حماس ومسيرة العودة الكبرى: تساؤلات يطرحها الغرب؟!

thumb (4).jpg
حجم الخط

 

مع انطلاق فعاليات مسيرة العودة الكبرى في يوم الأرض 30 آذار الماضي توافدت الكثير من وسائل الإعلام الغربية إلى قطاع غزة من أجل مشاهدة الوقائع وتغطية الحدث.. صحفيون كثر زاروني في معهد بيت الحكمة، وحتى سياسيين وباحثين في مراكز غربية، وكان السؤال الذي أجمع على طرحه كل من التقيتهم يدور حول نقطتين أو ثلاث: أولهما؛ هل حماس هي الجهة التي تقف خلف هذه الفعاليات والحركات السلمية على الحدود؟ وهل هذا التحرك الذي تدعمه حماس يعبر عن تحول حقيقي في توجهها المقاوم باعتماد منهج اللاعنف؛ أي هل هذا السلوك يأتي قناعة (Genuine Change) أم هو مجرد وسيلة ابتدعتها حركة حماس للهروب من الانفجار الشعبي الداخلي؟

بالطبع، كان من جانبي الإشارة والتوضيح بأن ما يحدث هو حراك شبابي بالدرجة الأولى، وفكرة مسيرة العودة الكبرى هي من جادت به قريحة هؤلاء الشباب، الذين أدركوا بوعيهم المتقدم أن هناك من يريد للانفجار الشعبي أن يحدث في الداخل الفلسطيني، والتعجيل بانهيار جبهتنا الداخلية، ولكن شبابنا الواعي قد وجدوا أن المخرج هو في نقل الكرة إلى ملعب الأعداء، وأن تكون هناك كلفة لتضحياتهم يدفعها الاحتلال، بدل أن تضيع دماء شعبنا في معارك جانبية لا طائل من وراءها. وفعلاً؛ لقيت فكرة "مسيرة العودة" قبول الجميع واستحسان الكل الفلسطيني، فكان الدعم والتأييد والمباركة والحشد لإنجاح هذه المسيرة النضالية، وذلك بإشغال الاحتلال الإسرائيلي وتدفيعه كلفة الاحتلال وما يفرضه من الحصار، فكان الذي شاهدناه في الأسابيع الماضية، حيث أعادت هذه الهبَّة الشعبية اللاعنفية للقضية الفلسطينية مكانة الصدارة في الاهتمام السياسي الداخلي وحظيت بتغطيات إعلامية واسعة.

وحول التساؤلات المطروحة بأن حركة حماس هي من تقف خلف هذه الفعاليات لمسيرة العودة، فهذه مسألة فيها الكثير من التجني على حجم الجهود الذي يبذلها الكل الفلسطيني واللجنة الوطنية المنظمة للفعاليات، والتي تمثل كل القوى والفصائل ومنظمات المجتمع المدني، وإن كانت حركة حماس بسبب ثقلها الجماهيري وتفاعل قياداتها في المشاركة والحضور تبدو الأكثر ظهوراً واستحواذاً على المشهد الإعلامي، وهذا ما يعطي الانطباع للمراقب من الخارج بأنها هي القوة المحركة وراء كل ما يجري.

في الحقيقة، كانت بعض الاجتهادات التي قامت بها حركة حماس في الأسبوع الأول والثاني توحي بذلك، مثل توزيع بعض المساعدات المالية لأسر الشهداء والجرحى أو عمليات التشييع بالعباءة الفصائلية، ولكن كل ذلك تمَّ تداركه وتخطيه في الأسابيع اللاحقة ليبقى العنوان الوطني يجسده العَلم الفلسطيني والشعارات الوطنية، وتكرِّسه حالة الوحدة واجتماع الشمل لتحقيق هدف العودة، والرد بقوة على كل من يحاول تسويق صفقة القرن الأمريكية لحسابات إسرائيلية.

لا شك أن المطلوب هو أن تبقى فعاليات المسيرة سلمية، وألا يسمح لأي جهة أن تبالغ في تمظهرها الحزبي خارج العنوان الوطني الكبير، بهدف سد باب الذرائع أمام ادعاءات إسرائيل بأن حماس هي من يقف خلف هذه المسيرة، وأنها هي من يحرك هذه الجموع الشبابية والحشود الشعبية، وذلك لحاجة في نفس أساطين الفكر الأمني الإسرائيلي، لتبرير توجيه الضربات العسكرية، وارتكاب جرائم الحرب بحق الإنسانية، وانتهاك القانون الدولي، كون حركة حماس (الإرهابية) هي من تدير هذه الحرب وتشنها على إسرائيل!!

