القضية الفلسطينية في أصعب مراحلها...فما العمل؟!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

مرت القضية الفلسطينية على مدى تاريخها، منذ مؤتمر بازل الصهيوني، في الكثير من مراحلها المؤسفة والصعبة، سواء عبر خيانات الغرب لنا، والتي لا تعد ولا تحصى، أو جهل عربي متقدم، أو أنانيات ضيقة من قبل زعماء عرب أو زعامات فلسطينية جاهلة لم تصل الى مستوى القضية الفلسطينية.

إننا اليوم نعيش حالة الصدمة الكبرى، ويطرح بقوة السؤال حول ان نكون أو لا نكون، خصوصاً وأن الذي بات يتحكم في قضايا العالم المصيرية وأمنه واستقراره رجل جاهل سياسياً وثقافياً ولا يتمتع بالحد الأدنى من القيم الانسانية والاخلاقية، وقد وجد اليمين الاسرائيلي الأعمى ضالته في هذا الجاهل.

كما أن البلاد العربية غارقة في الخلافات بين حكوماتها وتئن شعوبها تحت وطأة الحروب الداخلية والنزاعات الطائفية والمذهبية ولذلك ليس لديها أي إمكانية لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الذي يعاني أيضاً من فرقة سياسية وحزبية.

لذلك نقول للأخ الرئيس محمود عباس: أعانك الله على كل هذه الفوضى أو الدوامة التي نحن فيها.

بعد أيام قليلة ستعقد قمة عربية في السعودية برئاسة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، والمعروف عنه بأنه رجل عروبي، يقف دائما مع قضايا العرب وخصوصاً القضية الفلسطينية، ولكن الخوف من الوضع العربي والاقليمي الراهن وما ينطوي عليه من مخاطر وتهديدات، يجعل العرب أجمعين مكبلين في ترتيب أولوياتهم، مما يجعل قضيتنا تواجه ظروفاً أصعب بكثير مما كانت عليه في السابق.

ولذلك وعلى ضوء الوضع الفلسطيني الصعب ليس أمام الأخ الرئيس أبو مازن سوى أن يطلب من العرب، وخصوصاً الدول الخليجية النافذة الدعم السياسي والمساعدات المادية التي يمكنهم تقديمها لنا. وهذه المساعدات التي سيوافق عليها العرب يجب أن تنفذ وان لا تبقى حبراً على ورق، أي أن معيار الجدية يكمن في التنفيذ وليس بالقرارات التي لا يستطيع العرب تنفيذها.

لم يعد ممكناً أن يبقى الشعب الفلسطيني لوحده يقاوم إحتلالاً بغيضاً تدعمه أكبر قوة في العالم وتغض الطرف عنه دول غربية وأوروبية، مقابل ترهل عربي على جميع الأصعدة، حتى أن اعتداءات المتطرفين من اليهود والاحتلال على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وهو ما يفترض أن يهم العرب والمسلمين، بات أمراً شبه عادي.

ويبدو للوهلة الأولى أن المسلمين لم يعد لديهم الحماس للوقوف أمام هذا الزحف الصهيوني ومحاولة تصفية قضية شعبنا الفلسطيني، بل يكتفون بالاستنكار والتهديد والوعيد الذي لم يقدم أو يؤخر أو يردع، بل بالعكس نجد أن الاحتلال يزيد من إعتداءاته وخصوصاً الإقتحامات اليومية من قبل المستوطنين للمسجد الأقصى والصلاة في باحاته تحت حراسة قوات الاحتلال الذي لا يعبأ بالاتفاقات الموقعة بينه وبين الأردن. هذا عدا عن إستمرار الاحتلال بتنفيذ مخططات تهويد القدس وتوسيع الإستيطان فيها والتضييق على أهلها المقدسيين.

في هذا الجو المتردي تنعقد القمة العربية في السعودية، وهي قمة يجب أن تسمى «قمة القدس الشريف»، وهنا على الرئيس محمود عباس أن يكون واقعياً وصريحاً مع العرب كافة ويبحث الإمكانيات المتوافرة لدى العرب من أجل التأثير على أميركا وان يكون العرب جادين في ممارسة هذا التأثير كي تضغط اميركا على الاحتلال لالزامه بتقديم «التنازلات» اذا جاز التعبير، أو بشكل أدق الاستجابة للقرارات الدولية ولما وقعت عليه اميركا والمحتل، لأن جميع القرارات التي وقعت عليها اسرائيل لم ينفذ منها شيء، وهذا لا يمكن أن يقبله العرب، إذا كانت أميركا تريد بأن تكون العلاقات الأميركية العربية في المستوى الذي نراه اليوم.

