قال الكاتب الصحفى عبد البارى عطوان، إن مصر تنجرف بسرعة إلى هوة "النموذجين"الليبي والسوري.. واستيلاء الدولة الإسلامية على مدينة الشيخ زويد بسيناء محاكاة للموصل والرقة.. والمخرج الوحيد بيد الجيش المصري، ولن نفاجأ بتعليق مرسي وبديع على أعواد المشانق قريبًا جدًا وربما قبل العيد.
وأضاف عطوان في مقال له "لن نستغرب، او نستبعد، ان نصحو من نومنا في فجر يوم قريب، وربما قبل العيد، على أنباء تنفيذ أحكام الاعدام في الرئيس محمد مرسي والمرشد العام للاخوان المسلمين محمد بديع، وعدد من القيادات الاخرى التي صدرت احكام مماثلة في حقها، فالقرار الذي صدر باختصار الاجراءات القانونية القضائية لتسريع تنفيذ احكام الاعدام يصب في هذه النتيجة".
فيما يلي نص مقال عبد الباري عطوان:
عندما تصل التفجيرات الى قلب القاهرة، وتستهدف السيارات المفخخة النائب هشام بركات وموكبه، الرجل الذي من المفترض ان يكون الاكثر حماية وتحصينا، وتستخدم طائرات “اف 16″ الامريكية المتطورة جداً لقصف خلايا مسلحة تابعة “لولاية سيناء” الاسلامية، بعد هجمات أدت الى مقتل اكثر من سبعين بين جندي وشرطي ومدني، وأكثر من 38 مسلحا اسلاميا، فان هذا يعني أن القاهرة تتحول تدريجياً الى “حلب” اخرى، وسيناء حيث تدور المعارك إلى عين العرب (كوباني) أو حتى “فلوجة” ان لم يكن “انبار” أخرى.
لن نستغرب، أو نستبعد، أن نصحو من نومنا في فجر يوم قريب، وربما قبل العيد، على انباء تنفيذ أحكام الاعدام في الرئيس محمد مرسي والمرشد العام للاخوان المسلمين محمد بديع، وعدد من القيادات الاخرى التي صدرت أحكام مماثلة في حقها، فالقرار الذي صدر باختصار الاجراءات القانونية القضائية لتسريع تنفيذ احكام الاعدام يصب في هذه النتيجة.
مصر تسير بسرعة على الطريق نفسه الذي سارت عليه كل من العراق وسورية واليمن وليبيا، اي الدمار والفوضى الدموية، وربما التقسيم والتفتيت، مثلما تنبأ نائب رئيس الوزراء التركي في حديث له قبل اسبوعين عن “سايكس بيكو” جديدة تزحف الى المنطقة.
وكالة أنباء “الشرق الاوسط” المصرية الرسمية أكدت مساء الأربعاء أن الحكومة المصرية اقرت قانونا جديدا لمكافحة الارهاب يطالب خصوصا بتسريع اجراءات الاستئناف، وينتظر ان يصادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في غضون الساعات القليلة المقبلة.
اعدام الرئيس المصري السابق محمد مرسي سيشعل فتيل العنف والارهاب في مصر، ويدخلها في نفق دموي مظلم، وبما يبدد كل الآمال في الامن والاستقرار الضروريين لخروج الاقتصاد المصري من أزماته الخانقة.
الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حارب الاخوان المسلمين، واعدم بعض قادتهم (سيد قطب مثالاً)، ولكن بمشروع سياسي واقتصادي محكم، وانحياز مطلق للفقراء المعدمين، من خلال قانون الاصلاح الزراعي والقضاء على الاقطاع، ولكن لا نرى مشروعاً مماثلاً متكاملاً للعهد المصري الجديد، وانما حروباً وحلولاً أمنية في كل الاتجاهات.
