على الطريق المُحتّم

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

 

 

في الوقت الذي تحث فيه إسرائيل الخُطى، لردم الفجوة الصغيرة بين موقفها وموقف الولايات المتحدة، وصولاً الى التطابق التام، بين منهجية إدارة ترامب، ومنهجية الليكود ومن هم على يمينه؛ يذهب الفلسطينيون الى مسافات أبعد في الفُرقة والانقسام والسجالات المريرة. وفي إسرائيل، تستوعب حكومة نتنياهو كل ألوان الطيف الأصولي العنفي اليهودي الصهيوني، ويلفظ عباس الغالبية العظمى من ألوان الطيف الوطني، بعد لفظ الطيف الإسلامي، ويذهب الى انعقاد إنقسامي وغير تمثيلي للمجلس الوطني الفلسطيني، لتكريس الإنقسام وإبقاء الكيان الفلسطيني وأطره ومؤسساته في حال الموات. فهذه مرحلة سوداء من تاريخنا الفلسطيني المعاصر، أصبحنا فيها بدل أن نقاوم المحتلين المصممين على توسيع النكبة، نصنع بأنفسنا لأنفسنا نكبة جديدة، ليس على صعيد الأرض التي يتوسع فيها الإستيطان وحسب، وإنما أيضاً على صعيد الحياة نفسها ومعيشة الناس فيها!

يتجاوزالعدو والولايات المتحدة، أمرنا كله، باعتباره في جيبهم الصغرى أو تحت السيطرة التامة، ويذهاب الطرفان الى ما يراهما لأنفسهما من مهام استراتيجية تشمل إيران والمنطقة كلها، بينما يزهو عباس بتسهيلات إسرائيلية لانعقاد مجلسه تحت لافتة منظمة التحرير الفلسطينية!

في منهجية التجاوز عن المشروع الوطني الفلسطيني الذي يعتبرونه منتهياً في غياب مقومات النهوض به؛ يجد المحتلون أنفسهم بصدد ظاهرة فلسطينية تناسبهم، ولا ينتقص منها خطاب في قاعة أو صوت يرتفع محمّلا بالوطنية اللفظية. فالوقائع الفلسطينية على الأرض، ذاهبة في خطها المرسوم، إذ لم تعد اية قيمة لمؤسسة أو إطار. فالأمر كله بات في جيب عباس، وهذا تحميه السيطرة العسكرية على الضفة، وهو بطبيعته لن يتقبل التمكين لأي طيف يتمنى الحد الأدنى من بناء القدرات واكتساب الكتلة الشعبية والاعتماد عليها لتنفيذ سياسات جديدة مقاومة ولو سلمياً. فلم يعد الفلسطينيون يمتلكون أية بوصلة، وهذا يكفي. أما عباس، صاحب منهجية الاستحواذ على السلاح، وضبط التوجهات السياسية للقوى الفلسطينية، والسيطرة الأمنية على المجتمع وعلى المقدرات المالية، فلا يملك أية ورقة لوقف افتتاح سفارة الولايات المتحدة في القدس أو وقف التوسع الاستيطاني في الضفة، أو حتى نصب منصة سياسية لإتاحة المجال للتعبير عن الرأي والنظر فيه!

المحتلون قطعوا شوطاً طويلاً في مرحلة ما بعد السيطرة المريحة على الأراضي المحتلة، والجانب الفلسطيني يشهد مآزق متناسلة، والمطبلون الانتهازيون أعطوا عقولهم إجازات طويلة، ويركزون الآن على إطالة أمد الحال المزرية، لعلهم يفوزون باستثناءات تتيح لهم أن يربحوا شيئاً من رجل شحيح لا يرى سوى نفسه. إن هذه مرحلة مرت فيها شعوب كثيرة، كانت تطفو فيها على السطح، طبقة زيت سوداء مسمومة، تساعد على خنق الأحياء تحتها. اليوم تزداد هذه الطبقة سواداً في غياب الفوارق بين ألوان الفلسطينيين، لكن الرجل الذي يحكم يراهم ألواناً حسب مناطقهم، ويعاقبهم بالجملة، واستُبدل الشعب بالحاشية، والمجلس الوطني الجامع، بشيء لا يشبهه، والوطنية، ببعديها السياسي والاجتماعي بالكيديات ومنهجية الإيذاء للشعب الذي هو معقد رجاء الوطنية النبيلة!

لم يعد أمام الناس سوى طريق محتم، وهو الاحتشاد الذي يراه العالم كله، لانتزاع منظمة التحرير الفلسطينية من خاطفيها، والانضواء تحت لوائها ودمقرطتها،  فيما هي ترسم الطريق وتحدد خطواتها في السياق التاريخي الصحيح للنضال الوطني الفلسطيني!