سأسميها مريم:
سأهبها هذا الاسم من قبل أن تأتي على الدنيا، سأسميها مريم لتكون بعود صلب لا يلوي ظهرها شيء، كلما هبت عليها عاصفة زادتها ريحا طيبا.
لن أسميها بحروف مخترعة باطلة، تيمناً باسم التي اخترعت عنصراً كيميائياً، أو تلك التي حصدت مرتبة عالية، أو حتى باسم الفتاة التي فجرت نفسها تحت مسميات كثيرة.
سأسميها المريمية، لينادى ذاك الصوت من تحتها ألا تحزني ولا تخافي، وهزي بجذع الصبر، يساقط عليك من الحياة حياة رقيقة.
سأمنحها هذا الاسم بعد سلسلة الرفض من صديقاتي اللائي يرون أنه اسم لا يلائم "الموضة", لكنهم لا يدركون دواخل هذه الحروف.. سأعلمها أن الله حب قبل الخوف، وأن البتول من طهرت قلبها بالصدق والإخلاص، وأن الدين ما كان في يوم انعزال عن الحياة.
ولا بد أن تحفظ قول الله الرحيم "وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة, ولا تنس نصيبك من الدنيا", فهذا الدين ما ظلمها في لحظة لكن تقاليد الشرقية هي من كبلتها، وأسميتها مريم لترمي كل هذه السذاجات العنصرية.
سأخبرها أن الحياة فيها الحب والرقص والعطاء والجمال والفراشات الملونة، لكني سأرفض تقليدها لمثيلاتها لتكون كما يحب الآخرون، سأعلمها الموسيقى والباليه والسباحة، وقبلهم ستحفظ القرآن وتدرس الفكر والأربعين النووية، سأعلمها فتوى القلب.
سأخبرها أن جدها غسان كان رجلاً ثورياً جلداً, لكنه لم يكن ليلائم غادة وهو يكتب لها مئات الرسائل باسم الحب في زمن الحرب, لن أخفي عليها سر أن مي زيادة أصابها جنون الحزن على رحيل جبران, فحب أجدادنا كان أبيضاً ما مسه جزع أو نصب, وما هوى بهم الهوى إلا حنيناً.
سأسرد لها كل فصول هذا الوطن, وربما ألوِن حروبه على هيئة قصة ما قبل النوم, عن فارسٍ خرج خلف التخوم ليقتل وحشاً كان يخيف طفلته كل مساء, فذهب وما عاد.
عن أمهاتنا اللائي ما عرفن للدمع طريقاً عندما جاء اللقاء الأخير, عندما هام الوداع على ناصية أبنائهن, لقد كانوا يزغردن ويلثمونهم بالقبل والوصايا والثبات عند السؤال.
ربما ستخونني الحروف مراراً وأكتب لك بدلاً من السرد, فربما تأتين وأذهب أنا, فلا شيء من الحياة مضمون هنا سوى الموت, فهذه المجرة لم تكن في يوم مكاناً عادياً, هي شيء خارج كل الحدود والخيال.
لا أدري إن كنت ستقرئين هذا من ورقة صفراء اهترأت حوافها, أم أن شاشةً تديرينها بطرف أناملك وأنت تتكئين على مجلس خارج الزمكان.
ولا أكهن إن كانت لغتك ستشبه لغتي في شيء, لكني أعيذ قلبك من أن تكون هويتك غير العربية يا مريم, فأمك تاهت في طريقها واشتعل القلب وجعآ وهي تبحث عن الحقيقة في هذه الديار لئلا تضلي في يوم يا ابنتي, فالحاجة أقوى من الحب, والمعرفة قرار لا خيار في مجرة اسمها غزة.
سأسميها مريم قبل أن امنح ذاك الشيء مني لتكون باسم الله لي حياة، لتدرك بأني أتمناها مريمية كما تمناها قدري، بكراً جميلة بعينين عسليتين، وقلب رقيقٍ وظهرٍ قويم، والله أمامها تحبه بقلبها قبل فعلها, وأشهدت الله على رسالتي أني كتبت لك اليوم.