“أنتِ السفيرة الأفضل لإسرائيل”..
هكذا هنّأ رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، المغنيّة الإسرائيليّة نيطع برزيلاي الفائزة في مسابقة اليوروفيجن الأوربيّة ممثلة لإسرائيل، وهو الفوز الإسرائيلي الأوّل بعد 20 عامًا على الفوز السابق. الإدارة السياسيّة الإسرائيليّة تدرك أهمية هذا الفوز في هذه الأيّام بالنسبة لصورة إسرائيل.
فبالنسبة لهم هي هديّة مجانيّة جلبتها برزيلاي، لم تبذل فيها المؤسسة الإسرائيليّة جهدًا كعادتها، بهدف تجميل صورتها وتبييض وجه الاحتلال حول العالم من خلال حملات دعائيّة وإعلاميّة مُنظّمة.
لعل ما جعل من هذا الفوز الإسرائيلي في أوروبا مناسبة خاصّة للفرح والاحتفال بين الإسرائيليين، ترافقه مع الفوز الإسرائيلي في الولايات المتّحدة بنقل السفارة الأميركيّة إلى القدس اليوم في ذكرى النكبة الفلسطينيّة، فيما تعيش إسرائيل في الذكرى السبعين لتأسيسها أفضل أيّامها في ظل مرحلة عربيّة مترديّة تُهرول فيها أنظمة عربيّة للتطبيع معها بشكل خفي وعلني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني التاريخيّة بهدف إنهاء هذا “الملف” نهائيًا.
اليوروفيجن في القدس
لم يكن هذا الفوز الإسرائيلي مجرّد فوز في مسابقة غنائيّة عابرة. فاليوروفيجن التي يُنظّمها الاتحاد الإذاعي الأوروبي منذ عام 1956، تعد المسابقة الغنائيّة الأكبر في أوروبا، وهي أكبر حدث غير رياضي من حيث عدد المشاهدين، إذ يُقدّر عدد مشاهديها بين 100 مليون إلى 600 مليون شخص حول العالم في السنوات الأخيرة. وإلى جانب الصورة الإيجابية التي ستحظى بها إسرائيل الآن بين جمهور غربي واسع، في الوقت الذي ترتكب فيه جرائم قتل وقمع عنيف بحق المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة في غزّة، سوف تحظى السنة القادمة باستضافة مسابقة اليوروفيجن في مدينة القدس المحتلّة بعد هذا الفوز، وسيتوافد عشرات الآلاف من جمهور المسابقة في أوروبا للاحتفال في الحفل الختامي للمسابقة في “العاصمة الإسرائيليّة”. هذا الإنجاز الجديد سبقه قبل أسبوع إنجاز شبيه وهو استضافة سباق الدراجات العالمي “طواف إيطاليا 2018” في إسرائيل لأول مرّة والذي هدفت إسرائيل من خلال استضافته ليكون مفتاحًا لاحتفالات استقلالها السبعين شارك فيه ممثلون عن دولتي الإمارات والبحرين.
لكن لماذا فازت برزيلاي في المسابقة؟ فالموضوع لم يكن تكريمًا لإسرائيل أو الصهيونيّة، بقدر ما كان للنموذج الذي قدّمته برزيلاي من خلال أغنيتها المشاركة في المسابقة “توي” Toy (لعبة)، التي اعتبرت على أنها صوت لحركة “مي توو” Me Too (أنا أيضًا) في أوروبا، إضافة إلى كسرها معايير معينة يعتمدها نجوم أغنية “البوب” عادة. كما لقصّتها وخلفيّتها كشخص لم يتم الاعتراف بقدراتها سابقًا بسبب شكلها المختلف عن السائد وعما هو ناجح في عالم “البوب” والشهرة، كان سببًا إضافيًا لاختيارها احتفاءً بالتعدديّة والاختلاف في الأدوار والأنماط المجتمعيّة، والتي غالبًا ما تحبّها المهرجانات الضخمة.
