المجلس الوطني الفلسطيني بين التهميش والاقصاء!.

thumbgen (16).jpg
حجم الخط

 

في هذه الورقة التي تأتي ختاما لحلقات ثلاث سابقة سنتحدث عن الانسداد الداخلي والبدائل والخيارات، في ظل قرار انعقاد المجلس
الانسداد الداخلي الثلاثي
للانسداد الوطني الفلسطيني الداخلي وجوه ثلاثة: ما بين صراع الشرعيات الفلسطينية في ظل انتهاء المدد لكل الاطرالرسمية، وما بين تعملق المشروع الاستعماري الصهيوني فهو شأننا الداخلي، وما بين تمسك فصيل حماس بحكم غزة مهما كلف الثمن مربوطا بالرفض العملي للانتخابات وعدم انقطاع الخطاب التحريضي وخاصة من قناتها الباثة من غزة وبشكل يومي ملفت للنظر
ان صراع الشرعيات يبدأ من انتهاء ولاية الرئيس، وانتهاء مدة المجلس التشريعي بغض النظر عن السياقات الفقهية تلك التي تنظّر لبقاء التشريعي دون الرئاسة أو التي ترفع من قدر الرئاسة وبقائها على حساب التشريعي، الا انه في الحالتين فلكل مساحته التي يتخذ بها القرارات ولا تنفذ في غيرها أي ما بين الانفصال على مساحة غزة والضفة، وخاصة في ظل أطر تنفيذية وتشريعية وقضائية في غزة غير ذات صلة مباشرة بالسلطة الوطنية الفلسطينية! رغم المصالحة ومحاولات "تمكين" الحكومة في غزة المختلف على مفهومها.[1]
ان تعملق المشروع الاستعماري الصهيوني عبر تكثيف الاستيطان/الاستعمار في بلادنا بلا هوادة وبدون أي كوابح يتفق مع مسار الادارة الامريكية الجديدة التي ترفض الاعتراف بحل الدولتين على أساس ان إقرارها لذلك يعني تدخلا بالنتيجة النهائية للمفاوضات كما صرحت الناطقة باسم الخارجية؟ في عذر لا يغطي ذنب الانحياز الجليّ من الادارة الجديدة لطروحات نتنياهو العنصرية والاستعمارية معا سواء في بلادنا داخل أرضنا في ال48 او في أراضي الضفة، ومن هنا فإن تعملق المشروع العنصري الاستعماري الاحتلالي هو همّنا الأصل الذي أهملناه او اغفلناه في تصارع مقيت على جثة أجزاء من الوطن.
بلا شك ان الخطاب التحريضي الذي تتسم به أحاديث غالب قيادات ونواطق حماس في غزة تحديدا تدق يوميا عشرات المسامير، على أكثر من سنوات عشر منذ الانقلاب، في نعش الوحدة الوطنية التي تحولت والمصالحة لجثة هامدة لا تحتاج من المتصارعين الا الدعاء بحسن الختام بعد مراسم الدفن الرسمية، ما لا نتمناه أبدا.
ان الخطاب التحريضي الحمساوي يقابله بالاتجاه الآخر صراع لم تتضح نتائجه على السلطة الوطنية الفلسطينية هو حتى الآن مكتوم وفي الظل، لكنه في حقيقة الامر يسير في ركاب التدخلات العربية والاقليمية (ومنها الاسرائيلية) والعربية التي تحاول كل منها ان تخطف خطفة من جلباب فلسطين لعلها تتقدس أو تفتح أفقا جديدا مع الاسرائيلي او الامريكي.
وفي الحالتين أي في حالة استمرار "حماس" بخطابها التوتيري، وما تقوم به السلطة من اجراءات عقابية ل"حماس"-بوجهة نظر حماس، في الحالتين فإن التحجر والتجمد وعدم التزحزح عن المواقف هو سيد الموقف على ما يبدو على السطح على الأقل.
كبُر الانقلاب الذي مهد له عراب الخروج من غزة (ارئيل شارون) ومازال يتعملق كفكرة او امارة، قد تحل محل الدولة او الوطن، وتتعملق فكرة الانفصال أيضا مع اشتراطات "حماس" المناقضة للاتفاق بلحل اللجنة الادارية ل"حماس" وتمكين حكومة الوفاق من عملها في غزة ثم الانتخابات ما يصعد معه الخطاب الحمساوي في آلية مناكفة تذكرنا بمن أسبق بمن الدجاجة ام البيضة؟ [2]
