اما آن للسجن أن يقذف جنرالات الصبر

images.jpg
حجم الخط

 

ثمانيةٌ وأربعون أيقونة من أيقونات شعبنا ما زالت خلف جدران سجون الإحتلال وفي أقسام عزله وزنازينه ...أقلهم مضى على وجوده عشرين عاماً فما فوق ....ومنهم من جاوز الثلاثين عاماً في الأسر والإعتقال: كريم يونس، ماهر يونس وليد دقه، ابراهيم أبو مخ، صالح ابو مخ، ابراهيم بيادسة، سمير أبو نعمة، ومحمد الطوس، ونائل البرغوثي، وعلاء البازيان، وناصر عبد ربه، وعدنان مراغة، ورجب الطحان، والقائمة تطول...

معاناة هؤلاء الأسرى مضاعفة عن معاناة أسرانا ال 6500 أسير، الذين يشاركونهم المعاناة والقيد، وهذه المعاناة هي تعبير مكثف عن معاناة أسرانا في سجون الإحتلال، وقصور أحزابنا وفصائلنا وسلطتنا اتجاههم.

المناضل القائد كريم يونس المعتقل من 30/1/1983، يدخل عامه الإعتقالي السادس والثلاثين، ومعه كوكبة اخرى ممن قضوا ثلاثين عاماً فما فوق، ومعاناتهم ومعاناة كل الأسرى مستمرة ومتواصلة في سجون الإحتلال وأقسام عزله وزنازينه، وهذه المعاناة وتغول" و" توحش" ادارات قمع السجون الإسرائيلية تجاه أسرانا وحقوقهم ومكتسباتهم وظروف حياتهم المعيشية، هي التي تدفع بهم الى خيار الدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم ووجودهم عبر معارك الأمعاء الخاوية، معارك الإضرابات الجزئية أو المتواصلة بالإضراب عن الطعام. وحين لم يترك عسف السجن والسجان مجالاً أو خياراً لهم، سوى خيار الإضراب المفتوح عن الطعام....قال كريم يونس وماهر يونس ووليد دقه وابراهيم ابو مخ وصالح ابو مخ ومحمد الطوس ونائل البرغوثي وعلاء البازيان وتلك القائمة الطويلة من عمداء وجنرالات الحركة الأسيرة " نعم للجوع وألف لاء للركوع".

هذا الشعار الناظم هو الذي رفعه أبناء حركتنا الأسيرة في كل معاركها الإعتقالية، معارك الأمعاء الخاوية في وجه إدارات قمع مصلحة السجون الإسرائيلية، لكي يحفظوا عزتهم وكرامتهم، ولكي يدافعوا عن حقوقهم ومكتسباتهم، ولكي ينالوا حقهم من حياة إنسانية وعناية طبية، وينهي سياسة العزل التي دأبت أجهزة المخابرات الإسرائيلية وإدارات السجون الإسرائيلية على فرضها بحق كل من تقول بأنه قائد أو كادر اعتقالي متهم بالتحريض عليها، أو بالعمل على تأطير وتنظيم أوضاع الأسرى في السجون. وكذلك استخدموا هذا السلاح من أجل استعادة حقهم بالتواصل مع أهاليهم عبر الزيارات العائلية التي منع الكثيرون من الأسرى منها لفترات طويلة وبالذات أسرى قطاع غزة.

أسرى شعبنا في الداخل الفلسطيني- 48- والى حد ما أسرى القدس، هم الأكثر ظلماً واضطهاداً وتعرضا للقمع والتنكيل بهم، فهم من رفض الاحتلال أن يتفاوض باسمهم وفد منظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار انهم من حملة الجنسية والهوية الإسرائيلية، وللأسف كانت مواقف الوفد الفلسطيني المفاوض، ليست صلبة بما فيه الكفاية، بما مكن الاحتلال من استثنائهم من التحرر في عمليات الإفراج وما يسمى بحسن النوايا، وكذلك في العديد من صفقات التبادل، حتى الدفعات الأربع من أسرى ما قبل أوسلو الذين اتفق على إطلاق سراحهم في المفاوضات التي رعاها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، أسرى الداخل الفلسطيني – 48 - والعديد من أسرى القدس، اجلوا للدفعة الرابعة، وكان واضحاً بان المحتل تعمد تأخيرها، حتى يتحين فرص إلغائها، وهكذا تم عندما فشلت المفاوضات.

أسرى القدس والداخل الفلسطيني- 48 -تعمّد المحتل وإدارة مصلحة السجون في وضعهم في سجون أو أقسام خاصة، لكي يمنعوا اختلاطهم ببقية أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية، وما ترتب على ذلك من منع للمحامين من زياراتهم، على اعتبار أنهم مواطنين أو ساكنين في دولة الاحتلال.

