لا يمكن المرور على تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اليوم الأول لعودته لممارسة عمله بعد رحلة العلاج في مقر "المقاطعة"، وتركيزه على استخدام مصطلح «المؤسسة» أكثر من مرة، مرور الكرام، خاصة إذا ما ربط الأمر بنقاش اللجنة المركزية التي يتزعمها، ملف «الإشاعات الإسرائيلية»، التي انتشرت بشكل كبير خلال الأسبوعين الماضيين، حول صحة الرئيس وموضوع «خلافته».
الرئيس الفلسطيني الذي خرج قبل يومين فقط من المشفى بعد تسعة أيام من العلاج، أراد من اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح، أن يرسل عدة رسائل خارجية وداخلية، لها علاقة بالدرجة الاولى بـ»ملف الحكم وقيادة الشعب الفلسطيني»، بعد كشفه للمرة الأولى لكن دون تفسير إضافي في هذه الفترة، طريقة انتقال السلطات.
واختار في كلمته التي افتتح بها الجلسة، التركيز على مصطلح «المؤسسة»، لإدارة مقاليد الحكم الفلسطينية، بدلا من «ثقافة الفرد»، والتي عبر عنها صراحة، في إشارة فهمت أن هناك خطة سياسية، تضمن انتقال الحكم في المؤسسة الفلسطينية بشكل سلس، من خلال أطر منظمة التحرير الفلسطينية، التي ركز عباس على ذكرها كثيرا، بعيدا عن مؤسسة «السلطة الفلسطينية»، باعتبار الثانية وليدة الأولى، وإحدى أدواتها.
وفي تحليل لما ورد في كلمة الرئيس أوردته صحيفة "القدس العربي"، فقد اختار في البداية الحديث عن نجاح عقد جلسة المجلس الوطني السابقة، التي انتهت مطلع الشهر الجاري، وجرى خلالها اختيار قيادة جديدة لمنظمة التحرير، والإشارة إلى العمل الجاري لعقد جلسة قريبة للمجلس المركزي، لاستكمال، حسب توصيف الرئيس «كل مؤسسات المنظمة»، باعتبار الأمر «في منتهى الأهمية».
وحول عقد المجلس المركزي الشهر المقبل، والذي سيقوم بإقرار خطط تطبيق قرارات المجلس الوطني، التي لها علاقة بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وقرارات داخلية أخرى، يقول أبو مازن «لن يعود أحد يستطيع اختراقنا، أو يلعب هنا أو هناك»، باعتبار المنظمة ومؤسساتها متكاملة وقادرة على أن تعمل بشكل جاد.
وفتحت تصريحات الرئيس حول «المؤسسة القيادية الفلسطينية» الباب أمام جملة تكهنات، في مقدمتها إصدار المجلس المركزي المقرر عقده بعد انتهاء شهر رمضان، جملة تشريعات، تضمن انتقال حكم قيادة المنظمة ودولة فلسطين، من خلال استحداث منصب «نائب للرئيس»، أو من خلال تشريع جديد يحدد الإطار الرئيس الناظم لهذه العملية.
وقد سبق أن أكد مصدر سياسي مطلع لـ«القدس العربي»، أنه يمكن إقرار تشريع من المجلس المركزي باستحداث منصب «نائب الرئيس»، إذا ما قرر الرئيس ذلك.
وقد عبر عباس بشكل مباشر أيضا عن رغبته بعد أن عاد وذكر مصطلح «المؤسسة» من جديد، بأن لا تبقى «ثقافة الفرد» قائمة في الحكم، وذهابها إلى «ثقافة المؤسسة». وأضاف مادحا مؤسسات المنظمة وفتح في الفترة الحالية بقوله «لاحظنا ان منظمة التحرير وحركة فتح وغيرهما تعمل كماكينة سلسة قوية، وهو ما يطمئن بأن الأمور تسير بخير».
