كتب صخر الترك
انتهت الأسبوع الماضي مسيرة العودة إلى عتليت المهجّرة بمشاركة واسعة من الفلسطينيين في الداخل، وهي المسيرة الـ21 التي تقوم على تنظيمها جمعيّة الدفاع عن حقوق المهجّرين.
الملاحظة الأولى: نجاحٌ سنوي مستمر
لاقت المسيرة هذا العام، كما الأعوام السابقة، نجاحًا كبيرًا انعكس في عدد المشاركين وشكل المسيرة والمهرجان، حيث باتت مسيرة العودة الحدث الوطني الأبرز للفلسطينيين في الداخل، يوحدهم ويجمعهم في مكان واحد تحت مقولة سياسيّة واضحة أن يوم استقلال إسرائيل هو يوم نكبتنا وأن لا تنازل عن حق العودة
انطلقت مسيرة العودة في نهاية سنوات التسعينات مع موجة التحوّل في الخطاب السياسي لدى فلسطينيي الداخل نحو الفلسطنة وتطوير التنظيم السياسي الجماعي وفي شكل العلاقة مع المؤسسة الإسرائيليّة. وتلعب مسيرة العودة اليوم دورًا هامًا في الحفاظ على الذاكرة الجماعيّة وخلق الوعي لأجيال جديدة. وما يثير التفاؤل مشاركة الجيل الشبابي بالمسيرة بشكل كبير كما مشاركته في تنظيمها. خلف هذا النجاح هناك طواقم عمل عملت لأسابيع طويلة للوصول لهذا النجاح وهم يستحقون كل التقدير.
الملاحظة الثانية: خارج منطق الأحزاب
لماذا تنجج مسيرة العودة بهذا الشكل في حال قمنا بمقارنتها مع مناسبات وطنيّة أخرى؟ بكل بساطة لأنها خارج المنطق الحزبي. ولعل ابتعاد الأحزاب السياسيّة عن تنظيم المسيرة بشكل مباشر هو أحد أسباب نجاحها بهذا الشكل. هذا الكلام ليس تشكيكًا بجدوى العمل الحزبي وأهميته، بل لأن منطق العمل الحزبي غالبًا هو التنافس مع أحزاب أخرى، والعلاقة التي تُبنى بين الأحزاب هي علاقة تنافس على الجمهور وعلى الخط السياسي والأيديولوجي. هذه الأجواء لن تُنجح مسيرة كمسيرة العودة. سيكون دومًا خلافات على شكلها وبرنامجها. ومن الأفضل أن تبقى خارج منطق الأحزاب كما هي الآن.
وفي هذا الشأن، يُذكر أن الحركة الإسلاميّة الشمالية قبل حظرها من قبل الحكومة الإسرائيليّة، بدأت قبل عدّة سنوات بمقاطعة مسيرة العودة بسبب تحفظات اجتماعيّة على طابع المسيرة وبرنامجها الفني، وأخذت تُنظّم مسيرة خاصّة لها بعد أن وجدت نفسها وحيدة بتحفّظاتها. وهي المرحلة (مرحلة صعود الإسلاميين بعد الثورات) التي أصبح فيها عند الحركة الإسلاميّة الشمالية ثقة عالية بالنفس لدرجة مقاطعتها نشاط وطني عام وتنظيمها لآخر خاص حتّى لو كلّفها ذلك مئات آلاف الشواقل.
الملاحظة الثالثة: من عتليت إلى غزّة
تميّزت المسيرة هذا العام، بتماثلها مع مسيرات العودة في قطاع غزّة. فمنذ دخول المشاركين إلى أرض المهرجان، وصور من مسيرات العودة في غزّة تستقبل القادمين حتى منصّة المهرجان، التي تزيّنت بصور المقاومة الشعبيّة وأيقونات هذه المسيرات من شهداء ونشاطات ومواجهات، وفي ذلك مقولة سياسيّة واضحة تجاه تأييد ومناصرة مسيرات العودة في غزّة. لكن يبقى السؤال الأهم حول دور الفلسطينيين في أراضي الـ48 بالالتحام مع مسيرات العودة في غزّة ووضع قضايا اللاجئين داخل وطنهم على الأجندة. وهو سؤال موجه للقيادة السياسيّة وللجنة المتابعة، التي تتماثل على ما يبدو مع الخط السياسي المرسوم في رام الله غير المكترث بهذه المسيرات ولا تريد التماثل معها. واكتفت لجنة المتابعة بتنظيم مسيرة قبل أسبوعين وكانت يوم السبت. كان بإمكانها تنظيم تلك المظاهرة يوم الجمعة بالتزامن مع مسيرات العودة، إلا أنّها اختارت السبت، وفي ذلك رسالة سياسيّة للسقف السياسي لهذه المظاهرة. فالتظاهر يوم الجمعة مفاده أننا في الداخل جزء من هذا الحراك، أمّا السبت فيقول أننا نتضامن مع غزّة، وفي ذلك فرق شاسع. أمّا مكان المظاهرة فموضوع آخر.
الملاحظة الرابعة: أفكار للسنوات القادمة
على الرغم من النجاح والتميّز الذي أشرت له، تبقى هناك حاجة مستمرة للتجديد والتطوير في مسيرة العودة خلال السنوات القادمة نحو برنامج يستوعب حجم المشاركين (20 ألفا بحسب المنظمين)، الذين يقضون قرابة 3-4 ساعات في المسيرة والمهرجان، تمر سريعًا بين المشي والوصول إلى أرض المهرجان، التجوال في أرض المهرجان والمرور على الخيم والمعروضات المختارة، ومن ثم البرنامج الرسمي عند المنصّة المركزيّة، بالإضافة للمصافحات بين الناس والوقوف في أحاديث جانبيّة كونها فرصة للالتقاء بعدد كبير من المعارف والأصدقاء في مناسبة واحدة.
هناك حاجة للتفكير في أن تكون مدّة البرنامج أطول وتبدأ من ساعات الصباح وليس الظهيرة. هناك إمكانية للتخلي عن مركزيّة منصة واحدة للمهرجان وتنظيم عدّة منصات مختلفة. لدينا عدد كبير من الفنانين والمبدعين والناشطين الذين يستطيعون أن يقدموا أفكارًا وبرامجًا متنوعة خلال هذا اليوم؛ وهي فرصة كي تكون مسيرة العودة مساحة لهم لتقديم ما عندهم للجمهور. هناك أرضية ممتازة لبناء برنامج يستوعب قضاء العائلات يوما كاملا، ولا يقتصر البرنامج فقط على ساعات قليلة لقضاء واجب المشاركة. ممكن عقد ورشات عمل وإشراك مجموعات ناشطة. هناك ضرورة لتوسيع طاقم العمل وفتح الباب أمام المتطوعين والمهنيين، وبناء عدّة منصّات، وجمع تبرعات لمصاريف المهرجان عبر مواقع التواصل بأفكار جديدة. هذا كله يتطلب البدء بالتحضير قبل المسيرة بأشهر. كما أن هناك حاجة لتنظيم فعاليّات تعنى بممارسة العودة وفي ذلك عدّة مبادرات انطلقت خلال السنوات الماضية. هناك إمكانية لأن تكون مسيرة العودة وما يرافقها من برامج حدثا ضخما بشكل مضاعف عمّا هو عليه الآن.