السؤال الذي يطرح نفسه ويثيره البعض: لماذا تحرص قيادة حركة حماس، وخاصة إسماعيل هنية ويحي السنوار، على الظهور بشكل لافت في هذه الفعاليات وإطلاق التصريحات ذات النبرة الثورية العالية، والتي تحمل تهديدات مبطنة، تستغلها بالطبع أجهزة الإعلام الإسرائيلي دولياً لتشويه مشهد اللاعنف والحركات السلمية، وإيجاد المبررات لارتفاع نسبة الإصابات - القتلى والجرحى - بين المدنيين العزَّل، حيث إن مشهد ميدان المواجهات هو "عسكرة – قناصة ودبابات" في الجانب الإسرائيلي، مقابل شباب لا يملكون إلا قبضات أيديهم بما تعنيه من إرادة التحدي للاحتلال، والإصرار على إيصال رسالتهم بأبعادها السياسية والإنسانية للعالمين.

وفي سياق نقاش مسألة الظهور لقيادات حركة حماس، فإن هناك وجهتي نظر: الأولى؛ إن هذا الحضور والمشاركة الفاعلة إنما هي مستلزم هام لإثبات أن القيادة إلى جانب الشعب في الميدان، وهذا ما يؤدي لرفع معنويات الجميع وارتفاع منسوب اللحظة النضالية، وهذا ما شاهدته ميدانياً عند حضور هؤلاء الإخوة إلى مناطق الفعاليات، انسجاماً مع مقولتنا الشعبية: "إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي".

هناك بالطبع وجهة نظر ثانية مفادها: إن غياب القيادات عن الميدان سيؤدي إلى إضعاف حيوية هذا الحراك، ويفتح المجال لتوجيه الانتقادات لتلك القيادات بأنها تدير الميدان من الغرف المكيفة أو عبر الرسائل والتقارير، دون الإحساس بحجم التضحيات ومعاينة أخطارها.

إنها معادلة صعبة أن تغيب القيادات المعروفة عن الميدان. ولذلك، تجد الجميع - ومن الكل الفلسطيني - يحرص على الظهور وليس فقط قيادات حركة حماس، فالكل يعتبر نفسه مكوناً أساسياً في هذا الفعل النضالي، وبحضوره يؤكد إثباتات ذلك، من حيث الشراكة والتأييد والإجماع الوطني، فالحدث لا ينتمي إلى أي حزب سياسي بعينه، وهو عمل سلمي يدعو إلى حق العودة، الذي هو مناط الكفاح الفلسطيني خلال مسيرته النضالية الطويلة.

وفي سياق استجلاء الموقف والبحث عن إجابات لما يجول في خاطر الكثيرين من الصحفيين الأجانب، طرحنا على بعض الشخصيات السياسية والإعلامية التساؤلات التالية: لماذا تتعمد إسرائيل إشاعة أن حركة حماس هي من يقف خلف مسيرة العودة؟ ولماذا يشكك الغرب في توجهات حركة حماس السلمية، باعتبار أن نهج اللاعنف ليس ضمن أدبياتها النضالية، ويحاجج – بخبث وارتياب - إذا ما كان هذا التوجه السلمي نابع عن قناعة أم أنه مجرد محاولة للتهرب من ضغط الواقع؟

- الناشط أحمد أبو ارتيمة؛ الناطق الإعلامي لمسيرة العودة، ألمح إلى شيء مما طرحناه بالقول: إن ثمة اعتبارات لا بد من مراعاتها لإنجاح تجربة مسيرة العودة واستوائها على سوقها، ومن أهم هذه الاعتبارات أن يتراجع الظهور الفصائلي، ويفسح القادة الرسميون الطريق لقيادات شعبية غير فصائلية أن تعبر عن نفسها، وأن تتعزز المبادرات المجتمعية؛ لا نقول ذلك إنكاراً لجهود الفصائل ودورها في إنجاح التجربة، بل لأن تعزيز الطابع الشعبي للحراك سيحرم دولة الاحتلال من دعاية تمثل ركيزةً أساسيةً من ركائز خطابها الإعلامي ضد مسيرة العودة، وهي نسبة هذا النشاط إلى عناوين محددة يصنفها الاحتلال بأنها إرهابية، ويستدعي ذكرها دلالات سلبيةً في المجتمع الدولي. والاحتلال لا يطيق تكلفة مواجهة الشعب مباشرةً، لذلك فإنه يمارس التدليس عبر ادعاء أن هذه المسيرات منظمة من قبل حركة حماس، وهو ما يقتضي منا في المقابل أن نعاكس دعاية الاحتلال، وألا نظهر الحراك بالصورة التي تساعده في تسويق روايته.

