لم يكن العالم قريبا من اندلاع حرب عالمية ثالثة مثلما حاله الآن، فالأزمات والصراعات الدولية تزداد حدة، وتضارب المصالح دخل نفق اللاعودة، وبتنا على أعتاب صراعات دولية غير مسبوقة، تتجاوز الحرب الباردة، والشواهد عديدة، من الأزمة الكورية إلى التنافس الخشن فى بحر الصين الجنوبي، والأزمة الأوكرانية، والحرب التجارية التى وصلت إلى درجة الخطر على الإقتصاد العالمي، وصولا إلى الأزمة السورية، التى يمكن مشاهدة أشباح الحرب العالمية تحوم حولها، ووصل فيها الوضع إلى التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا بالأعمال العسكرية.
الكابح الوحيد لاندلاع حرب عالمية ثالثة هى أن الدول الكبرى تمتلك أسلحة نووية قادرة على إفناء العالم عدة مرات، وهو ما يبعث على الإعتقاد بأن هذا كافيا لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة، لكن ذلك ليس ضمانة كافية بعدم اندلاع الحرب للأسف، فلم يكن قادة أى من دول العالم التى خاضت الحربين الأولى والثانية يدرك أن خطوات الحرب الأولى سوى تؤدى إلى حرب عالمية تمتد لسنوات ويسقط فيها عشرات ملايين القتلي، ولو كانوا يتوقعون حجم الدمار والدماء لما أقدموا على الحرب، لكن الحروب الصغيرة قابلة إلى الإتساع والتدحرج حتى ينفلت زمامها، فمن يخسر معركة يريد تعويضها، ومن يربح يطمع فى تعزيز انتصاراته.
المنطق الإسرائيلى بشأن الحرب الإستباقية يشكل أكبر تهديد بسرعة إندلاع حرب عالمية، فإسرائيل تعتقد أن كلا من إيران وحزب الله سيصبحان أشد خطورة عليها فى السنوات المقبلة، وأن إيران على مسافة خطوة واحدة من إنتاج قنبلة نووية، وطالما أن الحرب حتمية، فالأفضل أن تقع اليوم بدلا من الغد، ولهذا تحرض الولايات المتحدة على ضربة إستباقية ضد إيران، وهذا السيناريو سيكون الأقرب لنشوب حرب عالمية واسعة، حيث القدرة الصاروخية الإيرانية يمكن أن تلحق بإسرائيل خسائر لن تحتملها، تدفعها إلى المخاطرة بحرب استباقية، وترد إيران بضرب إسرائيل والقواعد الأمريكية فى دول الخليج، وتنضم إليها سوريا والعراق وحزب الله، بينما سيكون لدى إسرائيل حلفاء من المنطقة وخارجها، خاصة الولايات المتحدة، لتنجر روسيا والصين إلى ساحة المعارك التى ستنتقل شظاياها بسرعة إلى شرق آسيا ووسط أوروبا، والمدهش أن الدول الأكثر حماسا لمثل هذه الحرب ستكون فى مقدمة ضحاياها.
لقد كان التهديد المتبادل بين زعيم كوريا الشمالية والرئيس الأمريكى بالضغط على زر إطلاق الصواريخ النووية مثال خطير لما يمكن أن يلحق بالعالم نتيجة مشادات بين رئيسين، تصل إلى مستوى التلويح بالدمار الشامل بكل هذه السهولة، وإن كان الأمر ينطوى على مبالغات، إلا أن اشتعال حرب ولو بالأسلحة التقليدية يمكن أن يصيب بعض القادة بالجنون، وإذا كانت الولايات المتحدة الدولة الأقل فى الخسائر خلال الحربين العالميتين السابقتين بسبب بعدها الجغرافى عن ساحات القتال، إلا أن التطور التقنى الكبير فى مجال الصواريخ قد أطاح بهذه الميزة، وهو ما ينبغى أن يجعل الإدارة الأمريكية أقل تهورا فى السعى نحو الحرب، لكن صعود المحافظين الجدد إلى المواقع الأكثر حساسية فى الإدارة الأمريكية يؤشر لعكس ذلك، ويعكس أجواء الرغبة فى عسكرة الصراعات بعد أن عجزت الولايات المتحدة عن إحداث إصلاح إقتصادى يمكن أن يخرجها من أزمتها.
لم يكن ارتفاع منسوب سخونة الأوضاع فى سوريا وكوريا سوى نموذج لما يمكن أن تتطور إليه الأوضاع فى مناطق التوتر التى يزداد عددها وترتفع درجة حرارتها، والحلقة الرئيسية فى هذا الصراع تكمن فى التصريح الذى أدلى به الرئيس الصينى منذ عدة أيام، وقال فيه إن الولايات المتحدة لا تريد أن تعترف بأن العالم قد تغير، وأن القطبية الأحادية والهيمنة الأمريكية قد انتهت، مشيرا إلى أن تصعيد الحرب التجارية، وفرض الولايات المتحدة رسوما متزايدة على وارداتها من الصين سوف يجر العالم إلى أزمة غير مسبوقة.
أما روسيا، فبالرغم من متاعبها الإقتصادية إلا أنها عازمة على استعادة مكانتها، على ضوء التوتر الزائد فى شرق أوروبا، وشعور روسيا بأن الولايات المتحدة تطوقها عسكريا من كل الجهات، وهو أحد أسباب التحرك الروسى للتدخل فى سوريا، قبل أن تغلق آخر القواعد العسكرية الروسية على البحر المتوسط، وتتحكم فى مسارت حركة تجارة الغاز، وإن كان الجيش الروسى أقل عددا من نظيره الأمريكى فقد حققت روسيا طفرة كبيرة فى تكنولوجيا الصواريخ والطائرات الحربية والغواصات، وسبقت نظيرتها الأمريكية بخطوة كفيلة بأن تضمن لروسيا حضورا عسكريا وسياسيا منافسا للولايات المتحدة..
تراهن كل من روسيا والصين على أن تستوعب الولايات المتحدة المتغيرات الجديدة، وأن ترضى بعالم متعدد الأقطاب، مع الإستعداد لخوض جولات من الصدام المحسوب، تضمن انتصارا لهذا النهج بالنقاط، بينما الولايات المتحدة تعاند وترفض النزول طواعية من عرش الهيمنة، حتى لو اضطرت إلى خوض صراع بالضربة القاضية.
عن جريدة "الأهرام"