القداسة لا تتقادم في فكر الاسلامويين

thumbgen (16).jpg
حجم الخط
 

من المفترض أن حوادث الزمن وتغيّر الأشخاص، وتطور طرائق التفكير والأفهام تعكس نفسها على ذات الأشخاص، فمن غير المعقول أو المقبول أن يكون حجم ومستوى علم وفهم ووعي أي كان قبل سنوات عشر هو ذاته اليوم!

إذ في هذا السياق-عندما يجمد- يكون الشخص قد أغلق عقله بمفاتيح، ولم يجعل فيه أي نافذة قادرة على استنشاق الهواء الجديد، أو منفذ لاستقبال فكرة أخرى، أكانت جديدة صارخة أم جديدة نابحة، سواء لاقت القبول أو الرفض.

إن الاشخاص يخطئون، وكان في ذلك القول الرسالي الحكيم (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) فحتى الانبياء ما سوى التنزيل السماوي يقعون بالخطأ، ويرتكبون الذنوب، ولنا في القصص القرآني المثل الكبير، وما تبجيل الأنبياء الا في سياق الاصطفاء الرباني بالرسالة والقدوة والاستحقاق، الذي لم يتحقق الا لهم فلا نعكس قداسة الآيات على الأشخاص سواهم، فهم لحم ودم، والكلمات لا تفنى وهم الفانون.

بغض النظر عن انعكاسات القداسة من النص على الأنبياء والرسل والتي نتفهمها ونؤمن بها، وفي السياق نتفهم معاني التبجيل والاحترام والاقتداء للأولياء والعلماء والقادة ممن يجوز، بل ويجب، الاقتداء بهم، أما أن تسقط القداسة النصية على الأفراد فلا نعود نفرق بين هذا وذاك ففي ذلك خطل، وفي ذلك تزييف للوعي.

قلنا أن حوادث الزمن وتغيّر طرائق الفهم تُغير النظرات والأفهام وطرق التعبير، ومنها ما يجب أن يحصل من تغيير في التنظيمات السياسية خاصة في آليات التعبئة الداخلية كأن يتم الرجوع للقديم من الأدبيات بالقراءة والنقاش المستفيض والنقد والتجديد.

كشوف العلوم والفكر تُضفي على القديم أصالة الفكرة، ولكن لا تمجدها الى الأبد، فمن حيث هي فكرة فهي قابلة للقولبة والتغيير والتمازج والانتزاع.

وعليه لا يجوز اسباغ القداسة أو معاني التبجيل الإلهي على سوى النص المقدس، فكيف ان حصل ذلك بإسباغه على انسان؟! وكأنه ليس كائنا بشريا بل هو ملاك بأجنحة يطير في الفضاء!

لربما نجد في متون كتب التاريخ من شخصيات مجيدة لها ما لها من الانجازات التي وضعتها في مصاف الشخصيات الخالدة، وكثير من الأحيان تجد من المعاصرين أو المتأخرين وهم المتأثرون بالشخصية ينقلونها من حالة التبجيل الى حالة التقديس، وذات الشخصية تأبى ذلك أو لم تكن تسعى له.

الشخصية التاريخية عامة بحقيقة الأمر مهما أنجزت، لربما ارتكبت من الحماقات والمثالب والأخطاء ما كان يجب النظر إليه ليتم دراسة سيرة الشخصية بموضوعية ومصداقية وتجرد بعيدا عن الغلوّ، ولكن هيهات.

تجد العديد من الفِرَق الدينية أو الطوائف،أو حتى الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنها (الدينية) من يرفع أفكاره ورموزه وشخصياته التاريخية لدرجة التقديس المشين.

لا أبرئ أحدا من التنظيمات من السقوط في حالة التمجيد الى حد التقديس للفكرة القديمة او للرموز والشخصيات، وكأننا نعيد فكرة عبادة الأسلاف، أو الآباء دون أدنى حركة لوضع الأمر في نصابه من حيث ذكر الايجابيات والانجازات، والمساوئ والاخفاقات في جانب آخر.

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)-المائدة

ما حفزني لكتابة هذه المقدمة الطويلة هو التعميم الذي أصدره تنظيم (الاخوان المسلمين) الرسمي يوم 4/2/2018 تحت عنوان طويل هو: (حسن البنا-الرجل في الميزان، عبقرية فذة وبصيرة نافذة، شجاعة علي وحكمة معاوية، مؤذن ومصباح) وبقلم محمد عبد الله السمان، وهو من زملاء البنا.

لننظر لمقدار التبجيل الذي يصل للتقديس في ورقته-التعميم اليوم، حيث يقول: "إنه لمن قبيل تحصيل الحاصل أن تقول: إن حسن البنا كان يجمع بين العبقرية الفذة والبصيرة النافذة"، وهذا توصيف، وله في ذلك رأيه رغم كلمات الفخامة.