- د. صالح النعامي؛ الباحث والكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، أشار إلى أن إسرائيل تسعى إلى شيطنة حراك مسيرات العودة الكبرى، من خلال الزعم بأن حركة حماس وراءه، مع العلم أن هناك إجماع داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والنخب الإعلامية في تل أبيب على أن تردي الواقع الاقتصادي وتدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع هو الدافع الرئيس خلف هذا الحراك. وهذا ما عبر عنه رئيس هيئة أركان الجيش الاحتلال جادي إيزنكوت.. إن ما يدلل على قصور الماكنة الإعلامية الإسرائيلية في شيطنة حراك مسيرة العودة حقيقة، هو أن هذا الحراك قد فضح حالة انعدام اليقين إزاء السياسات الإسرائيلية داخل حكومة نتنياهو ذاتها.. فبعد انطلاق الحراك، وبَّخ وزير الاستخبارات والمواصلات "يسرائيل كاتس" زميله وزير الحرب ليبرمان؛ لأنه أحبط مشروع تدشين ميناء ومطار عائمين قبالة غزة، حيث حاجج كاتس أن جميع الوزراء باستثناء ليبرمان أيدوا الخطة، لافتاً الأنظار إلى أن يحدث تحول جذري على الواقع الاقتصادي في القطاع فلن يكون هناك هدوء على الحدود.

- د. أسعد جودة؛ عضو اللجنة القانونية والتواصل الدولي لمسيرة العودة الكبرى، أجاب قائلاً: في تقديري، أن حركة حماس قد وجدت أن فكرة الحركات السلمية والشعبية خياراً واقعياً.. أولاً؛ لأنه أقل كلفة وعليه إجماع وطني.. فالردع الاستراتيجي بالنسبة لها قد حصل، والقوة قد أظهرتها وعرضتها بشكل غير مسبوق قبل انطلاق فعاليات المسيرة بيوم تقريباً، وكانت رسالة لكل من يعنيه الأمر بأنها لم تذهب لخيار السلمية الشعبية القانونية عن ضعف وخوف.

النقطة الأخرى؛ ان الفكرة عادت مقبولة لحركة الجهاد الإسلامي؛ الشريك القوى والعنيد والأشد تمسكاً بالعمل العسكري، بالإضافة إلى كل الفصائل وقوى المجتمع المدني والحقوقي والاتحادات الشبابية والنسوية.

نعم؛ حماس تسير في هذا الاتجاه وترعاه وتنفق عليه وتحميه؛ لأنها على يقين أنها بهذا ستفك طوق الخناق عن نفسها، وشاركت الكل في القيادة العملياتية.. فالنتائج التي تحققت يتغنى بها الجميع وهي كسب للشعب الفلسطيني كله، لكنَّ حركة حماس بإمكاناتها – حقيقة - هي الأوفر حظاً على استثمار هذه الأحداث.. ومع الأيام وتقدم المسيرة، فإن حركة حماس ستكون هي اللاعب الأقوى في الساحة الفلسطينية.

لا شك أن هذا الخيار خفف عن حركة حماس اعباء كبيرة في موضوع التسليح، إذا ما تمَّ العمل الشعبي في تقدمه.. ثانياً؛ الأرض والقوة والحكم لهم، والمسيرة بمفاصلها هم الأقدر بصراحة على توجيهها.

