عصبية الرئيس

731431521571832.jpg
حجم الخط

 

الحالة غير المسبوقة التي بدا عليها الرئيس محمود عباس, وهو يخاطب القيادة الفلسطينية, يوم أمس, الاثنين, واستخدم فيها لغة حادة تجاه حركة حماس, على خلفية تفجير موكب رئيس حكومة السلطة رامي الحمد الله, ومدير مخابراتها ماجد فرج, وتجاه الإدارة الأمريكية ممثلة بسفيرها في تل أبيب داوود فريدمان, تدل دون أدنى شك, على ضائقة سياسية وربما شخصية, يمر بها الرئيس الفلسطيني .

فرغم أن محاولة التفجير, التي على الأرجح قد أقدم على ارتكابها جناح متشدد في حركة حماس, وحيث أن قيادة حماس ممثلة بكل من رئيس مكتبها السياسي العام, إسماعيل هنية ورئيس مكتبها السياسي في غزة, يحيى السنوار, لم ترفع الغطاء عن تلك المجموعة, فستظل الحركة ككل تتحمل وزر ذلك العمل, الذي أقل ما يقال فيه, هو أنه عمل جبان, وأن حماس بإقدامها على ذلك الجرم, ما زالت تفكر بنفس العقلية التي بدأت بها نظام الشراكة السياسية, نقصد عقلية الانقلاب, وفرض الموقف السياسي بالقوة العسكرية . نقول رغم أن محاولة التفجير لم تكن تستهدف حياة رجلي السلطة, الأهم بعد عباس بالطبع, بل كانت اقرب إلى التحذير منها إلى القتل, لأن حماس تعرف مسبقا بأن اغتيال الرجلين كان سيحرق الدنيا من حولها, لكنها كانت رسالة خطيرة جدا, فهي تقول للرئيس نفسه, بأن لا يفكر بالمجيء إلى غزة, ومحاولة السيطرة الفعلية, أي الأمنية عليها .

هي تقول بأن أبعد حد يمكن أن تصل إليه حماس في ملف إنهاء الانقسام, هو سيادة خارجية للسلطة, مقابل سيادة فعلية داخلية لقوات القسام, أو أن يكون حال غزة مثل حال لبنان, وأن يكون حال السلطة كما هو حال الدولة اللبنانية مع نفوذ وسلطة حزب الله .

وحيث أن الرجل, أي الرئيس عباس, قد أمضى أكثر من ثلاثة عشر عاما كرئيس للسلطة, التي نجمت عن اتفاق أوسلو لإعلان المباديء الذي كان هو شخصيا عرّابه, وهذه فترة أطول من تلك التي أمضاها الرئيس الراحل ياسر عرفات كرئيس للسلطة الذي أمضى عشر سنوات, دون أن يحقق خلال هذه الفترة أي انجاز يذكر, وهو الذي تقدم به العمر, حتى بدا في عامه الأخير أقل تركيزا وبملامح مترهلة, رجلا عجوزا بكل معنى الكلمة, فأن ما زاد الطين بلّة هو سياسة البيت الأبيض الحالية والتي أظهرت قبل أشهر, ما لم تكن تظهره الإدارات السابقة .

أكثر ما وصلت إليه إدارة باراك أوباما السابقة هو عجزها عن التقدم بالمفاوضات بعد نيسان 2014, لكنها أنهت ولايتها بالامتناع عن التصويت على قرار يدين الاستيطان في مجلس الأمن, أما أدارة دونالد ترامب, فقد اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل, وهي تحضّر لنقل سفارتها إليها بعد أسابيع قليلة, وهي تحارب الأونروا بهدف إجهاض ملف اللاجئين, أي أنها جعلت ظهر عباس ملتصقا بالحائط, وأغلقت كل النوافذ أمامه والأبواب, بحيث صار من الواضح له ولجميع من يهتم بالشأن الفلسطيني, أنه لن يحقق شيئا عبر إستراتيجيته التي اعتمدت على الكفاح السياسي السلمي, وعلى المفاوضات كأداة  إستراتيجية لحل ملف الصراع, والأسوأ من كل هذا أن عهد الرجل شهد الأسوأ وهو انقلاب حماس على سلطته وعدم قبولها شراكته السياسية, وحدوث الانقسام في عهده, دون أن ينجح في إنهائه طوال فترة ولايته الطويلة, يعني أنه سيذهب والحال الفلسطيني السياسي والداخلي أسوأ بكثير مما كان عليه, حين بدأ عهده كرئيس للسلطة وللمنظمة .

