05 تموز 2015
ليس للفلسطينيين أي مطامع في سيناء كما كان يروح بعض الإعلاميين المصريين أو كما قالت مخطئة هدى عبد الناصر ابنة الزعيم التاريخي قائد ثورة يوليو، بل إن ما يذكره التاريخ أنهم رفضوا منذ الخمسينات مشروع التوطين في سيناء الذي كان يهدف لإسكانهم في تلك الصحراء المصرية بامتياز، فلم يدفعوا كل هذا الثمن الهائل من الدم والدموع حتى يجدوا أوطاناً بديلة بل تشبثوا بكل شبر من أرضهم وبقوا صامدين منزرعين رغم كل عوامل الطرد والدمار .
حقائق التاريخ ومصالح الدول التي تفكر بهدوء دافع لإحداث تغيرات كبرى للجيوبوليتكا السياسية هكذا كان في كل الحروب، أو لهذا اندلعت حروب هائلة أزالت حدودا قائمة وأقامت حدودا أخرى لا غرابة، فللقوة منطقها وحين تكون للقوة مصلحة فهي تتآمر وتتحرك دوما لصنع حقائق جديدة تلبي حاجاتها ومصالحها.
دعونا نتفق أن غزة الراهنة تشكل كما شكلت دوما «كعب أخيل» دولة إسرائيل ونقطة ضعفها ومصدر قلقها وصداعها المزمن، وأن التخلص من هذا الصداع هو مصلحة إستراتيجية عليا بتنا نسمعها في معظم المؤتمرات ومراكز الدراسات وتسريبات المسؤولين أو نقرأها في سياق الصراع الدائم ومأزق إسرائيل الذي يتمثل بمسألتين على درجة من الأهمية:
الأولى: إن التزايد السكاني في القطاع بوتيرته الحالية كما هو متوقع لن تتسع له المساحة الصغيرة لغزة 360 كم2 وهو سيزحف على الأراضي الزراعية في غضون عقد ونصف وسيقضي عليها وستزداد معدلات البطالة والفقر وما أسماه عوزي أراد مستشار الأمن القومي السابق «الإرهاب» وإن أقرب المدن لغزة هي المدن والبلدات الإسرائيلية التي ستدفع الثمن أو ترغم إسرائيل بتوسيع القطاع على حسابها وتغيير حدودها الشمالية أو الشرقية وهذا غير وارد «هذه إحدى وثائق مؤتمر هرتسيليا 2009 لمن أراد التوسع».
الثانية: إن قضية اللاجئين هي الاستعصاء الأكبر للحل وتهدد بقاء إسرائيل كدولة يهودية إن تحققت العودة وإذا ما تأملنا في الإقليم وماذا حصل للاجئين في الكويت الذين تبخروا في غضون 72 ساعة، وكذلك ما يحدث للاجئي سورية، الجاليتين الأكبر وكذلك لاجئو العراق والنزيف الصامت للاجئي لبنان يبقى قطاع غزة المخزون الأضخم للاجئين وبالتالي يجب تفريغه أو إزاحته كلياً.
لهذا فإن كتاباتنا عن غزة وحلها تأتي ارتباطا بما يفكر به الإسرائيلي ومتابعة لاستدراج غزة إلى المكان الذي يريد، لهذا يأتي الحديث بثقة عن رغبة إسرائيل بفصل غزة أو إغراقها في البحر كما تمني رابين ذات يوم وبلا تردد، من هنا فإن التحذير الدائم هو ما يجب أن يفعله المراقبون والمتابعون والكتاب بغض النظر عن رأي المسئولين الذين يعتقدون عكس ذلك أو ينزعجون من تلك التحذيرات.
إذن هناك ارتباط وثيق بين سيناء وغزة في العقل والفعل الإسرائيلي، وعلينا أن نفكر بعلاقة ما يحدث في الأولى بالثانية وهنا ليس بالضرورة أن تتآمر إسرائيل مباشرة مع الأطراف الفاعلة بل أن دورها انتقل إلى تهيئة الظروف لدفع الأطراف للذهاب نحو مصالحها.
هذا ما حدث في المنطقة منذ إسقاط الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي ضرب تل أبيب، فكان لا بد من تصفية حساب طويل معه مروراً بتجريد سورية من الكيماوي كما اعترف يوفال شتاينتس الشهر الماضي بأن دولته كانت خلف ذلك.