فيصرحون أن التمكين مفهوم مستورد ولا نعرف مداه او كنهه؟![3] ويمارسون النفوذ الأمني والضرائبي[4] على غزة التي هي بالحقيقة تكرس وجود حكومة ظل في غزة؟ وغير ذلك من الحرتقات والمناكفات.
ان خلافات التيارات في حركة "حماس" ما بين المحاور الاقليمية الواضحة اي بين تيار الاخوان المسلمين باسناد قطري تركي، والتيار الايراني يقابله الارتجاج في حركة فتح حيث ان تيار المفصول من الحركة محمد دحلان يمد الجسور مع "حماس" التي تتجاوب بطريقة انتهازية وكل ذلك دون الهروب من مخاطر انفصال غزة.
وكلنا يذكر تصريح أبومرزوق الذي لم يتراجع عنه بل أكده بطرحه الاتحادية (الفدرالية) بين غزة والضفة؟ فإلى أين نحن سائرون؟
بلا شك ان منظمة التحرير الفلسطينية قد مرت بسنوات طوال صعبة ما بين انشقاق وانسداد ومحاولات احتواء واسقاط للاستقلالية، او العمل من بعض الدول العربية لايجاد بديل، وهو ما حاولته "حماس" وفشلت خاصة مع النظام السوري عام 2011 قبل الانهيار العربي وما حاولت ان ترسخه قطر أيضا، وما كان مؤخرا من تصريح الحية باستبدال المجلس الوطني بما أسماه مجلس وطني تشاركي!
ان التسويف والمماطلة وادارة الظهر للاتفاقيات هو ما تراه حركة "فتح" من "حماس"، وما يقوله الحمساويون عن الرئيس والقيادة الفلسطينية، ليبقى اتفاق 2005 بلجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية (وليس القيادة المؤقتة كما تسميه "حماس")، وليبقى اتفاق القاهرة عام 2011 ومعه ما تلاه من تفاهمات وتعديلات خاضعة لمزاجية التيار الذي يؤمن بالانقسام والامارة والتبرؤ من الكفار ايمانه بمصالحه، فيضع قضية موظفي حماس حجر عثرة كما وضع التنسيق الامني قبلها، ولما اوقف لم يعترفوا به وزادت الشرائط؟
ان الرئيس ابومازن الذي قد يتخذ من القرارات ما يمليه عليه ردات الفعل السلبية من "حماس" التي تلتف على الشرعية الفلسطينية متواصل العمل بالهجوم السياسي ضد المنهج الاسرائيلي المناهض للتسوية والمصر على تثبيت الامر الاحتلالي الواقع، ما يتوجب معه سد الثغرات والخروج نحو التصليب لا مزيد من الاختراقات الداخلية مستغلين ملحمة القدس والأقصى والخطاب الفلسطيني النضالي المتصاعد وصولا للامم المتحدة.
في ذات الخضم نلحظ مساومات منظمات اليسار الفلسطيني التي بدأت تتخذ منحى الرفض لعقد جلسة المجلس الوطني برفض الانعقاد تحت الاحتلال في رام الله! رغم ان الشهيد أبوعلي مصطفى قد دخل الوطن وقضى نحبه في رام الله!
وفي ذات السياق تطالب بوقف ما تسميه مع "حماس" "التعاون" أو "التخابر"[5]الامني ، رغم اعلان الرئيس في إطاره وقف الاتصالات مع الاسرائيليين، وفي ذات الوقت الذي تطالب فيه بعض الفصائل ونخص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بهذا، فانها لا تطالب "حماس" بوقف التنسيق (الهدنة) بمنع اطلاق اي رصاصة ضد العدو من غزة في خطاب مزدوج يتناقض أحيانا مع خطاب الجبهة في الوطن ما قد يعطي الانطباع بخلافات مستفحلة.
ولكن على ما يبدو ان الاستفحال للخلافات أو الخطابات المتناقضة فلسطينيا وحتى في ذات الفصيل في كل الفصائل الفاعلة تقريبا تشكل سمة هذه المرحلة الخطرة من حياتنا.

