05 تموز 2015
ما هي السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وتجاه حركة حماس على وجه الخصوص؟! سؤال يجب أن يطرح دائماً على ضوء أن هذه السياسة، ستنعكس بالتأكيد على الوضع الفلسطيني والقضية الوطنية بالتأكيد، إذ إن إسرائيل هي لاعب أساسي، إن لم تكن اللاعب الأساسي على الخارطة الفلسطينية، سياسياً واقتصادياً بشكل خاص، إلاّ أن التصدي للإجابة عن هذا التساؤل، يشكل تحدياً حقيقياً، خاصة عندما يتم تفحص التصريحات والمواقف والوقائع، كون كل تلك العناصر، التي من المفترض أن تسهل الحصول على جواب شاف، هي بحد ذاتها ملتبسة ومتفاوتة ليس فيما بينها، ولكن في إطار كل عنصر منها، من هنا يأتي تحدي الحصول على إجابة واضحة عن تساؤل لا بد من أن يطرح دائماً!
ولا يتوقف هذا التحدي عند المتابع غير الإسرائيلي، إذ إن وسائل الإعلام الإسرائيلية باتت في دوامة جراء بحثها عن إجابة عن هذا السؤال، المعطيات المتوفرة من خلال العناصر العديدة، تظل قاصرة عن تحديد طبيعة الإجابة عن هذا التساؤل، الذي يعتبر ضروريا للغاية، إذ على هذه الإجابة تترتب معطيات ونتائج لا بد من الوقوف عليها للتعامل معها.
ليلة الجمعة ـ السبت، استضافت القناة العاشرة الإسرائيلية في برنامج «مجلة الجمعة» محرر صحيفة «معاريف» العبرية بن كسبيت الذي انتقد محاولة إسرائيل اتهام حماس بمساعدة داعش في هجماتها الأخيرة في شبه جزيرة سيناء، باعتبار أن المسعى الإسرائيلي بهذا الشأن يتعارض مع دعوات ساسة وإعلاميين إسرائيليين إلى ضرورة التوصل إلى تهدئة مع حماس في غزة، المحاولة الإسرائيلية كانت من خلال تصريحات «منسق شؤون المناطق» يوآف مردخاي. ألون بن ديفيد مذيع برنامج «مجلة الجمعة» ومحرر الشؤون العسكرية القناة العاشرة، رد على بن كسبيت، بأن منسق شؤون المناطق، أجبر من قبل المستوى السياسي ليحرض مصر على حماس من خلال قوله إن لدى إسرائيل ما يثبت تدخل حركة حماس لصالح داعش في سيناء.
المشكلة ليست هنا، ذلك أن يوآف مردخاي وبالتعاون مع قائد المنطقة الجنوبية سامي ترجمان متوافقان على ضرورة اتخاذ إسرائيل إجراءات عملية للتخفيف عن غزة، وليس حشر حماس في الزاوية، من خلال السماح بتشييد ميناء بحري، أو ميناء عائم على الأقل، أثناء حديثه كشف بن كسبيت أن الجيش الإسرائيلي يسعى إلى تخفيف الضغط عن القطاع بهدف إبعاد شبح حرب جديدة، في حين أن المستوى السياسي والشاباك يعارضان هذا التوجه!
قد يكون مفهوماً ومبرراً، أن الجهات التي تحاول زرع الفتنة بين مصر وحركة حماس، هي ذاتها التي تعارض مبدأ التخفيف عن قطاع غزة اقتصادياً على الأقل، وتعارض أي توجه لبناء ميناء بحري وحل المشاكل المتعلقة بإعادة الإعمار ناهيك عن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وهي الجهات التي أشار إليها بن كسبيت، المستويان السياسي والأمني، لكن من غير المفهوم، أن يتصدى هؤلاء الذين طالبوا وأعلنوا عبر مختلف وسائل الإعلام عن ضرورة اتخاذ إجراءات للتخفيف عن مواطني قطاع غزة، وحث مصر على المشاركة في هذه العملية ـ وهو ما قامت به جمهورية مصر العربية دون حاجة إلى مثل هذا الحدث ـ أن يتنطح هؤلاء أنفسهم، للترويج لفتنة، لا تتفق مع تصريحاتهم وتخدم مواقف وآراء من هم على النقيض منهم؟ هذا ما جرى في ذلك البرنامج قبل ليلتين على الشاشة العاشرة الإسرائيلية، وهي إشارة من إشارات عديدة، على صعوبة الوقوف على حقيقة الموقف الإسرائيلي، والسياسة المتبعة حول العديد من القضايا، من بينها تلك المتعلقة بكيفية التعامل مع الوضع في قطاع غزة!
من بديهيات نظام الحكم في إسرائيل، أن المستوى السياسي هو الجهة المخوّلة باتخاذ المواقف والقراءات، غير أن ذلك يخضع بطبيعة الحال لجملة من الاعتبارات التفصيلية على المستويات السياسية والأمنية والاستخبارية، ويتأثر المستوى السياسي بالضرورة بهذه الاعتبارات، التي يضاف إليها عامل بالغ الأهمية، وهو المتعلق بالخريطة الحزبية وطبيعة الحكومة والمواقف داخل المجلس الوزاري المصغر، المواقف الحزبية، هي التي تملي في نهاية الأمر الموقف السياسي، وهو ما يجعل هذا الموقف أكثر إرباكاً وغموضاً في كثير من الأحيان، خاصة عندما يكون الوضع الحكومي بالغ الهشاشة والحساسية كما هو الأمر عليه الآن، هذه الحكومة يرى الجميع تقريباً أنها مؤهلة للسقوط في كل لحظة، وأن انتخابات مبكرة قادمة، عدم الاستقرار الحكومي، يزيد من «شعبوية» الأحزاب التي تريد أن تقنع الجمهور الانتخابي أنها أكثر تطرفاً، كل حزب يسعى لتأكيد هويته الدموية الأكثر يمينية وفاشية، وبالتالي فإن المواقف، قد لا تعبر عن حقيقة السياسات، بقدر ما هي خلاصة تضاريس الخارطة الحزبية.
لذلك كله، يبقى التحدي مستمراً، فليس هناك سياسة محددة، بقدر ما هي مرتبطة بالأمن والأمن فقط، في المفهوم الإسرائيلي، وتبقى الإجابة، أن السياسة الإسرائيلية هي انعكاس لهذا المفهوم، الأمن ثم الأمن!