ولكنه يضيف مقلّلا من مقدار مدحه! حيث لا تسعفه الكلمات ولا الألفاظ للتعبير! عن مقدار تبجيله بل وتقديسه! "للإمام حسن البنا"؟ لذا يقول ما يقوله "مع شيء من التواضع"؟!

يقول أن: "العبقرية والبصيرة إنما تقدران العقل والسلوك والثمرة والعمل الذي قام به حسن البنا يشهد له بعبقرية فذة وبصيرة نافذة ،ومع شئ من التواضع... وأقول: مع شئ من التواضع..لأن ألفاظ اللغة لا تسعفنا بصفات أكبر وأجل وأعمق من صفتي : العبقرية الفذة والبصيرة النافذة."

وعدا عن التشبيه الجائز لحسن البنا بأبي بكر وعمر،ما نتمناه للجميع، فإن الكاتب يقفز لاعطائه صفة المجدّد العظيم الذي "بعث الحركة في الاسلام" الراكد؟!

إذ يقول: "وتستطيع أن نقول في إيجاز: إن حسن البنا بعث الحياة والحركة في الإسلام من جديد.، بعد أن ظل آمادا طوالا متواريا عن الشعوب المسلمة والشعوب المسلمة نيام عنه"!؟

ومع كل المديح والتبجيل، فحسن البنا الذي تعجز الكلمات عن وصفه، وهو بشجاعة علي وحكمة معاوية، يقول لنا السمان: "أننا لا نكتب عنه الا ونحن مجردون من العواطف"؟!

وإذ يشير الكاتب بصراحة للاهتداء لحسن البنا، فهو الموصوف والمنتظر بكلام أبوالحسن الندوي: "ولا يمكن لإنسان – كائنا من كان هذا الإنسان – أن يضطلع بأعباء فكرة جريئة تتصدي لكل هذه الأوضاع الغارقة إلى آذانها في الجاهلية الأولي التي يجب أن يحسب ألف حساب لا لقدراتها المادية فحسب بل أيضا لمساندة الاستعمار والأنظمة الوطنية لها لا سيما إذا كان يُراد لهذه الفكرة أن تكون عالمية، وليست محلية قاصرة على مصر"، حيث أن حسن البنا كان الأمل، فمما لا شك فيه أنه اطلع على كلام الندوي حيث: "إن العالم الإسلامي حائر بين شباب ثائر، ودم فائر وذهن متوقد وأزهار تريد أن تفتح وبين قيادة شائخة شائبة قد أفلست في العقلية والحياة وحرمت الابتكار والإبداع.. والشجاعة والمغامرة..!" فكان المقصود هو حسن البنا وفق منظور الكاتب قديما، وبتأكيد التعميم حديثا.

حسن البنا أيضا وكما يراد أن يتم النظر له من صغار الاخوان لا يخطيء؟! فلم يتعرض المقال أو التعميم الاخواني المكون من23 صفحة لأي خطأ أو موقف فيه جنوح أو عدم فهم أوزلّة، او خطيئة! وهو ما يراد بثه في ذهن الناشئة حول الرجل "المعصوم"؟!

وكيف لا يكون كذلك أي معصوما، والسمّان يقول عنه تحت عنوان مؤذن ومصباح أن: "من الخصائص التي تميز بها حسن البنا قدراته الخارقة"!؟ وقدراته الخارقة هذه هي ما يؤهله بالطبع لعدم النقد أو ذكر أي خطأ او ذنب أو سلبية في حياته! بل الكل مخطيء وهو المصيب دوما.

يقول السمان:"فمن المدهش حقا أن يستطيع الرجل وحده أن يقوم بوظيفة المؤذن وفي يده مصباح وفي وقت واحد"! حيث أن: "وظيفة المؤذن بالنسبة لرجل مثل حسن البنا لا تعني إعلام الناس بأوقات الصلاة وإنما تعني إيقاظهم من سباتهم الذي طال أمده".

مضيفا أن: "حسن البنا استبدل عادة الجاهلية بكلمات من القلب يهتز لها الوجدان فيها ذكر الله وليس فيها ذكر زعيم ولا غير زعيم من الناس"، وهو ما لم يلتزم به الكاتب ذاته.