ما البدائل والخيارات
إن فهم الارتباك في فصيل "حماس" وهو الجديد في الصورة السياسية الفلسطينية، لا يعني فك (الارتباط) عن صورة المشهد بالاتجاه الآخر، والمقصود بما يحصل في حركة فتح وهي التنظيم الرئيس في منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن التعرض لجحيم القصور والارتباك يمكن ملاحظته متعلقا ب"حماس" التي لحقت بكل ما ذكرناه من (سلبيات) أو (ايجابيات) بحركة فتح.
ونضيف أنه في ظل المزالق الوطنية والارتباك والمطبات التي تعاني منها الحركة الوطنية عامة نرى تشكك السياسات أو ضعفها، ونرى ضعف الصلة مع الجماهير، وتقدم الجماهير على القيادة، وتعملق السلطة على حساب الفكر والفعل النضالي، ونرى الانفصال والانقلاب والتجزئة الوطنية متعملقة للدرجة التي نحتاج معها لجعل الوضع الداخلي هو الأولوية للانطلاق للملفات الاخرى.

الايمان والارادة والقرار
إن متطلبات الوحدة الوطنية بعد أكثر من عشر سنوات عجاف من الانقلاب والانقسام يحتاج في حقيقته الايمان بضرورة تجاوز الانقسام، وإرادة لتحويل هذا الايمان إلى قرارحقيقي وتمكين، ما هو مطلوب من حركة فتح، ومن (حماس).
فإن افترضنا وجود الايمان أو القناعة فإننا لا نجد الارادة ، وإن نظرنا للاتفاقيات أنها قرارات فإن عدم التنفيذ دلالة انقطاع الارادة.
إن (التيار الثالث) أو المساحة الوطنية التآلفية والتي تمتد أفقيا وعموديا في داخل الفصائل ذاتها ومنظمات المجتمع المدني هو تيارسياسي تغييري من المتوجب العمل فيه-دون الاضرار بالاطر القائمة- ومعه لكثيف الارادات للتغيير في كل الأطر وبهذه الاداة الفكرية / التغيرية قد نستطيع أن نتقدم الى الأمام، او نسهم في دفع الفصائل نحو التلاقي بصدر أرحب.
إن الوحدة الوطنية على فرضية وجود القناعة والإرادة والقرار لدى الجميع، ومدخل عقد المجلس الوطني الفلسطيني الذي أعلن موعد انعقاده يتطلب باعتقادي أخذ مضامين بيان اللجنة التنفيذية يوم الأربعاء بتاريخ 7/3/2017 بعين الاعتبار، والاتجاه نحو تبني الأمور التالية:
- اعتماد وثائق المصالحة وخاصة "لجنة تفعيل المنظمة" عام 2005 ووثيقة الأسرى، واتفاق القاهرة 2011 ، وبرعاية الجامعة العربية رعاية كاملة، مع الأطراف الفلسطينية المستقلة والمنظمات غير الحكومية الفاعلة.
- الاتفاق على البرنامج السياسي الوطني العام، وعلى الميثاق الجديد لمنظمة التحرير الفلسطينية والاتفاق على وضع (واحترام) الدستور، والقانون والدولة المدينة، وأسس الشراكة في ظل الانتخابات واعتماد الديمقراطية والدورية والتبادلية بوضوح .