باختصار "قبعت معه", ليس تجاه حماس فقط, الذي أعادها لأرث وتراث الأخوان المسلمين فيما يخص استخدامها أسلوب الاغتيالات السياسية, منذ ثلاثينيات القرن الماضي في مصر, حين قامت تلك الحركة باغتيال عدة شخصيات سياسية مصرية, ولكن أيضا تجاه إدارة ترامب, حين وصف سفيرها في تل أبيب بابن الكلب, وبتقديرنا لم تخرج تلك الكلمة ولا اللغة التي خاطب بها حماس, بشكل عفوي, فقد كانت الكلمة بمعظمها مكتوبة, يقرأ منها, وكالعادة يضيف إليها بعض الكلمات والجمل بشكل مرتجل .

في الحقيقة فان التحولات الإقليمية ساهمت في تدهور الملف الفلسطيني, كما أن حالة الانقسام, وتحول السلطة الرسمية مع توقف العملية الانتخابية إلى نظام حكم الفرد, كذلك تحول قطاع غزة إلى نظام حكم عسكري خاصة منذ عام 2007 وحتى الآن, هو الذي جعل كل الملف على كاهل شخص الرئيس عباس, لكن مع ذلك فإن هناك مخرجا, لدرء أسوأ الخسائر, وحتى وقف عجلة التدهور, في انتظار لحظة أفضل تعمل على رفع العجلة وسيرها في اتجاه النصر, والمخرج برأينا يتمثل في خطة للوحدة الفورية والسريعة الداخلية, حيث يمكن إنهاء الانقسام كما يلي, وبسرعة وسهولة ويسر, ودون انتظار أجراء الانتخابات العامة :

1_ تشكيل جبهة مقاومة الاحتلال ومواجهة تهويد القدس والتصدي لنقل السفارة الأمريكية من حركتي فتح وحماس ومعهما كل الفصائل, في الضفة الغربية, لا تكون لأجهزة الأمن سلطة عليها, على أن يلتزم الجميع بما تقره من وسائل وأدوات وحتى عمليات للمقاومة .

2_ تشكيل هيئة عسكرية مشتركة من فتح وحماس والفصائل,  مقررة وملزمة لكل التشكيلات العسكرية,  تكون قيادة عسكرية عليا, وهي التي تقرر كل ما يخص قطاع غزة .

3_ تشكيل حكومة جديدة بقيادة حماس, تتولى إدارة شؤون السلطة مع الرئيس عباس .

أي باختصار أن تشترك فتح وحماس في جبهة المقاومة والسلطة الفعلية, السياسية والميدانية في الضفة الغربية, مقابل أن تشترك حماس وفتح في السلطة الأمنية وتحت الأرض, فيما تكون السلطة السياسية, الرئيس مع الحكومة . يمكن هكذا للكل الفلسطيني وليس لشخص الرئيس فقط, أن يتلقط الأنفاس ويمكن للرئيس شخصيا أن يشعر بأن العبء لم يعد على كاهله وحده, بل وحتى أن يمضي آخر أيامه مرتاح البال, حيث هناك وريث جماعي, مسئول ومحل ثقة, سيقود الشعب الفلسطيني إلى رحاب النصر, حين يأتي يوم , يقوم فيه شبل أو زهرة برفع علم فلسطين فوق مآذن وكنائس القدس, ليرقد عباس إلى جوار أخيه عرفات, قرير العين ومرتاح البال .