وليذكر السمان بفخر البنا وتقديسه فلقد :"كان للمصباح الذي حمله حسن البنا مهمته، إرسال الأشعة إلى العقول لتضيء، وإلى البصائر لتنتج.. وإلى القلوب لتستجيب"

وحينما يتم تقديم محمد عبدالله السمان من قبل حسن البنا للحديث في أحد مدن الصعيد، فإنه يصدح بالمبالغات والنشوز مادحا حسن البنا بصيغة مدحه لدعوته اي لدعوة الاخوان المسلمين إذ قال: "أن هذه الدعوة ليست دعوة حسن البنا وإنما هي دعوة الله في السماء، ودعوة محمد صلي الله عليه وسلم في الأرض"، فكيف لنبي ألا يكون الا كذلك، وكيف لمجتمع أن يقبل أن دعوته بعد الاسلام هي ذات الاسلام والناس مسلمين؟!

ويضيف السمان بمودة وفخر أيضا: "وما أن انتهيت حتي وقف الرجل-يقصد البنا- يربت على كتفي، ويقول: بارك الله فيك يا فلان"

وفي ذات التعميم يتم تكرار مقولات كثيرة أخضعتها التنظيمات الاسلاموية الحديثة للتجربة والتعقل والتفكر، ولكن يعود الاخوان عام 2018 ليكرروها في التعميم بقلم محمد السمان، وكأن شيئا لم يكن!؟

وكأن النهر يجري بذات المياه، إذ يكررون مقولات ثبت عدم صحتها في أمة المسلمين ولكنه-أي التعميم- يكرسها في الاخوان المسلمين اليوم، رغم عديد المراجعات،والاسهامات المستنيرة، من مثل أن : "الاسلام دين ودولة، ومصحف وسيف"؟!

وحيث الكثير من الاشارات الجديدة حتى لدى المفكرين الاسلاميين أن الاسلام لم يكن يوما ليضع الدولة أو الحكم من الأصول الدينية والعقائد مطلقا، فلا يجوز القول او الاقتران بين الاسلام والدولة وإن جاز الاقتران بين الاسلام والأمة.

واما شعار "مصحف وسيف" تنويها بالسيف عن القتال، فهو أيضا وفي ظل الارهاب المستشري في بلادنا والمنسوب للاسلام، قد خضع لنقد وخضع لتحليلات ورؤي جديدة نظرت للجهاد ليس بمنطق القتال فقط، بل ونظرت لمفهوم الجهاد كرد للعدوان وليس الابتداء،.

ومازال الاخوان المسلمين الرسميين يكررون ذات الخطأ الذي جاء به حسن البنا، وان التمسنا له العذر في زمن كانت الأمة تخوض حربا ضد التغريب، فكيف وهو يتم تكراره اليوم في ظل النور الذي سطع بالعقول من مصباح غير مصباح حسن البنا؟

رغم ذلك ومحاججات الكثير فإن محمد السمان -والتعميم نقلا عنه- يعتبر أن .الكلمات المشار اليها هي:" من ابتكار الإخوان المسلمين فهذه المبادئ الأربعة تشكل الفكرة الإسلامية الأصيلة، وكان دور الإخوان هو بعث الحياة من جديد فيها وإزالة الغشاوة عن أعين المسلمين تلك الغشاوة التي ظلت قابعة أمدا طويلا"؟!

ومؤكدا أن الاسلام الذي يدعو اليه الاخوان هو كما يقول: "الاسلام الذي رضيه الله لعباده دينا" وهذه حصرية تطعن بإيمان كل من هو خارج ربقة "الاخوان" وهو ما يؤكد عليه بوضوح حين يمعن بالقول أن: "هذا الاسلام-اسلام الاخوان-يرفض الحكم الجاهلي حكما وموضوعا" لتتضح الصورة أن ما سواه من إسلام ليس اسلاما بل جاهلية.

ويضيف مؤكدا أيضا أن: "هذا الإسلام-اسلام الاخوان المسلمين- نفسه، يرفض الحكم الجاهلي شكلا وموضوعا أيضا لا لأنه تخلي – فحسب – عن شريعة الله عز وجل، بل لأنه أيضا يقف عقبة كأداة في طريق الإسلام هي بمثابة صد عن سبيل الله، وجهاد هذا الحكم الجاهلي باللسان والقلم فرض كفاية إذ لم يقم به البعض أثم المسلمون جميعا".

.. ومن هنا فإننا وإن لحظنا مساحة من التطور في الخطاب الاخواني في المغرب العربي أو المغرب الكبير، بل ولدى زمرة في "حماس" يتقدمها خالد مشعل، فإن تنظيم الاخوان المسلمين الرسمي يمر عليه الزمن بلا تأثّر، وكأنه حجر وفق ما يقوله الشاعر الذي نفهمه المتمسك بالقديم دون تغير أو استنارة أو مصباح: ما أطيبَ العيشَ لو أن الفتى حجرٌ تنبو الحوادثُ عنهُ وهو ملمومُ’.