أيقونات الحركة الأسيرة الثمانية والأربعين، صمدوا وضحوا وتتلمذ وتخرج على أيديهم المئات، بل الألآف من أبناء الحركة الأسيرة، وكانوا دائماً القادة والرموز لكل المعارك النضالية التي خاضها أسرانا، يتقدمون الصفوف، ويوزعون معنويات وصمود على كل الأسرى، لم تلن لهم قناة، ولم تضعف لهم عزيمة، ولم تنكسر لهم إرادة، لآن الحديد ولم تلن اجسادهم، رغم ان أجساد الكثيرين منهم تحولت الى مجمعات لأمراض مزمنة فتكت بها بسبب رطوبة وتعفن زنازين وغرف السجون، والحرمان من العلاج، والقمع والتنكيل وطول فترة الإعتقال، إلا انهم بقوا، مدافعين عن وجودهم وهويتهم وانتماءاتهم، في وقت كانت فيه مخابرات الإحتلال تحاول مساومتهم على إنتماءاتهم تحت وعود زائفة ومضللة بتقديم تحسينات على شروط وظروف حياتهم الإعتقالية، ولكنهم رفضوا ذلك بشدة، وقالوا «من اجل فلسطين وقضيتنا إنتمينا، ولن نساوم على ذلك أبداً».

بعد كل هذا الإهمال والنسيان الذي يتعرض له أسرانا من الداخل -48 - والقدس على وجه الخصوص في سجون الاحتلال، وهذا ليس من باب الجهوية او المحلية، بل هوا الواقع الموجود الذي حان الوقت لكي نغير معادلاته، فلا بد ان يكون هؤلاء القادة في رأس سلم اولويات السلطة والقوى والفصائل، وأي صفقة تبادل يجب أن لا تتجاوزهم بالمطلق، وكذلك أي عملية سياسية تجري، يجب ان يكونوا في مقدمة أجندة التحرير من الأسر. أما إذا تجاوزتهم صفقة التبادل أو العملية السياسية، فهذا يعني بالملموس خيانة لهؤلاء الأسرى ولتضحياتهم.

في ذكرى يوم الأسير تتعرض الحركة الأسيرة لعمليات قمع وتنكيل ممنهجة من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها، وفي ظل الإستهداف الشامل لها، بكل ألوان طيفها السياسي، فإنه آن الآوان، لكي يفكر قادة فصائلها واحزابها المعتقلين،بانه لا بديل عن وحدة الحركة الأسيرة، وبأن يعود للحركة الأسيرة دورها وموقعها النضالي المتميز، عبر تفعيل المؤسسة الإعتقالية الموحدة، بتشكيل هيئة قيادة اعتقالية موحدة، وأنه يجب إنهاء القطيعة بين أطرافها وفصائلها، بحيث لا يكون هناك أقسام لحركة حماس وأخرى للجهاد ومنظمة التحرير، فنحن عندما تفرقنا وعطلنا المؤسسة الإعتقالية الجامعة، هزمتنا إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، وللتدليل على ذلك لنتمعّن ما أصاب الحركة الأسيرة من هزيمة في إضراب آب/2004، بسبب فقدان الحركة الأسيرة لوحدة مؤسساتها الإعتقالية الموحدة، من لجان نضالية، وهيئة قيادية اعتقالية موحدة، واداة تنظيمية وطنية موحدة، وما تبع ذلك من تكريس لهذا الواقع والمستجد، بفعل حالة الإنقسام التي يعيشها جناحي الوطن، وبفعل ذلك نجح الاحتلال وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية في فرض تلك الوقائع.

في هذه الذكرى نأمل أن تستعيد الحركة الأسيرة لوحدتها، وإنهاء الحواجز والأقسام الخاصة في السجون بين فصائلها المختلفة،

ولنهتف معاً بأنه آن الأوان لكي نعمل موحدين، لكي يقذف هذا السجن من جوفه أسرانا ومناضلينا، وخصوصاً من أمضوا عشرات السنين من زهرات شبابهم خلف قضبان وجدران سجون الإحتلال، ودفعوا ثمنا باهظاً أسرياً واجتماعياً ، وليكن هذا العام، عام تحرير الأسرى القدماء،أسرى ما قبل أوسلو، وكل أسرى الأحكام العالية والمؤبدة والنساء والأطفال، ولنعمل من أجل اغلاق ملف الإعتقال الإداري المنافي لكل الأعراف والقوانين والمواثيق والإتفاقيات الدولية.