01 تموز 2015
فرنسا لا تكل ولا تمل.. الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي بات شغلها الشاغل، حاولت استثمار غياب الدور الأميركي وعجزه على هذا الملف، لكي تعيد اهتمامها به، وإذ كانت باريس، لسنوات قليلة ماضية، تدعو بشكل دائم ومستمر، إلى عقد مؤتمر باريس لتسوية سياسية على هذا الملف، هذه الدعوة التي استجابت لها القيادة الفلسطينية ورفضتها مراراً وتكراراً حكومات إسرائيل المتعاقبة، ربما هي التي دعت باريس إلى تعديل خطابها بهذا الشأن، فبدلاً من مؤتمر باريس تم رفضه قطعياً، إسرائيلياً وأميركياً، هناك ما بات يعرف بالمبادرة الفرنسية التي جوبهت برفض إسرائيلي مطلق، واستجابة من المستوى القيادي الفلسطيني، ورفض وتحفظات من قبل كافة الفصائل الفلسطينية، باعتبار أن المبادرة لا تحقق الحد الأدنى المطلوب فلسطينياً، ناهيك عن أن هذه المبادرة تنطوي على «حل نهائي» من شأنه أن يقف حائلاً ودون مواصلة الشعب الفلسطيني نضاله الوطني لنيل حقوقه غير الخاضعة لأي تأويل، لذلك، فإن فرنسا التي أدركت عقم جهودها في هذا السياق، استمرت في الحديث عن مبادرتها بفتور واضح، ولكن مع توازي هذا الحديث، بضرورة توسيع «الرباعية الدولية» بضم دول عربية وأطراف أخرى إلى عضويتها. ومع أن هذا المطلب ليس بالجديد، إلاّ أنه في سياق التحرك الفرنسي الفاشل، يشكل تهرباً من إلقاء اللوم على إسرائيل، باعتبارها طرفا دائم الإفشال لكل جهد من أجل التوصل إلى حل عادل للمسألة الفلسطينية، وذلك، بإلقاء اللوم على فشل الرباعية، مع أن هذه الرباعية لم تفشل حقاً، لأنها أساساً لم تقم بأي جهد على الإطلاق، على أي مستوى من المستويات، والحال، فإن الأمر لا يتعلق بعضويتها، بل بقدرتها على مواجهة أسباب فشلها.
فرنسا، لا تعتبر الدعوة إلى توسيع الرباعية، أمراً مكرراً، ذلك أن الوضع العربي والإقليمي، في ظل الدعوة الحالية، يكتسب أهمية استثنائية، الحديث يدور في هذا السياق، عن تقارب معلن ولم يعد يشكل عاراً أو عمالة أو مؤامرة بين السعودية وإسرائيل، وإذا كانت السعودية، ودول خليجية أخرى، قد تم طرحها في السابق، كعضو من أعضاء التوسيع المقترحين، في وقت لم تكن العلاقات الإسرائيلية ـ السعودية، قد تبلورت، أو لم يصل بها الأمر لتشكل عناوين الأخبار، ما أدى إلى تحفظات إسرائيلية، باعتبار أن أطراف الرباعية التي قد تتوسع، يجب أن تحظى برضا نسبي على الأقل، لكي تتمكن هذه اللجنة من القيام بمهامها، الأمر مختلف هذه المرة على ضوء هذا الجديد الذي يجب أن يؤخذ بالحسبان عندما سيتم الحديث عن توسيع الرباعية.
وجود دولة كالسعودية في الرباعية الدولية، سيمنح العلاقات مع إسرائيل، تبريراً مقنعاً للقاء الطرفين، من بين أطراف أخرى، في اجتماعات ونقاشات اللجنة، وبحيث تصبح هذه اللقاءات تحت منبر دولي، ما يضطر الطرفان معه للقاء والتفاعل في إطار الشرعية الدولية، وليس تجاوزاً للمقاطعة العربية، التي لا تزال قراراً رسمياً لدى الجامعة العربية، مع أن خرق هذا القرار استمر لسنوات من دون أن يحظى باهتمام أحد!
الموقف المتوقع من القيادة الفلسطينية، مؤيد لتوسيع هذه اللجنة، لتضم أطرافاً عربية فاعلة، وتحديداً مصر والأردن والسعودية، وإذا كان من رفض لهذا التوسيع، ليكن من الجانب الإسرائيلي، أن استجابة الجانب الفلسطيني الرسمي، للمبادرات المطروحة والتعاطي معها بإيجابية، رغم بعض التحفظات هنا وهناك، يعود بالدرجة الأساسية، إلى أن الرأي العام الدولي، بات يسمع ويعي، بأن إسرائيل هي التي ترفض جملة المبادرات المطروحة، بينما الجانب الفلسطيني يتعامل معها بإيجابية، الأمر الذي أسهم ولا يزال، في تشديد الحصار السياسي، وربما الاقتصادي نوعاً ما، والثقافي بحدود تشهد تطوراً على المستوى الدولي، وهو الأمر الذي بات مجالاً للمناورات السياسية الحزبية في الحلبة الإسرائيلية الداخلية، باعتبار أن حكومة اليمين بقيادة نتنياهو، قادت بسياستها الرعناء إلى تشديد الحصار الدولي على الدول العبرية، وتحميلها مسؤولية التسبب به، إضافة إلى التسبب في علاقات اقل ودية مع البيت الأبيض الأميركي.
«تحريك عملية السلام» بات هدفاً أوروبياً، لكنه مجرد تحريك وحراك لأن دول أوروبا، أكثر من غيرها، تعلم أن أي حراك من دون استخدام كافة وسائل الضغط على الطرف المعرقل، إسرائيل، إنما يظل في إطار الحراك، طاحونة هواء، مع أن هذه الأخيرة، تنتج المياه، إلاّ أن طاحونة الحراك الأوروبي، لا تنتج سوى الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بالاشتراطات الإسرائيلية، وتجاهل متعمد، نظراً لعدم توفر الإرادة حيناً، والعجز أحياناً، عن توجيه هذه الضغوط حيث ينبغي، إلى إسرائيل وربما الولايات المتحدة، هذه الأخيرة، رغم تصريحات معلنة عن أنها لن تستخدم الفيتو لصالح إسرائيل بشكل تلقائي، إلاّ أنها أسهمت في إرجاء توجه فرنسا بمبادرتها إلى مجلس الأمن، ما يشير إلى أن تصريحاتها، مجرد تلاعب على ملف العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية، أكثر من أن يؤخذ على محمل الجد.
وزير الخارجية الإيطالي، واحد من سبعة مسؤولين أوروبيين، زاروا وسيزورون المنطقة لاستجداء حراك بديل عن الغياب الأميركي، لكن الأمر لا يعدو مجرد حراك.. لا أكثر!!