كبير، وسيولد عائدات لحكومتنا بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي على مدى العمر الإنتاجي البالغ 25 عاما. وحتى يتم استخدام وتطوير حقل الغاز في ساحل غزة بشكل كامل، فإننا سنسعى إلى الوصول الى ترتيبات جديدة لإمدادات الغاز مع إسرائيل.
وأكد رئيس الوزراء ان قطاع غزة يواجه أزمة مياه حادة، بحيث تقدر سلطة المياه الفلسطينية أن 97? من المياه الجوفية ليست صالحة للشرب.
وقال: "لهذا السبب، فإن إنشاء محطة تحلية المياه في غزة هو عنصر رئيسي في استراتيجية سلطة المياه الفلسطينية لقطاع غزة منذ عام 2010. ويحدونا الأمل في أن يتم الانتهاء من بناء مشروع والذي يكلف 600 مليون دولار في وقت لقريب، وذلك لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه في غزة.
ودعا المانحين إلى سد الفجوة المالية المتبقية لتنفيذ المشروع، والتي تبلغ 220 مليون دولار، مشيرا إلى ان اجتماعا للمانحين سيعقد في آذار القادم، وحث الجميع على حضور هذا الاجتماع، وتوفير التمويل اللازم المتبقي.
وحول قطاع التعليم، بين الحمد أن هناك مشروعا واعدا لبناء مئة مدرسة جديدة في قطاع غزة، وان الحكومة تمكنت من تأمين التمويل لبناء 20 مدرسة، ودعا باقي المانحين للمساعدة من اجل تأمين التمويل اللازم لبناء المدارس الثمانين المتبقية. وأشار إلى ان هذا المشروع مهم جدا لقطاع التعليم في قطاع غزة، وسيساعد في توفير حوالي خمسة عشر ألف فرصة عمل.
وذكر رئيس الوزراء، بأن الرئيس محمود عباس أكد أن تحقيق السلام سيعطينا آفاقا واسعة ومتعددة لإعادة بناء اقتصادنا، ومواصلة بناء مؤسساتنا الوطنية، القائمة على سيادة القانون، والتي تعيش بروح التسامح والتعايش السلمي، والسلام والتضامن.
وحث المجتمع الدولي على عدم التخلي عن فلسطين في هذا المنعطف الحرج، واتخاذ الخطوة العملية المتمثلة بالاعتراف بدولة فلسطين، وهذا سيكون استثمارا دائما في السلام والأمل.
وقال: استثمر أعضاء هذه اللجنة بشكل كبير في دعم مساعي بناء المؤسسات في دولتنا؛ ونحن ممتنون جدا لذلك. ورسالتنا لكم: لا تسمحوا للاحتلال العسكري الاسرائيلي لأرضنا بتدمير ما حققناه معا، والأهم من ذلك، لا تسمحوا بتدمير أحلام وطموحات أطفالنا في مستقبل آمن ومزدهر".
وحضر الاجتماع الاستثنائي للجنة المانحين الدولية، وزيرة خارجية مملكة النرويج، رئيسة لجنة المانحين الدولية اين ماري اريكسن، والمفوضة العليا للاتحاد الاوروبي فيدريكا موغريني، ووزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، وعدد من وزراء خارجية دول العالم وممثلي المؤسسات الدولية.