قال تقرير جديد للبنك الدولي إن قطاع غزة يشهد تدهورا مطردا في الأوضاع طوال السنوات العشرين الماضية، ما أدى إلى انهيار الاقتصاد والخدمات الاجتماعية الأساسية، وفي حين تشتد الحاجة إلى تدفقات نقدية إضافية لتخفيف الظروف الحياتية الصعبة، فإن تحقيق الانتعاش الدائم يتطلب استراتيجية منسقة لتعافي اقتصاد القطاع عن طريق التجارة مع الأسواق الخارجية والتوسع في الأنشطة التجارية.
ويكشف تقرير جديد للبنك الدولي سيرفع إلى لجنة الارتباط الخاصة في 20 آذار الجاري في بروكسل- وهو اجتماع على مستوى السياسات بشأن المساعدات الإنمائية للشعب الفلسطيني-، طبيعة التدهور السريع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة، محددا المطلوب عمله لإطلاق العنان للنمو المستدام.
وفي هذا السياق، قالت المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة مارينا ويس إن المعونات الإضافية لأزمة توفير الإغاثة الإنسانية على المدى القصير والتحسين من حالة المالية العامة، لا يمكن أن تحل مكان الإجراءات الطويلة الأجل، والالتزامات الجدية من جانب الأطراف كافة مطلوبة لتحفيز النمو وخلق فرص العمل عن طريق تهيئة الظروف الصحيحة من أجل وجود قطاع خاص ديناميكي، و"بدون التصدي للقيود القائمة، ستبقى غزة تعاني من وطأة العبء على سكانها".
وأضافت أنه من الضروري أن يرسل المانحون معونات عاجلة على المدى القصير لمعالجة نقص السيولة في الوقت الراهن وتحسين الأوضاع الإنسانية الأليمة، مبينة أن بيانات اقتصادية حديثة كشفت عن انخفاض معدل النمو في غزة من 8% عام 2016 إلى 0.5% فقط عام 2017 مع ارتفاع معدل البطالة إلى ما يقرب نصف القوى العاملة.
وأشار التقرير إلى أن هذا التراجع يعزى إلى انخفاض التدفقات النقدية الواردة ما أضعف نشاط إعادة الإعمار، وأدى إلى هبوط حاد في دخل ربع السكان، وتشهد الخدمات الأساسية تدهورا سريعا في جودتها، كما هو الحال في الكهرباء والمياه والمجاري، ما يشكل خطرا جسيما على الصحة، لافتا إلى أن حالة الاضطراب زادت احتمال خفض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي تعتبر من أهم الأطراف التي توفر فرص العمل والخدمات في القطاع.
وأوضح يهدد هذا الخفض بفقدان دخل حوالي 18 ألف موظف بالوكالة، بل وأكثر من هذا العدد إذا أضيف إليهم من يعولونهم.
وبين التقرير أن المعونات الإضافية ستساعد للحيلولة دون تفاقم الأوضاع المالية، ويمكن للمصالحة المحتملة مع غزة، وهو تطور إيجابي لكل الأراضي الفلسطينية، أن تزيد من الفجوة التمويلية المتوقعة لعام 2018 من 440 مليون دولار إلى حوالي مليار دولار.
ورأى أن الإجراءات المقترحة من السلطة الفلسطينية لن تكفي لسد الفجوة، وستلجأ إلى مصادر محلية للتمويل بما في ذلك الاقتراض من البنوك المحلية وتأخير سداد المستحقات للقطاع الخاص وصندوق المعاشات التقاعدية، وقد يخنق كل هذا اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة بما في ذلك من تبعات سلبية على الموردين والبنوك وفي نهاية المطاف على النمو والحصيلة الضريبية.
ولفت التقرير إلى أنه على المدى الطويل، لن تتمكن المعونة وحدها من توفير الحافز للنمو، ولن تستطيع وقف تقويض التنمية في غزة، فأسواق القطاع غير قادرة حاليا على توفير فرص العمل ولا الدخل للمواطنين ما يخلق حالة إحباط لدى شريحة ضخمة منهم خاصة الشباب، كما أن صادرات غزة لم تعد تشكل سوى نسبة ضئيلة من مستواها قبل الحصار وقطاع التصنيع انكمش بأكثر من 60% خلال السنوات العشرين الماضية، ولن يتمكن الاقتصاد من الاستمرار بدون الارتباط بالعالم الخارجي.
وشدد التقرير على ضرورة أن تركز الجهود التنموية على معالجة الإغلاق الحالي، ولن تكفي التعديلات الطفيفة التي يجري تطبيقها حاليا على هذا النظام المُقيّد، لذلك فإن هناك ترحيب قوي بالمشروعات المقترحة لزيادة إمدادات المياه والكهرباء، بيد أنه ما لم تتوفر الفرص لتعزيز دخل المواطنين عن طريق توسيع التجارة، ستبقى استدامة هذه الاستثمارات موضع شك.
ويبرز التقرير الشروط اللازمة لاستدامة الانتعاش الاقتصادي في غزة، وهي تتضمن وجود قطاع خاص قادر على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية وزيادة صادراته السلعية والخدمية، ومن التدابير المطلوبة تخفيف القيود على السلع ذات الاستخدام المزدوج، وتبسيط إجراءات التجارة عند المعبر التجاري لغزة وإعادة بناء الروابط التجارية مع الضفة الغربية وإسرائيل، كما أن أنظمة الإدارة الفعالة والتدعيم المؤسسي تحت قيادة السلطة الفلسطينية من العوامل الرئيسية أيضا لاستدامة الانتعاش الاقتصادي، ويمكن للمانحين أن يساعدوا أيضا بتوفير أدوات تمويل مبتكرة للتخفيف من مخاطر قد يواجهها القطاع الخاص عند استثماره في غزة.