في العام 1947، عشية قيام دولة اسرائيل، بلغ الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية نهايته، وقسمت شبه القارة الى دولتين؛ دولتين لشعبين: الهند للهنود والباكستان للمسلمين. وكانت الباكستان في حينه منقسمة الى قسمين: واحد في شرقي الهند، والثاني – وفيه عاصمة الدولة – غربي الهند. وكانت الهند بين القسمين.
الفصل الجغرافي والفروق الديمغرافية والثقافية بين شرق وغرب الباكستان خلقت فجوات وخلافات بين قسمي الدولة الاسلامية. في العام 1971، عندما لم تقبل غرب باكستان نتائج الانتخابات التي منحت اغلبية للحزب الذي نشأ فيه شرق الدولة، تمرد شرق باكستان على الحكم المركزي وتحول الى دولة مستقلة – بنغلادش.
هل يرن هذا في آذانكم كأمر معروف؟ غزة والضفة الغربية، بينما اسرائيل في الوسط بينهما، تشبهان من نواح عديدة شرق وغرب الباكستان، وما حصل هناك يبدو انه كان سيحصل هنا ايضا لو كانت قامت دولة فلسطينية في هذين الاقليمين. ولعل هذا في واقع الامر قد حصل. يخيل أن الصدع بين غزة والضفة الغربية هو حقيقة قائمة. ومحاولات رأب الصدع فشلت. فلمليونين من سكان غزة مصالح مختلفة، اقتصاد مختلف، وعلى ما يبدو ايضا مناهج ثقافية ودينية مختلفة عن مناهج نحو مليونين من اخوانهم في الضفة الغربية.
إذا قامت دولة فلسطينية في غزة في الزمن القريب القادم، ستبقى كل الخيارات الاخرى للتسوية الشاملة في المنطقة مفتوحة. وفي المستقبل ستتمكن الضفة الغربية من أن تصبح ارضا فلسطينية اضافية، سيكون بوسع سكانها أن يقرروا اذا كانوا سيتحدون مع غزة. وكبديل، يمكن للضفة الغربية أن تنضم الى اسرائيل في تسوية كونفدرالية او غيرها، بل وان تكون جزءا من الاردن.
في ضوء النفور من السيطرة على جماعة سكانية بلا حقوق تتمتع بها معظم الانسانية، ومن الخوف على المصير الديمغرافي لاسرائيل، اؤمن بان مناطق «يهودا» و»السامرة» ينبغي أن تكون تحت سيطرة فلسطينية. ولكن لغرض هذا المقال لا آثار لارائي ومعتقداتي.
ان اقامة دولة فلسطينية في غزة ستكون انجازا هائلا لسكانه. ستكون لهم دولة خاصة بهم، وستكون لهم جوازات سفر، وسيتمكنون من تنمية دولتهم، وبناء ميناء ومطار فيها، وتنمية حقول الغاز على شواطئهم، واقامة مراكز تجارية وسياحية، والعودة الى التجارة مع اسرائيل مثلما في الماضي والتمتع بالرفاه مقارنة بوضعهم البائس اليوم.
ان الدولة التي ستقوم في غزة ستتمكن من اعادة بناء علاقاتها مع مصر، بل ربما الحصول منها على اراض اضافية كي تزيد المجال الحيوي لسكانها. وسيكون للغزيين الكثير، كما سيكون لهم الكثير مما يخسرونه، وعليه فان العقل يقول ان سلوكهم سيكون اكثر مسؤولية كي لا يعرضوا انجازاتهم للخطر.
ان اقامة دولة فلي غزة لن تحل «المشكلة الفلسطينية» المطروحة امامنا، ولكنها ستقلصها بقدر كبير. وخطوة منسقة مع مصر، الولايات المتحدة وباقي دول العالم، كفيلة بان تكون خطوة كبيرة في الطريق الى تخفيف المشكلة والسماح لمليوني نسمة ان يعيشوا حياة افضل. وعلى اي حال، فان مسؤوليتنا عن غزة وسكانها ستتوقف. زعماؤها وحدهم سيكونون مسؤولين عن رفاهها. كما يمكن للدولة الفلسطينية في غزة ان تكون حالة اختبار جيد يمكن للطرفين فيه – نحن والفلسطينيين – ان يتعلما كيف يكملا الحل.
يخيل ان اليمين في اسرائيل هو الاخر لا يؤيد العودة الى غزة. وما الذي سينقص من نصيبنا اذا ما قامت فيها دولة تكون مسؤولة تجاهنا وتجاه العالم عن سلوكها. تتمكن من الاحسان لمواطنيها ولكن تكون ايضا مطالبة بابداء المسؤولية تجاههم؟ ان اقامة دولة في غزة ستبين ان اسرائيل لا تطلب فقط بل وتنفذ، واننها مستعد لان تتقدم نحو حل في اطاره تكون للفلسطينيين دولة يتمتعون فيها بحقوق المواطن.
عن «يديعوت»