اختار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كبير المفاوضين الفلسطينيين، عضو اللجنة التنفيذية لـ «منظّمة التحرير الفلسطينية» الدكتور صائب محمد عريقات، للقيام بأعمال أمين سر اللجنة التنفيذية، بعدما كان قد أعفى ياسر عبد ربه من أمانة السر خلال اجتماع اللجنة التنفيذية 30 حزيران الماضي.
وكشفت مصادر فلسطينية عن " أنّ خطوة الرئيس عباس جاءت لتحبط مخطّطاً إنقلابياً يشارك فيه عبد ربه، بالتنسيق مع رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور سلام فياض و النائب محمد دحلان" على حد قول المصادر .
وكان الرئيس الفلسطيني قد أُبلِغَ بهذا المخطّط للانقلاب عليه بدعم عربي ودولي، خاصة أنّ هناك مَنْ يحاول الدخول على خط توتّر العلاقات الفلسطينية مع الكيان الإسرائيلي، وسياسة اليمين المتطرّف بقيادة بنيامين نتنياهو، فضلاً عن الجمود الذي يسيطر على المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وعملية السلام في المنطقة، حيث حاولت بعض الدوائر الترويج بأنّ عباس هو السبب في توقّف أفق التسوية في المنطقة.
عبّر المسؤولون الإسرائيليون عن ذلك باعتبار عباس ليس شريكاً في عملية السلام ويجب التخلّص منه، ولا بد من إيجاد قيادة فلسطينية بدلاً منه تؤمن بالسلام وثقافة السلام، وقد وصل الأمر بالوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى وصف عباس بأنّه يمارس الإرهاب الدبلوماسي، وذلك تعليقاً على ما يقوم به من حِراك دولي أثمر اعترافاً من «هيئة الأمم المتحدة» بالدولة الفلسطينية (29 تشرين الثاني 2012) وتُوّج باعتراف الفاتيكان بالدولة الفلسطينية (16 أيار 2015) ووصف قداسة البابا فرنسيس الرئيس «أبو مازن» بـ «ملاك السلام»، وما يعني هذا الاعتراف من حاضرة الفاتيكان الذي يتبعها 2 مليار كاثوليكي.
هذا التطوّر بترسيخ مكانة فلسطين دولياً أدّى إلى تسريع خطوات الانقلاب على الرئيس الفلسطيني، من خلال مخطّطات توصل مَنْ يعتقدون أنّ بإمكانه تنفيذ الأجندة الدولية - الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار، جاء قرار الرئيس عباس بإعفاء عبد ربه من مهمّته كأمين سر للجنة التنفيذية، وهو المركز الذي كان يشغله الرئيس «أبو مازن» قبل انتخابه رئيساً للجنة التنفيذية للمنظّمة خلفاً للرئيس ياسر عرفات بعد اغتياله في العام 2004.
وجاء اختيار الرئيس «أبو مازن» عريقات، القيام بهذه المهام من بين مرشّحين في اللجنة التنفيذية، وبينهم مَنْ يمثّلون حركة «فتح» أو أعضاء في الحركة وانتخبوا كمستقلين.
وكان قد جرى التداول بأكثر من إسم لتكليفه بهذه المهمة من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، خاصة في ظل المطالبة الفتحاوية بأنْ يعود منصب أمانة السر للحركة، ومن بين الأعضاء الحاليين الذين يمثّلون الحركة في اللجنة التنفيذية إلى الرئيس «أبو مازن» وعريقات، هناك فاروق القدومي - المقاطع للاجتماعات - وزكريا الآغا، فيما أحمد قريع وغسّان الشكعة من الحركة ولكن انتخبا كمستقلين.
وجاءت خطوة الرئيس «أبو مازن» في ذات الجلسة التي تم فيها تكليف رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله بتعديل طفيف على «حكومة الوفاق الوطني»، وعدم تشكيل حكومة جديدة بعد فشل الاتصالات بين حركتَيْ «فتح» و«حماس» للتوافق على تشكيل «حكومة وحدة وطنية».
وكانت السلطة الفلسطينية قد جمّدت الحسابات المالية لمؤسّسة «فلسطين الغد» التي كان قد أسّسها فياض بعد تركه رئاسة الوزراء في العام 2013، واحتجزت مبلغ 750 ألف دولار أميركي، متّهمة المؤسّسة بـ «غسل أموال»، وفقاً لدعاوى قضائية ضد فياض والمؤسّسة، واتهامه بأنّ المؤسّسة تُدير مالاً سياسياً.
وكان عبد ربه قد دخل إلى عضوية اللجنة التنفيذية للمنظّمة الحادية عشرة بتاريخ 9 حزيران 1974 ممثّلاً «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، واستمر في هذا المنصب إلى الآن، لكن في اللجنة العشرين بتاريخ 28 آب 1991 انتخب عن حزب «فدا»، قبل أنْ يصبح مستقلاً.
وجاء دخول عريقات إلى عضوية اللجنة التنفيذية للمنظّمة التي تحمل الرقم الثاني والعشرين بتاريخ 27 آب 2009 بعد فوزه بالتزكية عن المقعد الذي شغر باستشهاد الرئيس «أبو عمار».
كما إنّه اطلع بدور هام في المفاوضات الفلسطينية منذ العام 1991، حيث تولّى منصب نائب رئيس الوفد الفلسطيني إلى مدريد، ثم عيّن رئيساً للوفد الفلسطيني المفاوض في العام 1994، وفي العام 1996 أصبح كبير المفاوضين الفلسطينيين، وكان مقرّباً من الرئيس «أبو عمار» وانتخب عضواً في اللجنة المركزية لحركة «فتح» في آب 2009.
تتميّز العلاقة بين الرئيس «أبو مازن» وعريقات بدرجة رفيعة وعالية من التفاهم، والتي تجلّت على مدى السنوات الماضية، حيث أثمرت تحقيق إنجازات سياسية ودبلوماسية للقضية الفلسطينية، ويُعتبر «أبو علي» كلمة السر للرئيس «أبو مازن»، حيث يودّعه الكثير من الأسرار والملفات الدقيقة والحساسة.
وعريقات من مواليد 28 آب 1955 في بلدة أبو ديس في القدس المحتلة، مثّقف وحاصل على دكتوراه في دراسات السلام ويمتاز بمروحة علاقات واسعة.