مسيرات حق العودة نموذج للكفاح الشعبى

التقاط.PNG
حجم الخط

 

 

أعلنت وزارة الصحة فى قطاع غزة يوم 30/3/2018 فى ختام اليوم الأول لمسيرة «حق العودة» سقوط 15 شهيداً وإصابة نحو 1500 فلسطينى بالقطاع فى المسيرات التى نظمتها القوى والفصائل الفلسطينية فى الذكرى السنوية رقم 42 ليوم الأرض, والتى تستمر حتى منتصف مايو المقبل التى تصادف مرور الـذكرى 70 لنكبة الشعب الفلسطيني، وقد انطلقت مسيرة العودة الكبرى نحو السياج الحدودى للقطاع موزعة إلى ست مناطق (مدينة رفح ـ خان يونس ـ المنطقة الوسطى ـ مدينة غزة ـ مدينة جباليا ـ معبر إيرز شمال القطاع)، حيث بدأت حكومة الاحتلال وجيشها بإطلاق الأعيرة النارية المطاطية والحية لتفريق المتظاهرين وترهيب المواطنين ومنعهم من الاقتراب والمشاركة فى مسيرات العودة فى قطاع غزة عبر استخدام قنابل صوتية وقنابل غاز مسيل للدموع تنفيذاً لتعليمات رئيس الأركان «جادى أيزينكوت»، رغم إدراكهم الطابع السلمى للمسيرة الشعبية التى تضم النساء والأطفال، إلا أن هذا بالضبط ما يرعب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كونها مقاومة شعبية عامة، ولهذا فإنها تريد قمعها لمنع توسعها واستمراريتها فى كل مناطق التماس والاحتكاك فى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وأراضى الـ48 ودول الطوق العربى فى الأردن وسوريا ولبنان، تأكيداً لتمسكهم بحق العودة إلى الديار التى هجروا منها وفق القرار 194، فى ظل انسداد الأفق السياسى ومحاولة الاحتلال بدعم من أمريكا لتغييب صفة اللاجئ المتوارث، والعمل على توطينهم فى المناطق التى هجروا إليها.

تأتى مسيرات حق العودة رداً على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتهيئة الظروف لنقل سفارتها بالتزامن مع تاريخ إقامة الكيان الإسرائيلى على أرض فلسطين التاريخية، وقد شكلت مسيرات القطاع الأكثر خطراً على أمن إسرائيل، حيث يقيم أكثر من مليونى مواطن فلسطينى على مساحة تصل إلى 365 كم لتجعل منه الأعلى كثافة سكانية على مستوى العالم، مع تزايد الأزمات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية فى قطاع غزة، بسبب سياسة الحصار والتجويع التى يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن القول إن الحالة الشعبية والسياسية الفلسطينية أمام محطة بالغة الأهمية، ومن الممكن أن تشكل فعاليات يومى الأرض والنكبة انعطافاً جدياً فى مسار التحرك الشعبى وتطوره باتجاه الاشتباك مع المشروع الإسرائيلى فى معركة مفتوحة على اعتبار أن فعاليات هذا العام تجاوزت الإحياء الرمزى للمناسبتين المتكاملتين إلى تأكيد حق العودة إلى الديار والممتلكات، لتأخذ مسار المواجهة مع الهجمة الأمريكية / الإسرائيلية، وعدوان إدارة ترامب على مكانة القدس فى المشروع الوطنى الفلسطيني، وتعمدها نقل سفارتها إلى المدينة فى توقيت حساس للجانب الفلسطيني، وانضمامها إلى المسعى الإسرائيلى لإنهاء «الأونروا» تمهيداً لشطب حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.

ولاشك فإن جبهات الاشتباك الممتدة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967، كما فى أراضى الـ 48 فى ظل هجمة الاستيطان والتهويد بدءا من القدس والأغوار والخليل وصولاً إلى الجليل والنقب، إضافة إلى فلسطينيى لبنان وسوريا رغم خصوصية كل حالة، للنضال على طريق حل قضيتهم بموجب القرار 194 الذى كفل لهم الحق فى العودة الى الديار والممتلكات التى هجروا منها عام 1948، لايعنى أن سكان هذه المناطق معنيون حصراً بهذه المعركة، بل هى معركة الجميع سياسياً وميدانياً ودبلوماسياً، الأمر الذى يتطلب اتحاد الحالة السياسية الفلسطينية بما فيها الرسمية فى دعم التحرك الشعبى القائم عبر الدفاع عنه وتوفير العوامل اللازمة لتطويره فى إطار مقاومة شعبية متواصلة وشاملة تشترك فيها أوسع الفئات الشعبية، على أن تحتل مسألة تدويل القضية المحور الأساسى فى التحرك الرسمى الفلسطيني، ونقلها إلى المؤسسات الأممية ذات الاختصاص خاصة المحكمة الجنائية الدولية ورفع شكاوى مباشرة أمامها تمهيداً لمحاكمة الاحتلال على جرائمه بحق الشعب الفلسطينى وأرضه وممتلكاته، وعرض جرائم المستوطنين فى القدس والضفة أمام المحكمة باعتبارهم نتاجا للاحتلال والاستيطان والتهويد، وقيادة معركة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين وفى المقدمة حق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التى طردوا منها إبان النكبة وما بعدها، ومواجهة المحاولات الأمريكية / الإسرائيلية الهادفة إلى استبدال التفويض الدولى لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عبر الفصل ما بين قرار تشكيلها والقرار الدولى 194، الذى يوجه عمل الوكالة باتجاه تقديم الخدمات للاجئين إلى حين عودتهم. لقد نقل التطابق الأمريكى مع المشروع الصهيونى والسياسات الإسرائيلية التوسعية الصراع مع الاحتلال إلى مستوى أكثر خطورة فى ظل توظيف واشنطن إمكاناتها السياسية والمادية فى الضغط المباشر على الجانب الفلسطينى للقبول برؤية وشروط تل أبيب، وعلى اعتبار أن الأرض هى جوهر الصراع مع الاحتلال، فإن السياسات الأمريكية الأخيرة التى تسعى إلى ترسيم ملكية الأرض لمصلحته، عبر التخلى عن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتصريح بحق الاحتلال فى نشر الاستيطان بالضفة، والاعتراف بأن القدس عاصمة أبدية له، قد أسهمت فى تصعيد المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلى والاستيطان والمناطق العازلة والجدار، وكذا سياسات التهويد والحصار للقدس وغزة والضفة، وقطع الطريق على فرص الإدارة الأمريكية لتمرير صفقة القرن التى لاتلبى الحد الأدنى من المطالب والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لقد آن الأوان لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، ليكن «يوم الأرض» يوم العودة إلى الديار والممتلكات التى هجر منها اللاجئون، يوماً للوحدة الوطنية، تحت راية برنامج المقاومة السلمية والانتفاضة الشعبية وتدويل القضية والحقوق الوطنية فى محافل الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، يوماً للإعلام العربى والدولى الداعم لتشجيع المقاطعة الشعبية لإسرائيل، وفضح الممارسات الإسرائيلية بالمناطق المحتلة، بهدف فرض عزلة دولية على حكومة «بنيامين نيتانياهو»، وإيجاد قدر من التوازن مع المواقف اليمينية المتطرفة التى تتبناها تلك الحكومة المدعومة من الإدارة الأمريكية التى يسيطر عليها مؤيدو الاستيطان اليهودى بالمناطق المحتلة وآخرهم مرشح الرئيس الأمريكى لمجلس الأمن القومى «جون بولتون» .

 

عن جريدة "الأهرام"