07 تموز 2015
على الرغم من أن اللجنة التنفيذية لـ»م.ت.ف» فضلت خيار إعادة تشكيل الحكومة على أساس أن تكون حكومة وحدة وطنية، أي حكومة تشارك في تشكيلها كل الفصائل، بما في ذلك حركة حماس، أي أن تتجاوز حتى مطب حكومة التوافق ذاتها التي كانت حكومة توافقت عليها ـ فقط ـ حركتا فتح وحماس، إلا أن ما أعلن عنه خلال الأيام الأخيرة جاء ليرجح خيار التعديل الوزاري المحدود، بل والمحدد بتغيير أربعة مقاعد من الحكومة الحالية، فقط.
وهذا يعني أن الحكومة بعد التعديل، إن لم تعد حكومة توافق، بإعلان صريح من «حماس»، أو حتى دون إعلان، مع التعامل معها، على ارض الواقع، هكذا، أي أنها حكومة لواحد من شطري الوطن، أو كحكومة مقصرة بحق الشطر الثاني من الوطن، وبالتالي استمرار «حماس» بإدارة غزة، من تحت الطاولة، والذهاب بها على قاعدة أمر واقع انفصالي، فهي لن تكون لا حكومة وحدة وطنية ولا حتى حكومة توافق!
أي أن الحكومة بعد التعديل لم تعد لها المهمة المحددة والوطنية وهي إنهاء الانقسام والتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتوحيد مؤسسات السلطة، وما إلى ذلك، والغريب أن خيار التعديل، بدلا من التشكيل الوزاري الجديد، تنازل عن مطلب سابق لرئيس الحكومة نفسه، وهو توسيع الحكومة، حتى تكون حكومة موسعة تتصدى لكل المهمات بشكل كاف وفعال، حيث إن تقليصها جاء بناء على أنها كانت حكومة توافق حُددت لها مهمة محددة، كذلك زمن محدد، كان أن لا تتجاوز الستة أشهر.
الآن التعديل يعني أن الحكومة بعده صارت «حكومة طبيعية» أي لم تعد حكومة المهمة المحددة، ولا الزمن المحدد بسقف معين، مع أن حجمها وشكلها ليسا طبيعيين، ومع ذلك فإنه بات من حقنا أن نتساءل عن مهماتها، ما دام انه لم يعد من مهمتها إنهاء الانقسام في وقت محدد!.
هل ستقوم بدور مؤدي الخدمات العامة، كما تفعل عادة البلديات، وكأنها مجمع بلدي، أم ستقوم بالدور الوطني التنفيذي، حتى لا نقول بدور القيادة الوطنية، ما دام الجميع يصر على أن هذا الدور مناط بقيادة «م.ت.ف»؟!
كان يمكن لحكومة وحدة وطنية، تشمل كل الفصائل، إن كان وفق التمثيل المباشر والصريح، كما كان حال الحكومة الحادية عشرة، أو وفق تسمية مرشحي الفصائل، بمن فيهم «حماس» بالطبع، أن تشكل جبهة وطنية، أو بوابة أو مدخلا لإقامة الجبهة الوطنية، على اعتبار أن الإطار القيادي أو أن دخول «حماس» و»الجهاد» لمنظمة التحرير الفلسطينية يمكن أن يمثل هذه الجبهة، التي دونها من الصعب جدا، إن لم يكن من المستحيل على الشعب الفلسطيني أن يحقق هدفه الوطني بالاستقلال وإقامة الدولة المستقلة، لكن والحال هذا، فكأن الفلسطينيين «يستسلمون» لواقع الانقسام، فيما التعديل الحكومي لا يحقق إلا مطلب رئيس الحكومة، أو حاجته أو رغبته بإقصاء أو إخراج عدد من الوزراء، الذين لم يكن على توافق معهم خلال الفترة الماضية.
إن حكومة لا يجيء تشكيلها إلا من أجل إرضاء رئيسها، لن تكون حكومة فعالة، أو قادرة على مواجهة متطلبات أو استحقاقات العمل الوطني الفلسطيني في الفترة القادمة، وهي ربما كانت ودون مبالغة من أخطر الفترات، ذلك أن مرور أعوام أخرى على الانقسام لابد أن يكرسه كأمر واقع تم التعايش والتوافق معه، كذلك فإن استمرار الواقع الفلسطيني دون إجراء الاستحقاق الانتخابي، يعني شلا للطاقة الشعبية عن الفعل السياسي والوطني، وربما كان هذا احد أسباب عدم الاستجابة للمطالبات التي تعلن من أعلى مستوى تباعا، ومنذ سنوات بإطلاق المقاومة الشعبية.
فوجود لجنة تنفيذية لمنظمة تحرير غاب عنها الفعل الديمقراطي منذ عقود، يعني أن الوضع الفلسطيني بات في مهب الريح، وان وجود حكومة مقلصة إلى هذا الحد، وذات طبيعة خدمية بهذا الشكل، لا يمكنها أن تتصدى للحظة حرجة، يمكن أن يجد فيها الفلسطينيون أنفسهم، في يوم ما.
تذكّر الحكومة بعد التعديل ـ أخيرا، بحكومات تسيير الأعمال، التي عادة ما تكون حكومات قدمت استقالاتها، وتقوم بإدارة الشأن العام لحين يتم تشكيل حكومات جديدة، فشكل وطبيعة الحكومة يسمحان لنا بالقول، إن التعديل جاء كخطوة أولى أو كمرحلة انتقالية، لتجاوز استحقاق التوافق، أو اتفاق المصالحة، وجوهر التعديل سيجيب على هذا التوقع بالإثبات أو النفي، ذلك انه لو تم إخراج وزراء غزة من الحكومة، فإن ذلك سيكون أعلانا صريحا بإسقاط وصف التوافق عن الحكومة، وان لم يحدث هذا، فإن ذلك سيعني ان شعرة معاوية ما زالت قائمة، وفي كل الأحوال فإن مرور أمر التعديل دون إعلان صريح من «حماس» عن أن الحكومة بعد التعديل لم تعد حكومة التوافق، سيشجع القيادة، على أن تحدث التغيير الوزاري لاحقا، بعد مرور أشهر قليلة، أو حتى عدة أسابيع، لا أكثر ولا أقل!.