الساحة السورية...ما لها وما عليها!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

الاعتداء الثلاثي بقيادة أمريكا ضد سوريا هو خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة واعتداء ليس فقط على سوريا بل على الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ، كما أن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين ، إن كان قد حدث ، فإنه جريمة حرب بشعة يجب تقديم المسؤولين عنها إلى محكمة الجرائم الدولية باعتبارهم مجرمي حرب ضد الإنسانية وإيقاع أقصى العقوبة بهم.

لم يمض وقت طويل على تهديدات واشنطن بضرب سوريا حتى جاءت الضربة. وهذه الضربة تُعيدنا إلى أيام بدايات الحرب ضد العراق والتي أدت في نهاية المطاف إلى إسقاط نظام صدام حسين والزج بالعراق في أتون الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية وتدميره من الداخل لعشرات السنين القادمة ، وإعطاء إيران موقع قدم ثابت على الساحة العراقية بعد أن كان الرئيس صدام حسين يقف موقف الدرع الواقي لدول الخليج والسعودية ضد التهديدات الإيرانية . فلولا حرب العراق ما ظهرت إيران كقوة إقليمية تفرض نفسها على أجندة المنطقة . فأية قوة إقليمية جديدة ستظهر على الساحة إذا سقط النظام السوري؟

سؤال لا بد أن يؤخذ في الحسبان من قبل أولئك الذين يصرون على إسقاط نظام بشار الأسد بالقوة وعلى طريقة إسقاط نظام صدام. وإذا كانت الضربة ضد العراق هي البداية لزجه في ذلك الأتون ، فإن سوريا موجودة الآن في مرحلة متقدمة جدا من ذلك ، فهي مدمرة تماما ً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والبنية التحتية ومستنزفة عسكريا ً إلى أقصى حد وشعبها ممزق ومهجر ومشتت في شتى أرجاء المعمورة ولكن نظام بشار الأسد لم يسقط بل استطاع النجاة بأعجوبة مذهلة لم تكن لتتم لولا أنه أحسن لعبة المحاور الإقليمية والدولية وقبل أن يضع بلاده تحت السيطرة التامة لروسيا وإيران بعد أن أصبح هدفه مجرد البقاء في الحكم أيا كان الثمن.

ومع أن سورية مدمرة تماما ً ولم تعد تشكل بحد ذاتها عاملا ً قادرا ً على لعب أي دور إقليمي إلا أن بقاء الأسد في الحكم يشكل في نظر الدول التي أقحمت نفسها بالمال والسلاح في الحرب السورية يعد فشلا ً لتلك الدول وضياعا ً لكل ما أنفقته ، بل إن كل ما كانت تعتقد بأنها ستمنع وقوعه إذا أسقطت نظام الأسد قد تحقق من خلال محاولاتها تلك. فالنفوذ الإيراني في سوريا لم يكن ليتجذر ويتعمق في سوريا لولا أن أدى تدخلها إلى تعجيل ارتماء الأسد في حضن إيران والإستسلام للطلبات الروسية والرضوخ لهما وتجذير وجودهما على أرضه. فإيران تمتد جغرافيا ً من إيران عبر العراق وصولا ً لسوريا وتواصلا ً مع حزب الله في لبنان وروسيا تسيطر على رقعة واسعة من الأرض السورية وقواعد لم تعد تقتصر على المياه الدافئة في طرطوس.

ولكم شعرت بالاستهجان أمس وأنا أسمع البعض يقول وفي أعقاب الضربة الأمريكية البريطانية الفرنسية لسوريا بأن ذلك يُشكل اعتداء على دولة ذات سيادة . فسوريا لم تعد دولة ذات سيادة بأي شكل من الأشكال وإنما هي دولة فيها نظام رهن جزءا ً من بلاده للسيادة الإيرانية وجزءا ً آخر للسيادة الروسية وأرغم على التنازل عن أجزاء أخرى للسيادتين التركية والأمريكية علما ً بأن الوجود الأمريكي ليس إلا وجودا بالنيابة . فأمريكا تشكل غطاء أو قناعا لوجود دولتين عربيتين على الأقل قامتا منذ بدء الحرب الأهلية في إقحام أنفهما بالشأن السوري وأدت إلى استخدام السلاح ضد النظام وإخراج الإنتفاضة الشعبية السورية من إطارها الوطني والشعبي المحق إلى إطار حرب تشنها عدة دول في الإقليم ضد مصالح بعضها البعض وضد النظام السوري على الأرض السورية وإعطاء المبرر للنظام ليقوم هو الآخر باستخدام السلاح وبعنف دموي ، وكل ذلك على حساب دماء وويلات الشعب السوري .

ولقد كان واضحا ً منذ البداية أن الهدف الرئيسي لتلك الدول هو إسقاط نظام الأسد لضرب النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان خدمة للعلاقات الخفية بين هذه الدول وإسرائيل لتمرير مخطط التطبيع العلني مع إسرائيل وتكريس الهيمنة الإسرائيلية الأمريكية على المنطقة ، وتصفية القضية الفلسطينية في إطار إعادة ترسيم حدود عدد من دول المنطقة وصياغتها من جديد.

ويمكن القول الآن بأن هذا المخطط قد فشل لأن النظام السوري تمكن ولو على حساب التنازل عن سيادة بلاده ورهن أجزاء منها لروسيا وإيران أن يضمن لنفسه البقاء في الحكم وهو يسيطر اليوم على معظم الأراضي السورية بينما تخضع أجزاء أخرى للإحتلال التركي والأمريكي وبينما تتواجد إسرائيل في الأجواء السورية وتنسق طلعاتها وضرباتها مع روسيا حليفة الأسد!! تماما ً كما نسقت أمريكا ضربتها فجر أمس مع روسيا رغم إنكار ذلك ، لأن أحدا ً لا يستطيع أن يصدق بأن أمريكا وحليفتيها فرنسا وبريطانيا قامت بضرب أهداف سورية بدقة متناهية متجنبة أي تماس أو احتكاك مع الجيش الروسي دون أن تنسق معه.

هذا الوضع الحالي في سوريا يعني أن أمد الحرب سيطول مع مراوحة إلى أعلى والى أسفل ، وأن التقسيم بحكم الأمر الواقع سيتجذر ويتثبت على الأرض ، وأن معاناة الشعب السوري ستستمر.

إن أحدا ً ذو عقل أو منطق لا يستطيع تصور مستقبل سوريا مع بقاء بشار الأسد في سدة الحكم. ولا شك بأن الحاجة الآن هي لإخراج سوريا من أتون الصراع مع الحفاظ على سلامة أراضيها وسيادة شعبها وهذا يتطلب ترتيبات مرحلية انتقالية يتم من خلالها إنهاء سلمي وهادىء لحكم نظام الأسد ، وتحقيق مصالحة وطنية سلمية داخل سوريا وخروج كافة الدول والقوى المتصارعة على الأرض السورية من هذه الأراضي. ومثل هذا يتطلب جرأة وشجاعة من كافة الأطراف وفي مقدمتها النظام الذي آن له أن يرحل ولكن بشكل منتظم منعا لإغراق البلاد في مزيد من الدماء والفوضى. فهل يمكن ان يتحقق ذلك؟ لا أعتقد أنه من السهل ولكنه من الممكن.