عندما يبلغ القهر مداه.. ويمعن الاحتلال في غطرسته ووحشيته.. وتتعاظم محاولات تصفية القضية الوطنية، عبر «صفقة القرن» أو غيرها.. وعندما تعجز القيادات ومعها المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن إعادة الحق إلى أصحابه الشرعيين، وعندما يصبح كل شيء قابلاً للانفجار، ولا يعود للفلسطيني ما يخسره، لم يعد ثمة أي خيار سوى أن يهب الشعب الفلسطيني بأسره، شيباً وشباناً، نساء ورجالاً وأطفالاً؛ لمواجهة الاحتلال وانتزاع حقه بنفسه.
هكذا قرر الشعب شد الرحال إلى فلسطين في ملحمة وطنية وشعبية كبرى، تتضمن مسيرات للعودة من كل الاتجاهات، من داخل الوطن المحتل وأماكن اللجوء المجاورة، على وجه الخصوص، بالتزامن مع إحياء الذكرى الـ 42 لـ«يوم الأرض»؛ لكنها لن تكون مسيرات آنية؛ بل ستعتمد أسلوب البقاء على الحدود والاعتصام المفتوح والتقدم المتدرج؛ بهدف قلب الطاولة على الاحتلال، وموازين القوى الإقليمية والدولية الراهنة.
ففي زمن الصفقات وغطرسة القوة «الإسرائيلية» المدعومة أمريكياً، وفي ظل إفرازات ما يُسمى «الربيع العربي»، لم يعد من خيار أمام الفلسطيني سوى الزحف الجماعي نحو فلسطين، فإما نحن أو هم، طالما أصبحت الحياة والموت سيان. ولكن بما أن الشعب الفلسطيني يعشق الحياة ويسعى للعودة إلى وطنه واسترداد حقوقه المغتصبة، فقد آثر أن تكون مسيراته سلمية من البداية إلى النهاية، حتى لا يقدم أي ذريعة للاحتلال لاستخدام قوته الغاشمة أمام المجتمع الدولي.
ومع ذلك، فقد استبق الاحتلال الحراك الفلسطيني بالتهديد والوعيد وإلقاء المنشورات التحذيرية من أنه سيواجه تحركهم بالقوة والقمع. وفي حالة قطاع غزة، فقد استقدم الاحتلال كتائب عسكرية إلى الشريط الحدودي، ونشر عشرات القناصين من الوحدات الخاصة، مزودين بتعليمات إطلاق النار على الفلسطينيين العزل، كما أمر مستوطنيه بحمل السلاح في كل المستوطنات المحاذية للقطاع حتى أثناء ذهابهم إلى دور العبادة. ولم يتوقف عند ذلك؛ بل باشر حملة من الترهيب والتخويف عبر وسائل إعلامه وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عبر الناطقين باسمه، سعياً لثني الفلسطينيين عن التحرك؛ لكن الاحتلال، رغم ذلك، بدا مرتبكاً ومتخبطاً في قراراته، التي ارتكزت كلها إلى التهديد باستخدام القوة في مواجهة شعب أعزل.
ولعل أكثر ما يخشاه الاحتلال هو ارتكاب مجزرة أو مجازر وحشية أمام الكاميرات على مرأى من العالم كله، ضد مسيرات سلمية حضر لها الفلسطينيون جيداً، باستقدام أعداد كبيرة من الإعلاميين والمتضامنين الأجانب.
والسؤال المطروح الآن، هل ينجح الفلسطينيون في الرد على كل ما يحاك لتصفية قضيتهم الوطنية؟ الجواب برسم الأيام القادمة!
عن جريدة "الخليج" الإماراتية