09 تموز 2015
التساؤلات التي يطرحها بكثافة هذه الأيام السياسيون والصحافيون أجانب وعرب وفلسطينيون بشأن النتائج التي انتهت إليها الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، التي تصادف بداية اندلاعها هذه الأيام، هذه التساؤلات، تنطوي على الكثير من التداعيات، وبعضها ماكر، محكوم لحسابات سياسية مقصودة.
وحدهم سكان قطاع غزة، لا يتساءلون بشأن هذه النتائج والأسئلة التي تدور حولها، إلاّ حين المقارنة بظروف شهر رمضان هذا العام وبين الظروف التي مرت عليهم خلال العام الماضي.
لا داعي للشرح، فسكان القطاع لا يزالون غارقين في همومهم وأزماتهم المتفاقمة، واستكانوا إلى ما هم فيه من إحباط ويأس، فكلما لاحت تباشير فرج محدود، عادت الأمور إلى سابق عهدها.
الدمار الكبير وكثير من الركام لا يزال على حاله يشهد على الجريمة، والحصار على حاله، وعلى حالتها عملية إعادة الإعمار المعطلة، والمصالحة إلى نقطة الصفر، فيما تتسع دائرة الفقر والبطالة، ولا شيء يزداد سوى المزيد من الراغبين في الهجرة التي أشارت بعض استطلاعات الرأي إلى أنها بلغت نسبة 50% من السكان.
عودة إلى النتائج، التي تمخضت عنها أطول حرب إسرائيلية على قطاع غزة، لأن حرب الاستيطان هي الأطول على الشعب الفلسطيني، هذه النتائج على الجانب الفلسطيني تشير إلى أن الفلسطينيين لم يحققوا شيئاً سوى المزيد من الخراب والدمار، والمزيد من الخطوات الانقسامية إضافة إلى آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين.
كانت الآمال كبيرة، استناداً إلى الأداء الرائع للمقاومة خلال الحرب، وإلى وحدة الموقف الفلسطيني، الذي تجلى بخوض المفاوضات بعد الحرب من خلال وفد وطني موحد، بأن يحقق الفلسطينيون بعض الإنجازات مثل رفع الحصار، وبناء المطار والميناء، والإفراج عن أسرى لكن النتيجة كانت صفراً.
المطالب الفلسطينية لا تخرج عن كونها استحقاقات، كان الفلسطينيون قد حصلوا عليها قبل سنوات، لكن سياق تطور الأحداث جعلها أهدافاً تستحق أن يدفعوا بالدم ثمنها، لكنهم دفعوا دماء غزيرة، وتضحيات كبيرة، بدون أن يستعيدوها، الأمر الذي يذهب بالسياسة الفلسطينية إلى أخطاء كبيرة ارتكبوها في الماضي القريب.
قطعت إسرائيل المفاوضات وقاطعتها لسبب واضح، وهو أنها لا ترغب في التفاوض مع وفد وطني موحد، سيفسد عليها، مخططاتها الرامية إلى تعميق الانقسام، ودفع القطاع نحو الانفصال، تمهيداً لفرض دولة غزة.
وفي السياق اعتقدت إسرائيل أنها نجحت في تدمير شبكة الأنفاق الهجومية، واستنزفت نحو 70% من القدرات العسكرية للمقاومة وذلك حسب ادعاءات مصادر مسؤولة، الأمر الذي كان سيجعلها في وقت لاحق، قادرة على فرض شروطها، لكنها بعد عام على الحرب، أدركت خطأ حساباتها، فكان عليها أن تغير في تكتيكاتها.
تعترف الأوساط الإسرائيلية أن المقاومة استعادت قدرتها على ترميم شبكة الأنفاق، وتعزيز قدراتها العسكرية، وأنها لم تحصد سوى المزيد من العزلة الدولية، والمزيد من التقارير الدولية التي تتهمها بارتكاب المزيد من جرائم الحرب.
هكذا، أدت نتائج الحرب وما بعدها إلى تزايد الأصوات الداعية لتحقيق الأمن، عبر وسائل أخرى، سياسية واقتصادية، فراحت تبحث عن مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس وحدها، سعياً وراء هدنة طويلة مقابل تخفيف الحصار، وفتح المعابر، والسماح بممر بحري، وربما لاحق بإعادة بناء وتشغيل مطار غزة.
هرع الكثير من الأوروبيين، وبعض العرب، وتركيا، يتطوعون للتوسط من أجل إنجاز هذه الصفقة، رغم علمهم بأن إنجازها سيؤدي إلى تعميق الانقسام وتأجيج التناقضات الفلسطينية، ولخدمة أهداف إسرائيل التي لم تتغير.
مر وقت ليس قصيراً على الوسطاء، لكن الأمور تبدو صعبة، إذ ليس بمقدور حماس أن تخوض هذه التجربة، وتنفرد بإجراء هذه المفاوضات، لتحقق المطالب ذاتها، التي أرادت تحقيقها، من مفاوضات ما بعد الحرب.
إسرائيل لم تفقد الأمل في إنجاز مثل هذه الصفقة، لكنها استدارت نحو طرح ملف الأسرى من جنودها، كمدخل لتنشيط المفاوضات والوساطات، ذلك أنها المرة الأولى التي يعترف فيها وزير الحرب الإسرائيلي بوجود أسرى لدى المقاومة.
غير أن إسرائيل التي تعرف مدى صعوبة التعاطي مع هذا الملف، بعد أن فقدت مصداقيتها إزاء صفقات التبادل السابق، حيث عادت لملاحقة الأسرى المحررين، واستهدافهم بالقتل أو الاعتقال فبدأت بالتعاطي مع آليات وأفكار أخرى.
استناداً إلى قراءة إسرائيلية لما وصلت إليه المصالحة، وانزلاق الأطراف الفلسطينية إلى تناقضات وخلافات أعمق، وتهديدات صعبة، تعود إسرائيل للتفكير في اتخاذ إجراءات من طرف واحد، بدون اتفاقات وصفقات مباشرة، طالما أن حماس تعلن أنها لا ترغب في التصعيد، وبالتالي فإن الهدوء لا يزال مسيطراً على الوضع بين القطاع وإسرائيل، وربما يستقر لفترة أطول.
الآن ترتفع من جديد الأصوات، ومن قبل ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، تطالب وزير الدفاع والحكومة بالمبادرة لتغيير طريق التعامل مع قطاع غزة.
يقترح هؤلاء، إعادة فتح معبر كارني، وتوسيع معبر كرم أبو سالم، والسماح بدخول مواد كان إدخالها للقطاع ممنوعاً، وتسهيل إعادة الإعمار، فضلاً عن السماح لآلاف العمال بالدخول إلى إسرائيل، وللسكان المرور نحو الأردن والخارج.
في الجوهر تنوي إسرائيل ممارسة المعادلة التي طرحها وزير الخارجية الألماني شتاينماير حين زار غزة، وهي الأمن مقابل التنمية، وفي الترجمة، تحرص حماس على التهدئة، ما يسمح لإسرائيل بالتخفيف عن سكان القطاع، ليس سعياً وراء تحسين صورتها أمام العالم، وإنما مرة أخرى كسبيل لتعميق الانقسام، وتهيئة الظروف لدولة غزة.