نحاول في عدة حلقات أن نعرض في دراستنا هذه زوايا مختلفة في المجلس الوطني الفلسطيني وصولا للبدائل والخيارات ضمن مساحات الايمان والارادة والقرار المطلوب، وهذ الثالثة من 4 حلقات في ظروف الابتعاد العربي والنكوص الغربي
الابتعاد العربي
لا يستطيع أي منصف أن يلوم الامة العربية بقسوة نتيجة ابتعادها عن القضية الفلسطينية اليوم، فالحريق عندما يدخل البيت تصبح الأولوية لاطفائه، وهذا ما يحصل من غالب الأنظمة العربية المتهالكة التي تحاول بشق الأنفس الحفاظ على أنظمتها ولو على حساب قضية العرب المركزية (أو التي كانت كذلك) أي قضية فلسطين.
فمنذ ارتبط العرب بحالة اللاتوازن والضياع والتفكك المرتبطة بصعود حريق الخريف العربي الذي بدأ ربيعا منذ العام 2011 والعالم تنهشه النيران في إطار سعي غربي حثيث لانهاك المنطقة وتدمير الجيوش وتامين الحياة الرغدة ل(اسرائيل) وهي السياسة التي ارتبطت بمرحلة من المراحل بالتحالف مع النُظُم الاستبدادية ثم الانقلاب عليها لتوريث من هم قادرين على الحفاظ على حالة التوتر واللااستقرار من تيارات الاسلام السياسي.
إن انطلاق المارد الطائفي المذهبي من قمقمه لم يكن من عجائب الدنيا الجديدة، بقدر ما هو سعي متصل تضافرت فيه جهود امريكية غربية اسرائيلية سابقة مع عدد من الدول العربية قصيرة النظر منذ حرب افغانستان "الجهادية"، وما خلفته من انعكاسات، وتبعه حالات الاستدراج ل"لاخون المسلمين" ليرثوا المجتمعات والدول.
شكّل الصراع الاقليمي خاصة بين ثلاثي ايران وتركيا والاحتلال الاسرائيلي أن أتيح لهذه الدول أن تتقاسم حديقتها الخلفية، أي الأمة العربية فتتصارع على جثة الامة او ما تريدها ان تكون كذلك، ولما صعد تيار عربي مناهض ما كنا قد دعونا له سار جزء منه باتجاه التنسيق مع العدو الأول ضد الصديق في المنطقة فتاهت البوصلة وضاعت القضية.
ما بين المشاكل الداخلية حيث تم التحريض على التدخل الايراني بالشكل المسرف الذي جعل من الايراني عدوا للعرب ولم تكتفِ ايران باثارة المخاوف بل تمادت في النفوذ لتحيط بغيومها الامة العربية حاملة الدين والمذهب على جناح الجنود والقوات المذهبية التي تنطلق ذبحا في العراق وسوريا وتعبث باليمن.
بدلا من ان تكون ايران قوة من اجل فلسطين أصبحت تُعلي من شان (الثورة الاسلامية) الشيعية، ودعم من تسميهم (المحرومين) بمعنى تغليب المذهب على الوحدة الاسلامية فاعلنت حالة الاستنفار في الامة العربية لتصبح المواجهة بين الانظمة ونفوذها وتسلطها وليس على إطار الوحدة في مواجهة العدو الصهيوني الذي تحول من عدو لا يواجه الا بالوحدة الى شعار مرفوع بلا اي معني لجميع الاطراف.
ظهر الانفضاض العربي والايراني والتركي (الاقليمي) عن قضية فلسطين وكما بدا جليا في غضبة المسجد الاقصى في شهر7 للعام 2017 عندما تصدى الفلسطينيون وقلة من أحرار الأمة وحدانا لاغتصاب الأقصى وانتصروا.
لربما يستعيد المرء شيئا من التفاؤل بالأمة حين يسمع في كل المحافل الرسمية الدعم والتأييد لفلسطين لا سيما بعد ما حصل من قرار "ترمب" بشان نقل السفارة الامريكية الى القدس كعاصمة "لاسرائيل"، حيث عقدت المؤتمرتلو المؤتمر ليعلن الولاء للقدس وفلسطين.
في حفيف التفاؤل الحذر، ومع كل ما اعترى الأمة من فوضى جعل من الالتفاف الاسرائيلي حول الامة العربية يؤتي ثماره، فتقذف القيادة الصهيونية بحممها في افريقيا والهند وآسيا فتلتف على أصدقائنا، كما هدأت الغلو التركي اللفظي بالاتفاقيات الامنية والاقتصادية فذابت طروحات "الخلافة" الخيالية أمام المليارات كما ذابت طروحات (الأمة الاسلامية) الشيعية الايرانية أمام الكبح الروسي للتمدد الايراني فداء لعليائية الاسرائيلي وفق تفاهمات بوتين-نتنياهو في شهر آب للعام2017 .