وتابع وهو يشيد بهذه المؤسسات «نحن نعمل كمؤسسة وهي التي تقود وليس الأفراد، وحين دخلت المستشفى 11 يوما بقيت المؤسسة تعمل، ولم تخرب البلد، ولم تتضرر البلد لأننا استطعنا بناء ثقافة المؤسسة وليست ثقافة الفرد (..) بالرغم من كل الأصوات التي حاولت التفرقة».
ويمكن هنا أيضا الفهم من تصريحات الرئيس واختياره الحديث أولا أمام اللجنة المركزية لحركة فتح، أن التوجه المقبل لقيادة المنظمة والسلطة سيكون من بين قيادات الحركة، وهو ما يستثني جملة من الأسماء التي تكرر ذكرها أخيرا من عدة وسائل إعلام في مقدمتها الإسرائيلية.
وقد ألمح الرئيس الفلسطيني في حديثه إلى الإشاعات، خاصة الإسرائيلية، التي رافقته طوال فترة علاجه في المشفى، بقوله «لا ننساق مع الكلام غير المسؤول، ولدينا القدرة على أن نقود 13 دولة»، مضيفا «من العيب أن نقول إن المؤسسة دولة واقفة على شخص، وستبقى البلد عامرة برجالها».
وبالرجوع إلى «الإشاعات الإسرائيلية» حول صحة الرئيس، والتي وصفها أبو مازن في كلمته بـ «الكلام غير المسؤول» واستخدامه أيضا مصطلح «اللعب هنا وهناك»، فقد أخضعت هذه الإشاعات، لما تحمله من مخططات إسرائيلية لها علاقة بتوتير الساحة الفلسطينية، إلى نقاش موسع في اجتماع اللجنة المركزية.
وهنا أكد عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، في تصريحات لإذاعة صوت فلسطين، أن ما وصفها بـ «الحرب النفسية» التي أراد الاحتلال عبرها «بث القلق والفوضى» في الساحة الفلسطينية خلال الأسبوعين الماضيين، والتي توجت بالعدوان على قطاع غزة، كانت البند الأول الذي جرى مناقشته خلال اجتماع المركزية، باعتبارها أدوات إسرائيلية لتوتير الساحة الفلسطينية، حيث لا تزال الخشية لدى حركة فتح من استمرار محاولات إسرائيل التوتيرية قائمة. وتتوقع المستويات القيادية العليا في الحركة، أن تعاود وسائل الإعلام الإسرائيلية طرح «الإشاعات» بصور وأشكال جديدة، خاصة بعد خروج الرئيس عباس من رحلة العلاج، وهو أمر جرى التأكيد على التصدي له فتحاويا من خلال اللجنة المركزية.
واستعدادا لتطبيق قرارات المجلس الوطني الأخير، خاصة تلك التي تتحدث عن العلاقة مع إسرائيل وقطعها ووقف التعامل بالاتفاق الأمني والاقتصادي، توجه أمس، حسب ما أعلن، إلى العاصمة الأردنية عمان، للقاء رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون هناك للتنسيق معه، لوضع اللمسات والتحضيرات النهائية لانعقاد المجلس المركزي الذي تقرر الشهر المقبل.
وقال إن جلسة المجلس المركزي المقبلة تكتسب أهمية خاصة بهدف استكمال تعزيز دور وعمل مؤسسات منظمة التحرير، وكيفية تنفيذ قرارات المجلس الوطني بما يعزز الوضع الفلسطيني.
وفي ملف الوحدة الوطنية، قال الأحمد إن الاتصالات بهذا الشأن «محدودة»، لكنه قال إن «الأبواب لا تزال مشرعة أمام حماس لتنفيذ كل الاتفاقات الموقعة والالتزام بكل بنودها، بدءا من تمكين الحكومة بالكامل في قطاع غزة»، وقد عبر عن أمله بأن تترك حماس التفكير «أحادي الجانب» الذي لا يخدم المصلحة الوطنية.