- الأستاذ إياد الشوربجي؛ باحث ومحلل سياسي، يعتقد بأن هذا التوجه في السلوك المقاوم لحركة حماس باتجاه اللاعنف إنما هو نتاج لضغط الواقع، وتعقيد الحالة وشحِّ الخيارات، إلا أن القناعة به آخذة في التعمق، وبدأ هذا السلوك اللاعنفي يتجذر ويتحول إلى نوع جديد من الوعي بجدواه كوسيلة نضالية إضافية إلى جانب الوسائل الأخرى وليس بديلاً عنها، كما أن هذا السلوك الجديد مرتبط أيضاً بتطور آخر (نسبياً) في منظومة الوعي القيادي بإدخال متغيرات البيئة الإقليمية والمتطلبات والمعطيات الدولية ضمن حسابات الربح والخسارة في تقدير الموقف السياسي وحساب المآلات، وصولاً إلى قرار وسلوك سياسي أكثر جدوى وواقعية.

- د. بلال ياسين؛ الكاتب والباحث الإسلامي، أوضح بأنَّ إسرائيل تتعمد خلط أوراق مسيرة العودة الكبرى بطرق مختلفة، أبرزها ما يتعلق بزج اسم حركة حماس بما يحدث من حشود وفعاليات سلمية تخص تلك المسيرة، التي تحصل شرق قطاع غزة منذ ستة أسابيع تقريباً؛ كونها موضوعة – ظلماً - على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية، وذلك من أجل التنصل من حقوق الشعب الفلسطيني المختلفة، وتبرير الجرائم البشعة التي يرتكبها جيش الاحتلال عمداً تجاه المتظاهرين السلميين. فالحقيقة التي لا يماري فيها أحد تابع مشاهد هذه الهبة الشعبية السلمية، هي أنَّ الشعب الفلسطيني بكل مكوناته مجمع على مسيرة العودة الكبرى كخيار استراتيجي لانتزاع الحقوق المكفولة بقرار الأمم المتحدة 194، وأنَّ حركة حماس هي جزء من الشعب الفلسطيني، وليس كل الشعب، ولولا هذا الإجماع لما كانت هذه الاستمرارية التي تعكس إرادة الوحدة خلف الثوابت الوطنية.

ختاماً.. إن إسرائيل ستظل تدفع بماكينتها الإعلامية لتوجيه الاتهامات لحركة حماس بأنها من يقف وراء هذه المسيرة، وأن هذه الأفعال التي تقوم بها تشكل تهديداً وجودياً لها!! فالحجر والمقلاع والكاوتشوك والطائرة الورقية كلها بمنزلة الأسلحة الفتاكة والصواريخ العابرة للحدود!!

إن إسرائيل تسعى لمنح غطاء لأفعالها الإجرامية، وانتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي الإنساني باستهداف ناشطي مسيرة العودة اللاعنفية، من خلال تكرار ذكر حركة حماس، والتي سبق لها أن قامت بشيطنتها واتهامها بالتطرف والإرهاب، مما يعني أن ما تقوم به من أفعال القتل والمجازر ضد المدنيين إنما يأتي في سياق محاربة (الإرهاب) الفلسطيني!!

إن شمس الحقيقة التي تعرضها كاميرات الصحافة الفلسطينية والدولية من ساحات الفعل لمسيرات العودة السلمية لا يمكن تغطيتها بغربال الادعاءات والأكاذيب الإسرائيلية، وهي كافية بمشاهدها المصورة لدحض روايتهم، وكسر احتكار ماكينتهم الدعائية في الغرب. يشير ناثال ثرال؛ الباحث بمركز الأزمات الدولية (ICG)، إن مسيرة العودة الكبرى تعكس تحولاً في الوعي الوطني الفلسطيني، وقد نجمت عن قرار ترامب، "بإزاحة القدس عن الطاولة". ويبدو أن الفلسطينيين لم يعد هناك مجال للشك في أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم الوطنية من خلال وساطة الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي. وهكذا، فإن هذه المسيرة تشكل محاولة من جانب الفلسطينيين للإمساك بزمام أمورهم بأنفسهم وتقرير مصيرهم، كما حاولوا فعل ذلك خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

باختصار: إن مسيرتنا سلمية، ورسالتها السياسية والإعلامية واضحة؛ شعبٌ أنهكه الاحتلال بإجراءاته التعسفية وحصاره اللاإنساني، وأرضه أمام عينيه وهي على مرمى حجر منه، ولم يعد هناك ما يخسره؛ فإما العودة وتقرير المصير، وإما الموت والشهادة في ثياب العزة والكرامة.