لعبة إسرائيليّة
لكن برزيلاي التي فازت لأنّها غنّت “أنا لستُ لُعبتك” كتحدٍ لما تواجهه النساء من مضايقات أو تحرّشات من قبل الرجال والقمع المجتمعي، والتي رقصت فيها “رقصة الدجاجة” المتّهمة فيها بعد الفوز بسرقة أفكار من الثقافة اليابانيّة من خلال لبسها وأدائها، تحوّلت الآن لعبة سياسيّة بيد إسرائيل ستستفيد منها في حملة الدعاية التي تقودها عالميًا. برزيلاي صرّحت بعد فوزها “أحب دولتي.. السنة القادمة في القدس العاصمة” كما صرّحت أنها ستقوم “بعمل جنوني خدمة للهسباراه (الحملة الدعائية) الإسرائيليّة”، والآن يجري الاحتفاء بها في إسرائيل كبطلة قوميّة.
فوز برزيلاي في المسابقة هذه الأيّام، يُذكّرنا بفوز إسرائيل السابق في اليوروفيجن عام 1998، عندما فازت المغنية دانا إنترانشيونال. حينها، أحالوا أحد أسباب اختيار إنترناشيونال المركزيّة لكونها متحوّلة جنسيًا واحتفاءً بالتعدديّة الجنسيّة وتشجيعًا لهذه الشريحة التي تتعرض لعنف وقمع مجتمعي. كان ذلك الفوز نقطة تحوّل إسرائيليّة داخليّة وخارجيّة في التعامل مع قضايا المثليّة الجنسيّة، إذ بدأت المؤسسة الإسرائيليّة تدريجيًا تتسامح مع حراك الحركة المثليّة الإسرائيليّة والسماح لها بتنظيم نشاطاتها دون قمع خصوصًا مسيرة الفخر السنويّة في مدينة تل أبيب خلافًا لما كان يجري سابقًا من تضييق ومنع. كما بدأت بعد هذا الفوز الانتباه لأهميّة اسعمال قضايا التعدديّة الجنسيّة وخطاب التسامح تجاه من يعيشون ميولًا جنسيّة مختلفة عن السائد، في خدمة الدعاية الإسرائيليّة في الغرب بهدف تسويق إسرائيل على أنها دولة ليبراليّة تحمي الحقوق في مرحلة باتت هذه القضايا تأخذ أهمية بالغة في المجتمعات الغربيّة.
تحدٍ أمام المقاطعة
شيء شبيه يبدأ الآن مع فوز برزيلاي التي سوف يتم تجنيد فوزها (أو ربما تجنيدها هي) في خدمة الدعاية الإسرائيليّة والزعم أن إسرائيل دولة متسامحة وتتقبل المختلف والآخر، بهدف إخفاء صورتها الاستعماريّة الحقيقيّة كدولة احتلال وفصل عنصري تمارس القمع اليومي ضد الشعب الفلسطيني وترتكب بحقّه جرائم عديدة، وأن كل ما تُروّجه عن التسامح والتعدديّة وتقبّل الآخر ليس إلا تغاضٍ عن القمع البنيوي الذي يخلق هرميّة بين أجساد يهوديّة إسرائيليّة لها قيمة وأخرى عربيّة فلسطينيّة ليس لها قيمة وتتعرض في هذه الأيّام لرصاص القناصة الإسرائيليّة عند الحدود مع غزّة.
كيف سنقنع أوروبا التي قاطعت احتفالات نقل السفارة الأميركيّة إلى القدس، اليوم، وترفض الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، بعدم تنظيم مسابقة اليوروفيجن العام القادم في القدس؟ تحدٍ كبير يقع أمام حركة المقاطعة العالميّة يجب أن يبدأ العمل عليه من اليوم تمامًا كما بدأت إسرائيل بتحضير نفسها من اليوم لاستضافة المسابقة. رئيس بلدية دبلن، مايكل ماك دونشا، (الذي تبنّت بلديته قرارًا بمقاطعة إسرائيل) أطلق الصوت الأوروبي الأول ضد تنظيم اليوروفيجن في القدس ودعا في تصريحاته إيرلندا لمقاطعته، وهو صوت مهم يجب أن يُبنى عليه لحملة منظّمة وضخمة.