لذا فإن السؤال المنطقي: هل ستترك إسرائيل المنطقة التي تسبب لها الأزمة الأكبر بلا فعل ؟ وهل ستقف إسرائيل بلا دور منتظرة تغيرات ومعارك تلقائية على حدودها؟ من يعرف إسرائيل يدرك أنها لا تترك شيء للمصادفات بل إنها طرف فاعل ومؤثر في أحداث الإقليم الدامية تسندها دول كبرى بينما العرب يتحركون بلا إستراتيجيات وبردود لحظية عاطفية فعل بعيدة عن السياسة فقد فتتوا أوطانهم بأيديهم وجولوها إلى بركة من الدماء كما تريد إسرائيل.
دعونا نقرأ غزوة الأربعاء في سيناء ونضع سيناريو خيالياً ولكنه قريب الواقع. إسرائيل كان لديها معلومات فقد حركت دباباتها ووضعت مدافعها على الحدود باتجاه الجنوب. والسيناريو يتمثل بسيطرة المسلحين على مدينة الشيخ زويد وإقامة ولاية سيناء فيحدث انسحاب للقوات المصرية على الحدود مع قطاع غزة «وقد حدث مؤقتا»، وتنهار تلك الحدود بعد أن تسيطر هذه الدولة على المنطقة بين العريش وغزة ثم تفتعل إسرائيل حرباً على القطاع بحجة بعض الصواريخ التي تطلق منه تؤدي هذه الحرب إلى نزوح مئات الآلاف من سكان القطاع إلى إمارة الولاية التي ستحتضنهم وتكرم لجوئهم واستضافتهم.
وهنا ستتطوع دولة خليجية كانت قد سخرت أهم وسيلة إعلام لإعلان الولاية قبل أن تنتهي المعارك هناك وقد كان ذلك شيئاً لافتاً أثار كل المراقبين .. ستتطوع هذه الدولة الجاهزة بفتح جسر جوي أو بحري للمساعدات الإنسانية لإغاثة وإسكان اللاجئين هناك، فالطريق مع البحر أصبح مفتوحاً سواء للإغاثة أو للترحيل ولجوء أبعد، وقد تقرر شكل الحرب ونهايتها طبيعة العلاقة الدائمة وقد تنتهي بإضعاف شديد لحركة حماس تسمح لقوى أخرى بتعزيز حضورها على امتداد القطاع الموسع في سيناء حتى العريش.
وهكذا تضرب إسرائيل عشرة عصافير بحجر واحد, لكن ذلك السيناريو الافتراضي قد فشل بسبب جهوزية الجيش المصري الذي سيطر بسرعة على المنطقة بالرغم من وطأة الخسائر، وأيضا لعبت حركة حماس دوراً في ذلك بضبطها الحدود ولم تسمح بأي تسرب منع من خطط بالمشاركة والإسناد في معارك سيناء. لهذا تجند منسق شؤون المناطق في الحكومة الإسرائيلية غاضبا لتحريض مصر على حركة حماس باتهامها بمساعدة داعش وهو الاتهام الذي سخر منه الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت قائلاً: إن «يوأف مردخاي الذي لم يكن موفقاً في ذلك «وأنه أي مردخاي أجبر من قبل المستوى السياسي في إسرائيل ليحرض مصر على حماس عبر إعلانه بوجود إثباتات إسرائيلية على مساعدة حماس لداعش في هجماتها».
لم تأخذ مصر الاتهام بجدية ولم يقم الإعلام المصري كعادته بحملة كبيرة باتهام غزة .. انتهت هذه الجولة دون أن تحدث انزياحة، لكن بقيت قصة غزة بحاجة إلى حل وفقا للمنظور الإسرائيلي فكيف ستكون الجولة القادمة؟
هذا ما يجب أن تدركه حركة حماس التي تحكم غزة منذ سنوات وتحارب في غزة وتفاوض على غزة... أن تدرك بأن الخلاص لا يتم إلا عبر الوحدة وإعادة ربط غزة بالوطن فإسرائيل لن تكف عن دفع غزة مهما كلف الثمن وحتى أغلب الظن أن حركة حماس بدأت تدرك الأمور بشكل مختلف فهناك ما يثير الشبهة في العروض وما يثير الشبهة في الوسطاء وأصحاب المساعدات الإنسانية، فالأمر يحتاج إلى تفكير أعمق وقرارات جريئة من قبل حماس والسلطة وحتى لا تكونان شهود زور في أحسن حالاتهما أو مسيران لما يخطط الإسرائيلي عليهما التفكير بشكل مختلف فالمصالحة ليست رواتب ومعابر بقدر ما هي مشروع وطني غزة جزء منه بل وجزء مهم ...إسرائيل لن تتوقف عن التفكير بغزة وفصلها فالمسالة بالنسبة لها أمن قومي ولا تهاون في الأمن القومي ..!