كما وأنه في هذه الظروف التي تمر بها دول الخليج والتي هي الداعم الأكبر لقضيتنا، خصوصاً المملكة العربية السعودية، وخاصة ما يتعلق بإيران نقول بأن الخطر الإيراني يشكل تهديدا حقيقياً للأمن العربي، وأكبر دليل على ذلك ما نراه اليوم من صواريخ حوثية تصل الى الرياض، لذلك علينا أن نكون حذرين في طلباتنا من هذه الدول، وان لا نكون عبئاً عليها، وأن نركز على ما تجمع عليه الأمة العربية وما أجمعت عليه القمم العربية من قرارات بشأن القضية الفلسطينية.

وما من شك فإن الأخ الرئيس أبو مازن يعرف ثقل دول الخليج والحدود التي تستطيع أن تقدم الدعم اللازم لنا خلالها. وما من شك فإن القضية الفلسطينية تمر اليوم بأصعب مراحلها، فلا مجلس أمن ولا الجمعية العمومية تستطيع ردع هذا الاحتلال عن ممارساته الوقحة يومياً ضد الشعب الفلسطيني، كما أن الإدارة الاميركية صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم.

لذلك فإن ما نطلبه من أشقائنا العرب يقع في حدود المعقول بحيث تستطيع الدول العربية الضغط على اميركا في إطار هذا الاجماع العربي الذي لا خلاف عليه بشأن القضية الفلسطينية.

وعلى ضوء مواقف ترامب وتصريحاته المتناقضة والمنحازة للاحتلال فإن من الجدير أن تؤكد القمة العربية حدود الدولة الفلسطينية المستقلة بما فيها حدود القدس العربية خاصة، للرد على ترامب بموقف عربي واضح ومحدد.

دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تاريخها معروف في دعم القضية الفلسطينية، ودائماً تقول إن الذي يقبله الفلسطينيون نقبله نحن، ولذلك يجب أن تكون مواقفنا محددة ومعروفة، وهي دولة فلسطينية على أساس حدود العام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل بالنسبة لعودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم واطلاق سراح كافة الأسرى.

لقد اتضح أن «الراعي الأكبر» لعملية السلام منحاز انحيازاً كاملاً للمحتل، لذلك على السلطة ان تعمل على رسم خارطة واقعية إستناداً الى ثوابتنا الوطنية المتعارف عليها، وتقديمها للقمة العربية كي تتبنى هذه الخارطة، أي خارطة يقبل بها الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، لأن القمة العربية عليها ان تقول صراحة ما هي الحدود التي يمكنها ان تضغط على أميركا ضمنها.

إن التناقض الواضح بين تصريحات ترامب ووزارة خارجيته والصهيونية، نايك هلي، ممثلة اميركا في الأمم المتحدة، من قضية القدس تجعلنا في وضع نقرر ما هي الحدود التي يجب أن تكون ضمن الدولة الفلسطينية، حيث لا يكفي أن تقول الدول العربية بأنها توافق على ما توافق عليه السلطة، بل يجب على العرب تقديم مقترحات بناءة لرفع الظلم الواقع على شعبنا منذ سبعين عاماً، لأن العرب هم أيضاً شركاءنا في السراء والضراء منذ العام ١٩٤٨ وما قبل ذلك.

ان القضية الفلسطينية أصبحت الآن في حكم المجهول إذا لم يشارك العرب فعلياً في تحريك المياه الراكدة، واذا لم يتحركوا فعلياً لنصرة فلسطين وشعبها ومواجهة ما يحاك لهذه الأمة.

لقد صبر الشعب الفلسطيني كثيراً على سرقة أراضيه والقتل المتعمد يومياً والإعتداءات الاسرائيلية اليومية على المقدسات، ومع ذلك لم تهتم اميركا، بل أمعنت في تشجيع الاحتلال على التصرف بحقوق شعبنا كما يشاء.

في قمة بيروت عام ٢٠٠٢م قدمت الدول العربية هدية لاسرائيل لم تكن تحلم بها، إذ عرضت على اسرائيل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام ١٩٦٧ مقابل الاعتراف الكامل، ومع الأسف لا اسرائيل ولا الراعي الأميركي اهتما بهذه المبادرة السخية.

والآن بعد ان أوضحت السلطة ما تريد وأيد العرب المطالب الفلسطينية، حتى جاءت صفعة القرن التي ألغت جميع المبادرات الممكن إنجازها فإن على العرب الآن تقديم مبادرة للراعي الاميركي كي نخرج من هذا النفق المظلم، لأن من المستحيل ان يبقى الشعب الفلسطيني صاحب الأرض بدون وطن ويعيش في الشتات على هذا النحو ، كما ان من غير المقبول أن يتواصل هذا الاحتلال البشع وأن تستمر معاناة شعبنا الى ما لا نهاية.

ونأمل لهذه القمة النجاح والخروج متحدين وملتزمين بتفعيل القرارات المصيرية التي ستخرج بها ليس فقط بشأن الشعب الفلسطيني وإنما أيضاً بشأن مصير ومستقبل أمتنا العربية والاسلامية.