وما كان لدولة قطر الا أن تتأزم في علاقاتها العربية لفكرالصلف والتناقض والبلبلة الذي يحرك عديد القيادات العربية فتضيف زيتا على نار الأمة التي تحترق داخليا، ونتساءل في ظل هذا الوضع كيف ولماذا انفض العرب "رسميا" عن فلسطين؟
في مثل هذا الظرف حيث السياسات متوترة، تبغي الحفاظ على الرأس، أواستعادة النفوذ أوتوسيع المصالح، وربما استعادتها على الأقل، وتنمية الاقتصاد، فان تدخلات الحد الأدني من الانظمة العربية تعتبر مقبولة، ولكن ليس لأمدبعيد بمعنى أن الجدار العربي إن لم يكن قويا فنحن قد نُباع بأبخس الاثمان أمام العالم.
لذا فالمتوجب علينا عدم ترك الأمة العربية والاسلامية تعاني، والمعادلة المطلوبة هي: نساعدها فتساعدنا، ونستعيد فيها ألق القضية، ومن هنا فإن الأبواب العربية المقفلة أو شبه المفتوحة اليوم على القضية هي من العوامل التي تقلق وتربك صانع القرار الفلسطيني بشدة.
النكوص الامريكي وقنبلتا أبومازن
بلا شك أن التراجع الامريكي من حول القضية الفلسطينية ظاهر بلا أي جهد من خلال الرئيس الامريكي الذي يتعثر بكل الملفات الداخلية والخارجية، وأكبر تعثراته خارجيا بمنطقتنا وشأننا في الملف الفلسطيني حيث لا يميز الرئيس الجديد الا التخبط وعدم اليقين والانحياز فقط وعدم القدرة على اتخاذ قرار الا بمزيد من الدعم لطروحات اليمين الامريكي-الاسرائيلي وهذا ما ظهر جليا بقرار نقل السفارة الامريكية للقدس ومنع الأموال عن "الانروا"، وغض النظر عن المستوطنات لدرجة اعتبار امتناع امريكا عن التصويت للقرار2334 الرافض للمستعمرات، قرارا خاطئا كما أعلنت ممثلته بالأمم المتحدة شديدة الانحياوز للاسرائيلي.[1] .
الموقف الامريكي النهائي من الاستعمار/الاستيطان مازال موقفا إما مبهما أو مؤيدا للتوسع الاستيطاني! ما يعني في حقيقته التواطؤ مع اليمين الصهيوني بدلا من كبح غلوه مضافا لذلك بروز الشروط الامريكية على القيادة الفلسطينية التي كان من الاجدر ان توجه للطرف المعتدي.
يجهد الرئيس الامريكي ومقربيه الصهاينة في الضغط على الطرف الأضعف في المعادلة-كما يظنون- وهو الطرف الفلسطيني من خلال تكثيف الطلبات التي بدأت بما ما تسميه (وقف التحريض) في المناهج، وكأن مناهج الاسرائيلي كثيفة الدعوة للسلام؟! وهي المناهج التي تنضح بالعنصرية والأكاذيب التاريخية، واشتراطات وقف مخصصات الشهداء والأسرى ما لا تطالبه بالمقابل من ارهابيي العدو وقتلته.
في العوامل الدولية وفي سياق النكوص الامريكي من الممكن أن نقرأ تراجعا اوربيا، فالمؤتمر الدولي الذي تبته فرنسا لحل القضية الفلسطينية بدأ نجمه يترنح في ظل الحكومة الفرنسية الجديدة والوضع الأوربي بدأ يتعثر قليلا في متوالية دعمه لفلسطين.
يترافق مع ذلك صعوبة استكمال الاختراق الفلسطيني العالمي بكشف الوجه المزيف للاحتلال بالعالم ما قد يلقي على الرئيس أبومازن والقيادة عبء التحدي وحيدا-لاسيما بعد الرفض المدوي لأبي مازن لصدمة ترامب وما بعدها ومحاولة تدميره اعلان استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والقانوني والتاريخي تحت الاحتلال- بإلقاء قنابله الثلاثة وهي قنبلة الطلب من الأمم المتحدة بإعلان فلسطين دولة عضو عضوية كاملة[2] لا مراقبة، وقنبلة احالة الاستيطان الى الجنائية الدولية[3] ما هو بحقيقته اعلان حرب قد يتماهى مع احالة السلطة لحضن منظمة الحرير الفلسطينية بعد حلها[4]. وقنبلة اللجوء للمؤتمر الدولي[5]