"وارث الشواهد" صدى نقدي فلسطيني عربي على مشارف "البوكر"

2.PNG
حجم الخط

صدرت عن المؤسسة الاهلية للنشر والتوزيع في عمان الرواية الثالثة للدكتور وليد الشرفا ، استاذ الاعلام والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت ، وارث الشواهد كما جرى تلخيصها، رواية تحت وطأة "هوس الروايات" التاريخية والدينية والواقعية، يتناوب في روايتها- عدا عن الروايات التاريخية نفسها -عدد من الساردين بين العجيب والواقعي، في حالة من التناسخ واعادة الانتاج السردي لقرية عين حوض، التي اصبحت "عين هود" بعد انشاء اسرائيل، يحلم الوحيد، وهو مؤرخ فلسطيني هجر جده من عين حوض وقتل والده في اليوم الثاني للنكسة وبقي مدفونا في قبر مؤقت بشاهد مؤقت، وضع عليه اسم الشهيد المجهول، ومن ثم يشهد الطفل نقل رفات والده بعد سنتين الى المنزل في تلال نابلس.

بعد شاهد القبر يرث الابن شاهد المنزل في عين حوض على جبل الكرمل، وهي قرية لم تهدمها اسرائيل وانما تركتها مسكنا للفنانين المهاجرين ،وهي وراثة صورية استدخلت من خلال روايات الجد عن عين حوض ويومه الاخير فيها. يدخل الجد الى مشفى حيفا للعلاج بتصريح اسرائيلي، يحصل عليه بمساعدة الطبيب بشارة وهو فلسطيني مسيحي، يموت الجد في المشفي فيقرر الحفيد اصطحاب جده الميت بصحبة الطبيب بشارة الى عوض وع كل خطوة يسير بها الجد الميت تفوح منه رائحة الموت حتى يقف بجانب سور منزله الذي بقى كما هو باستثناء تغيير شاهد الى اللغة العبرية.

ولان الوحيد دفع ثمن الروايات التاريخية والدينية التي سلبته منزله ووالده، يطلب من الطبيب ان يكتب الحكاية. .

من ناحيته قال المؤلف الشرفا ان هذه الرواية هي رواية ضد الروايات وضد التاريخ نفيا ويقينا وليست مبشرة بمشروع للايمان او الايمان المضاد ، في نفي لفكرة الاثبات الديني لفلسطينية فلسطين، وقال انها انسياح هذياني في وجدان الضحايا المرتبط بشواهد القبور وتعدد صور الموت وذلك الارث الثقيل من الروايات التي دفع الفلسطينيون ثمنها دون أي تورط .

واضاف الشرفا ان الرواية هي الجزء الثاني من تراجيديا العودة الفلسطينية.

دار بعد ذلك نقاش حول السردية واللغة والتحيزات والروايات الدينية ومدى التاويل الذي تثيره الرواية الى درجة طباقية.

تلقي الرواية النقدي فلسطينيا وعربيا كان لافتا ، فقد كتب الناقد الفلسطيني وليد ابو بكر في جريدة الغد الاردنية مقالا معقما عن الرواية تحت عنوان : وارث الشواهد :ليست الهوية الوطنية رداء يمكن استبداله وفي المقال قراءة للتحولات والتقنيات الفنية يقول في وصف ذلك " لا تأتي التحولات في الرواية بشكل عفوي، وإنما نتيجة تأمل يدرك صاحبه أنه يقوم من خلاله بنقض الرواية الإسرائيلية، وتوضيح زيفها، بشكل علمي، لا في تساؤله "كيف للأسطورة أن تصبح عرقا؟" ـ ص 76 وحسب، وإنما من معرفة واسعة بالتاريخ والأساطير والثقافات الدينية، والمنطق الإنساني أيضا، ما يجعل الأفكار تتداخل مع الأحداث بشكل عضوي، كثيرا ما تفتقر إليه "حكايات" الرواية العربية. وبذلك يكون وليد الشرفا قد طوع ثقافته المعرفية الواسعة لتكون جزءا من حجته في كشف الاختلاق الذي يقوم عليه الاحتلال من أساسه."