الرئيس محمد أنور السادات فعل العكس تماما، فقد تحالف مع الاخوان المسلمين لضرب اليسار، والتيار القومي، وجماعات الاسلام السياسي الجهادي في السبعينات والثمانينات، وخاض حرب اكتوبر ضد الاسرائيليين بهدف تحرير سيناء بعد حرب استنزاف انهكت الخصم الاسرائيلي، لكننا لا نعرف في الوقت الراهن من هم حلفاء العهد الحاكم في مصر حالياً، وان كنا نعرف من هم الاعداء، وليس من بينهم اسرائيل بكل أسف، او هذا هو الظاهر حتى الآن، ويصعب علينا تحديد مشروعه وهويته.
الخطر الأكبر على النظام المصري ليس حركة “الاخوان المسلمين” التي اطيح برئيسها من سدة الحكم، وتعرضت، وتتعرض لكل انواع التهميش والاقصاء واحكام الاعدام والسجن المؤبد، الخطر الاكبر يكمن في “الدولة الاسلامية” التي باتت صاحبة الكلمة العليا في شبه جزيرة سيناء، وتتمدد في كل الاتجاهات، ومن المفارقة ان هذه الحركة تكره “الاخوان المسلمين” اكثر ما تكره، وتكفر الدولة المصرية.
فهذه “الدولة” اجتاحت الاربعاء ست حواجز تفتيش للجيش المصري، وقتلت 70 معظمهم جنود، واستولت على جيب مدينة “شيخ زويد” القريبة من الحدود مع قطاع غزة في خطوة غير مسبوقة، تذكرنا باستيلائها على ثماني مدن عراقية وسورية قبل عام من الآن، وتهدد باطاحة حكم حركة “حماس″ في قطاع غزة “التي لا تطبق الشريعة ولا تقيم شرع الله”.
اغتيال النائب المصري العام بسيارة مفخخة جريمة يستحق الذين يقفون خلفها العقاب، مثلما يستحق الذين لم يمنعوها عقاباً أكبر، لكن التشريع بتنفيذ أحكام الاعدام كرد انفعالي غير مدروس ربما يؤدي الى كارثة لمصر لخطورة التبعات التي يمكن ان تترتب عليها، وابرزها تخلي حركة “الاخوان” صراحة عن “السلمية”، ونزولها تحت الأرض، واحتكامها للسلاح، لان هذه الاعدامات ستصب في خانة الجناح المتشدد وعلى حساب الجناح المعتدل او ما تبقى منه.
لا ننكر أبداً ان اغتيال النائب العام الذي اصدر احكام الاعدام “المفبركة” هذه هو اغتيال لهيبة الدولة ومؤسساتها الامنية والسياسية، على افتراض ان هذه الهيبة موجودة ولم تغتل منذ أشهر او سنوات، نتيجة القرارات والسياسات الانفعالية والمتسرعة.
مصر تشبه حالياً عربة كبيرة ثقيلة ضخمة تندفع نحو هاوية عنف دموية سحيقة، ويفقد قائدها السيطرة على كوابحها في تدرج متسارع، ولا يملك غير الصراخ طلبا للنجدة، ولا من مجيب.
ما تحتاجه مصر للخروج من كل ازماتها ليس اموال الخليج، ولا اسلحة روسيا وأمريكا، ولا الحرب على الاخوان والارهاب، وإنما “الخيار الثالث” الذي يمكن أن يكون العلاج الوحيد لعودة اللحمة الوطنية، وتحقيق المصالحة الوطنية، وحقن سفك الدماء الحالي والمستقبلي، وتجديد المشروع المصري الوطني، واحياء العقيدة القتالية الصحيحة، فالشعب المصري طيب معروف بتسامحه من أجل مصلحة بلاده وامنها واستقرارها.
هذا “الخيار الثالث” لا تملكه الا جهة واحدة، وهو الجيش المصري الذي كان، وسيظل، العمود الفقري، والضمانة الوحيدة لمصر وامنها واستقرارها وهويتها الجامعة، مثلما يملك القدرة على التغيير.