فور عودته من المدرسة ذهب هو وأصدقائه إلى منطقة خيام العودة السلمية لمشاهدة بعض الفاعليات التي تقام هناك مصطحبين معهم كرة القدم، لعلهم يجدون متنفساً للعب واللهو في مناطق مفتوحة لطالما حلموا أن يصلوا إليها، لكّن آلة القتل الإسرائيلية لم يرق لها مشهد مرح أطفال غزة، وباغتت عبد الرحمن وأصدقائه برصاصات أصابت قدمه اليسرى، وذلك بعد ذهابه ليُحضر كرة القدم التي تدحرجرت بالقرب من السياج الفاصل.
شارك عبد الرحمن نوفل الذي لم يتجاوز الـ"11" ربيعاً من عمره في مسيرات العودة شرق مخيم البريج منذ الجمعة الأولى، برفقة ابن عمه كرم، وأصيبا في مرات عديدة بالاختناق جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع، دون أن يبلغ أحداً من والديه باستنشاق الغاز تحسباً لمنعه من الذهاب مرةً أخرى للحدود الشرقية، وأبقى الأمر سراً وشارك في الجمعة الثانية والثالثة دون معرفة والده بذلك.
يعيش الطفل عبد الرحمن هو وعائلته المكوّنة من سبع أفراد في مخيم النصيرات ببيتٍ صغير مسقوف بألواح من الزينكو مكون من غرفتين، له باب مصنوع أيضًا من لوح "زينكو"، يتزيّن في وسطه عبارات "يا رب فرجك- يا رب رحمتك"، وحائط البيت من الداخل مغطى بطبقة من البوية المهترئة التي تساقط بعضها والبعض الأخر يحاول أن يتماسك خشية السقوط، وأثار تعديلات في البيت كتغير موضع الباب وإغلاق بابٍ قديم، والمطبخ الذي لا يتعدى عرضه المترين بطول ثلاثة أمتار.
"مش عارف ليش طخوا عبود، في ايش شكللهم خطر، في ايش هدّده لا شايل حجر، ولا شايل اشي، عبود رايح يلعب!"، هذه هي العبارات التي رددها والد "عبد الرحمن"، مضيفاً "بعد إصابته استلقى جسد عبد الرحمن على الأرض في بداية الأمر لم يذهب أحد لمساعدته خوفاً من إطلاق النار عليهم، فتقدم المسعف إبراهيم عايش نحوه، وقام بحمله ولكن قنّاصة الاحتلال حاولت استهداف المسعف بعدّة طلقات ما أدّى إلى سقوط عبد الرحمن من بين يديه مرتين بسبب الخوف الذي سيطر على المسعف".
ولحظة وصوله لمشفى الشفاء أخضعه البروفسور البريطاني جورج إلى عملية استمرت ثلاث ساعات متواصلة، كان والده قد أعدَ تحويلة علاج للأراضي المحتلة، فتلقى أباه اتصالاً من أحد الدروز أخبره فيه "ابنك عبد الرحمن مرفوض رفض قاطع وتام"، ما أدى إلى ازدياد حالة عبد الرحمن سوءاً، مثل إصفرار الوجه، وارتفاع درجة حراراته والتقيؤ لديه لا يتوقف، فقام يامن نوفل (والده) برفع مناشدة إلى الرئيس محمود عباس، فاستجاب لها، وعلى معبر "إيرز" يقوم الاحتلال بتوقيف هذا المصاب لمدة ساعة كاملة لتزداد حالته سوءاً.
"يا ابن عم وضع عبود صعب على الأخر، انسَ موضوع الرجل إحنا بدنا ننقذ روحه" كلمات قالها إسماعيل ابن عمه المقيم في الضفة ليامن، في صباح يوم الخميس وصل عبد الرحمن مشفى الاستشارات العربية، ودمه قد انخفض إلى أربع وحدات، والسُّم قد تغلغل في جسده حتى وصل إلى رئته، والكلية في خطر، فدخل غرفة العمليات مرتين، استمر العملية الثانية لـ 6 ساعات متواصلة.
ونجح الأطباء في إنقاذ حياة عبد الرحمن ولكنّهم لم يتمكنوا من إنقاذ قدمه، فكان خيارهم البتر أسفل المفصل بـ 10 سنتيمترات، فقد فَقَدَ عبد الرحمن 15 سنتيمتر من العظم مع ذلك الطلق الناري وتلوث الجرح وتسممه، حيث مكث في العناية المركّزة حتى ظهر يوم الجمعة.
وعلى الرغم من ذلك لم ينجحَ الاحتلال في تحطيم أحلام وطموحات طفلٍ صغير يسكن في قلب قطاع غزة، وكانت كرة القدم من أكبر الهوايات التي يعشقها عبد الرحمن، ويلعبها مع أصدقائه في الحي والمدرسة.
ويتمدد عبد الرحمن على فرشته التي طالما ركلها بقدمه، يملأ الحزن تقاسيم وجه، والقلب يبكي في صمت مرير، يتأمل لوحة مأساوية كثيراً ما سترسم أمامه، حيث يجلس على الكرسي المتحرك أمام بيته وينظر في الشارع الذي اعتاد على الركض فيه، وأًصدقاءه يلعبون كرة القدم التي يعشقها دون أن يشاركهم اللعب!