كما كتب الناقد والشاعر عبد الرحيم الشيخ وهو استاذ الفلسفة والدراسات الثقافية مقالا نقديا موسعا في جريدة الايام تركز حول شعرية السرد والفكر والمطارحات التاريخية ، وتعدد مستويات الزمن السردي وصيغ السرد بين الماضي والمستقبل بعنوان : وارث الشواهد : رهانات السرد الممكن لرواية لم تكتب بعد ، وحلل الشيح الية المرافعة الفلسطينية في الرواية بشكل ملفت ، يقول في مفتتح القراءة في تلخيص لتشعباتها :" تحكي الرواية، المروية في مرافعات شذرية، قصة الوحيد حفيد سليمان الصالح محمد عبد الرحيم المهجَّر من عين حوض، والذي استشهد والده على يد جنود الاحتلال الصهيوني بعد أيام معدودة من نكسة الفلسطينيين، والعرب، في العام ١٩٦٧، حيث جري دفنه في قبر مؤقَّت تحت حراب الجنود على بعد أمتار من الشارع الواصل بين مدينة نابلس وقرية أم البساتين. ثم ينقل الجثمان ليدفن في قبر ثان قرب منزل العائلة اللاجئة… يواصل الوحيد دراسته، ويسافر لدراسة التاريخ في الولايات المتحدة، حيث يتزوج بامرأة لا دينية يدلُّ اسمها على يهوديتها بالولادة، ولا يعود إلى فلسطين إلا على وقع خبر مرض جدِّه الذي يؤمن له صديق الوحيد ، الطبيب الناصري الذي تعرَّف عليه في غربته القصيرة، تصريحاً للعلاج في مستشفى حيفا… حيث لا يجدي العلاج، ويقضي الجد اللاجئ هناك، ليعود ماراً بمسقط رأسه في عين حوض، وليدفن في منفى البلاد، في أم الباستين على السَّفح الغربي لجرزيم. يرجع الوحيد ثانية إلى حيفا، ليزور مسجد القرية وبيت أبيه وجدِّه، الذي انحال إلى بار لمستوطنة عين هود … ويحاول انتزاع شاهد البيت، لتنتهي المحاولة بقتل شرطي من جنود العدو، ويُزجُّ به في سجن عتليت . هنا، يتوقف سرد الوحيد ، ويتولى صديقه الطبيب الناصري بشارة ، وزوجته ربيكا (رفقة)، وابنته ليلى ، وابنة صديقه جوليانا ، استكمال الحكاية على شكل مرافعات غير رسمية لمحاولة إنقاذ الوحيد في محكمة العدو.

ثلاث إحالات مرجعية لنقد السَّرد

وقبل الخوض في تأويل المرافعات ضد دين الخطيئة وتاريخ الكفَّارة، لا بد من الإشارة إلى بعض الإحالات المرجعية لعين حوض. ففي إحالة أولى، وقبل خمسة عقود تقريباً، كتب محمود درويش يوميات الحزن العادي (مركز الأبحاث ـ منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت في العام ١٩٧٣)، وأورد في الشذرة الرابعة من المقالة الثانية، توصيفاً لحزن عين حوض غير العادي، إذ أصبحت قرية للفنانين لا تدلُّ عليها إلا لافتة بالعبرية، تُقرأ مترجمةً: هنا عين هود ، نقد فيه صهيونية الصهيوني، ودافع فيها عن حنين الفلسطيني إلى أوَّله، الحنين الذي لن يكون مرَّة صهيونية عربيَّة .

وأما الإحالة الثانية، ففلم يستكمل حوارية درويش مع الرَّسام الصهيوني الذي لم يذكر اسمه في الشذرة، لكنني أعتقد أنه الفنان الروماني الصهيوني مارسيل جـ(ـيـ)ـانكو في العام ١٩٥٣، وهو من رواد الحركة الدادائية، والذي أسهم في تحويل عين حوض العربية إلى مستوطنة سعيدة لـ الفن الصهيوني، بينما يقيم أبناؤها الأصلانيون على بعد أقل من كيلو متر ونصف في أعالي القرية منذ نكبة العام ١٩٤٨".