- عقد المجلس الوطني الفلسطيني (بمن حضر) دون استكمالات الفصائل والمتوفين وفي هذا الخيار راحة لصاحب القرار، ولكنه يُحدث توترات في الصيغة التحالفية التي تميز المنظمة وهو خيار وان تحصل على شرعية النصاب بشكل او بآخر ضعيف وطنيا وربما يسبب جروحا عميقة.
- وفي البديل او السيناريو الثالث من الممكن عقد مجلس وطني (مطور) من خلال استكمال الزيادات ونسب الفصائل وتمثيل النقابات والاتفاق على برنامج سياسي توافقي، وأن المجلس انتقالي مع امكانية تحديد تمثيل لحماس والجهاد في اللجنة التنفيذية دون مشاركة فاقعة، بمعنى ادخال مستقلين أنصار لهما.

خاتمة
نختم هذه الورقة بما قاله رئيس المجلس الوطني الفلسطيني الاخ سليم الزعنون (ابوالاديب) داعيا: (لضرورة الإعداد الجيد لعقد دورة عادية للمجلس الوطني، بما يؤدي إلى تذليل كافة العقبات وتجاوز التعقيدات، ووضع كافة الخيارات والبدائل لمواجهة الصعوبات والموانع التي قد تؤثر على نجاح عقد المجلس.)
وأعاد الزعنون التأكيد على أن (المجلس الوطني هو المؤسسة الوطنية الجامعة التي حصنتْ من خلال قراراتها حقوق شعبنا وثوابت مشروعنا الوطني في العودة والحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.)
كما دعا أبوالاديب إلى ضرورة أخذ (كل الاحتياطات اللازمة، وإجراء أوسع المشاورات والحوار مع القوى السياسية والشعبية والمجتمعية، وتبادل الآراء ووجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية لنجاح عقد دورة المجلس الوطني، يكون هدفها إجراء مراجعة شاملة للمرحلة التي بدأت منذ عام 1993 وحتى الآن، واعتماد رؤية نضالية مستقبلية ضمن إستراتيجية عمل وطنية على المستويات كافة، وتجديد الدماء في مؤسسات وهياكل منظمة التحرير الفلسطينية.)[6]
وكما قال الأخ سليم الزعنون في افتتاحية العدد لدورية "المجلس" العدد55 في 24/8/2017:(إن أهمية عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني تأتي في ظل الوضع الداخلي الفلسطيني ومحاولات فصل قطاع غزة عن الوطن، إلى جانب تصاعد العدوان الإسرائيلي ومحاولته فرض مفهومه ورؤيته العنصرية على أرضنا وشعبنا، وتشويه نضال أسرانا ومعتقلينا الأبطال وتضحيات الشهداء الأبرار، إضافة إلى استغلال "إسرائيل" للوضع الإقليمي لتكريس استعمارها في أرضنا، ناهيك عن غياب الرؤية السياسية لراعي عملية السلام المستندة إلى قرارات الشرعية الدولية لحل القضية الفلسطينية، وانحيازه الدائم لجانب الاحتلال والاستيطان)، مطالبا (حماس والجهاد التجاوب مع الجهود والدعوات للمشاركة في دورة المجلس الوطني الفلسطيني، لنكون جميعاً شركاء في النظام السياسي ومؤسساته، وتقرير الرؤية الفلسطينية الجامعة لمستقبل النضال الفلسطيني على درب الحرية والاستقلال واستعادة الحقوق كاملة غير منقوصة.)
ان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني استحقاق دوري غيبته عوامل السياسة واستفحال الأزمات وفكر التهميش والاهمال والالحاق مقابل فكر الاقصاء والالغاء في صراعات القوى السياسية والفصائل على مساحة الوطن المقلص، وفي إطار التذبذبات بالمحيط والاقليم والعالم ما يستدعي منا في حقيقة الأمر التوجه نحو حاميتنا الحقيقية في مواجهة كل الأخطار وهي وحدتنا الوطنية ليكون المجلس الوطني بداية حقيقية جديدة للتآلف والالتفاف والوحدة، ونهاية لمرحلة من التخبط الوطني والاوحال.