وفي جريد الحياة الصادرة في لندن كتب الشاعر عمر شبانة مقالا بعنوان "صراع الفلسطيني في رواية وارث الشواه ، تناول فيها الحكاية الفلسطينية العربية في مواجهة الحكاية الصهيونية الخرافية باسلوب يمزج بين قراءة المضمون والسرد ن يقول : الصراع بين حكايتين؛ يهودية خُرافية وعربية واقعية، هو المكوّن الأساس لرواية الروائي الفلسطيني وليد الشرفا الثانية هذه. رواية يمكن القول إنها تنتمي إلى عالم الرواية القصيرة، لا من حيث الحجم فقط (158 صفحة من القطع الوسط)، بل لجهة تمركُزها حول شخصيّة مركزيّة واحدة، وتمحورها حول مقولة أساسيّة واحدة، في سرد مكثف، مع ميل واضح إلى السخرية بأسلوب الاستفزاز، وبالمواقف التراجيكوميدية. وهي في هذا كله، تشكّل رواية أفكار، حيث الأفكار تحمل خطابَ قضية ذلك الصراع، وتتبنّى حكاية وتدافع عنها، في نصّ يتكئ على تقنيات تجريبيّة، ثم يضيف: فالقارئ شريك في المعجزة، لكنّه ليس شريكًا في الإثم ، ثم التعريف ببطل الرواية وشخصيّتها المركزيّة الدكتور في التاريخ صالح الوحيد ، القابع في سجن الدامون، الواقع في منطقة الكرمل في حيفا شمال فلسطين، مستذكرًا تاريخ أجداده الذين جرى تهجيرهم من قريتهم عين حوض ، أصبحت عين هود بعد قيام الكيان الصهيوني، وشهدت مجزرة هائلة.

وفي جريدة القدس الفلسطينية ، كتب الباحث في الاصوليات الاستاذ جمال الرب ، تحليلا لصور الالوهية في الرواية من ناحية النقض السردي لروايات الالوهية ، وهو عنوان المقال المطول ، وفيه ربط لاستغال روايات الألوهية لتشريع العنف المقدس، ضد الفلسطينيين ، يوقل الباحث جمال ابو الرب في جزء من مقولاته :

يمكن مقاربة رواية الشرفا للجغرافيا المقدسة التي أنتجت دينا وعرقا توراتيا من الفهم السابق للمكان المقدس إذ يقول الطبيب صديق الوحيد في الرواية " وحدها تلقيحات روايات الرب في عقول اليهود تحولت إلى عرق، وبعد اختراع البارود تحولت إلى جغرافيا، فسبحان الرب!". ومن لفظة ( الإسراف)، تلك اللفظة التي يحصرها بطاي على الأشكال غير المنتجة التي يتحكم فيها مبدأ الضياع والفقدان، ويتجسد في المجال الطقوسي في التضحية التي هي إسراف وتبديد دم للناس، فالتضحية ليست شيئا سوى إنتاج للأشياء المقدسة، ولأن الأمر كذلك يصبح المقدس ذاته مبنيا على مبدأ الضياع والفقدان. وأن الهبة كتضحية تفرض على الموهوب أن يرفع قيمة رده للهبة لرفع التحدي والاحتقار على نحو يسمح باستعادة الكرامة. فالله في الرواية التوراتية يدخل في صراع مع يعقوب الذي يصرعه، ويعفو عنه، فيرفع الإله التوراتي قيمة رد الهبة، ومن أجل رفع التحدي والاحتقار واستعادة الكرامة يدخل الإله التوراتي في باب التضحية التي تفقده وجوده الرمزي والمادي ويتحول إلى حالة إخضاع، فيلِج كالإله في الضياع والخسران، ويهب يعقوب النبوة وأرضا يعده بها له ولنسله. وبذا يكون التأريخ لأرض الميعاد هو تأريخ لجغرافيا ولجت عتبة القدسية، هو في الوقت ذاته تأريخ للضحايا المرجأة والمتحققة. يقول الوحيد واصفا التشويه الذي تحدثه رواية الجغرافيا المقدسة في الإله والإنسان " إن والدتي وجدي ووالدي وأنا كنا ضحية رؤية حام لعورة والده نوح منذ أيام الطوفان العظيم، وأن رواية الأنبياء ستتحول إلى رواية للشواذ، وتجار النساء، وصانعي العجول الذهبية، والمتلذذين بطعم الدم". ويقول عن عذاب أمه نتيجة لروايات الرب التي أورثتها الحزن والألم بدلا من السكينة والطمأنينة " من يعتذر لهذه الأم، ويكفر عن خطاياه معها؟". ويقول في زنزانته في دالية الكرمل: " والآن تنشف جروحي، وأسمع القهقهات وبعض الكلمات العبرية عن (إسرائيل).

يذكر ان رواية وارث الشواهد تنافس هذه الايام ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية ، اذ اختيرت ضمن افضل 16 رواية عربية ، من مجموع 124 رواية تمثل اربع عشر بلدا .