ليس بعد هذا الوضوح وضوح

عوكل-طلال
حجم الخط

لم يعد ثمة ما يستحق الجدل، أو الخجل، بشأن التطورات التي تنتظر قطاع غزة، بالعلاقة مع كل الأطراف المعنية من إسرائيل حتى مصر، والسلطة الوطنية الفلسطينية. الأمر لا يحتمل المناكفات، ولا المزيد من الاتهامات، والرد عليها، فهذه يمكن أن تستمر طويلاً، بدون أي جدوى طالما أن السياسة الفلسطينية يصنعها الانقسام، الذي يعطي لإسرائيل وحدها القدرة على فرض المزيد من الوقائع لتحقيق أهدافها. على الذين انتقدوا الدكتور أحمد يوسف عندما تحدث عن دردشات أن يبتلعوا ألسنتهم، وأن يعتذروا من الدكتور يوسف، بعد أن اعترف الدكتور صلاح البردويل عضو المجلس التشريعي من كتلة التغيير والإصلاح، بوجود ما يمكن اعتباره مفاوضات غير مباشرة تستهدف تثبيت وقف إطلاق النار مقابل رفع الحصار والسماح بإقامة ميناء ومطار. ليس ذلك وحسب بل إن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ إسماعيل هنية، طمأن أهل غزة، من أن ثمة انفراجة قريبة، وبأن حركته غير معنية بتصعيد الوضع مع إسرائيل وخوض حروب جديدة.  هذه هي السياسة، وأوحالها، تتحرك «حماس» ضمن الخيارات المتاحة، وهي متاحة مع إسرائيل، فيما تتجمد السياسة الفلسطينية بعد إعلان فرنسا سحب مبادرتها، وتأجيل المساعي نحو مجلس الأمن الدولي. 
حتى وقت قصير كانت مصر قد اتخذت خطوة إيجابية باتجاه «حماس» وغزة، نجم عنها فتح المعبر لأيام والسماح بمرور الإسمنت، والسولار القطري للقطاع، لكن هذه الخطوة توقفت بعد عملية اغتيال النائب العام المصري هشام بركات والعمليات الإجرامية التي ارتكبتها الجماعات التكفيرية في جنوب سيناء.
بعض الإعلاميين الجهلة والموتورين وبعض من يدعون الخبرة السياسية والأمنية خرجوا فوراً على الفضائيات لكي يربطوا بشكل واضح واتهامي بين الحدثين الإجراميين في مصر، وبين توقيت فتح معبر رفح، وعادوا ليتهموا حركة حماس. 
على الأرجح أن هؤلاء لم يصلوا مرة واحدة إلى معبر رفح، ولا يعرفون طبيعة الإجراءات التي تتخذها الأجهزة الأمنية المصرية، وتغلق أي احتمال لدخول مواد أو حتى عناصر من خلال المعبر. 
ربما يعرف هؤلاء أن قوائم حظر دخول الأفراد، الموجودة بحوزة الأجهزة الأمنية المصرية، تشمل ليس فقط المشبوهين بالنسبة لها، وإنما أيضاً أناساً عاديين لا شأن لهم بالأمن ولا بالسياسة، ولذلك فإن من يربط بين فتح المعبر والعمليات الإرهابية لا يتهم فقط «حماس» وإنما يتهم أجهزة الأمن المصرية بالتقصير كحد أدنى.
على هؤلاء أن يقتنعوا بأن إسرائيل عدوة مصر وفلسطين وكل الشعوب العربية، هي المتآمر الأول والحقيقي على أمن مصر، وعلى حقوق الفلسطينيين، وانها ستعمل مرة أخرى على إفساد العلاقة بين «حماس» ومصر وبين الفلسطينيين وأي طرف إقليمي أو دولي فاعل، ومناصر للقضية الفلسطينية.
التسهيلات التي تقدمها إسرائيل، وتلك التي ستقدم عليها، بما في ذلك وفي إطار صفقة متبلورة او تفاهمات مع حركة حماس عن طريق أطراف ثالثة، هدفها تقديم البديل عن معبر رفح، ربما خلال وقت قريب من خلال السماح بمرور الأفراد من غزة إلى الخارج عبر الأردن، ولاحقاً من خلال ميناء أو ومطار.
تهتم إسرائيل، بعودة حالة العداء بين مصر وحركة حماس، حتى تظل الحركة عامل مشاغبة وقلق للأمن القومي المصري، وحتى لا تضطر لتقديم تنازلات، تمس بانتمائها وبسياستها المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، لذلك تبادر المصادر السياسية والأمنية والإعلامية الإسرائيلية إلى تقديم تقارير ومعلومات تحريضية تتهم «حماس» بأن لها دورا فاعلا فيما يقع من أعمال إرهابية على الأراضي المصرية.
إسرائيل تعرف أن تحريضها لا يذهب هباءً فثمة بعض أصحاب المصالح أو الجهلاء في السياسة، ينتظرون أي مؤشرات أو ذرائع بدون تفحصها، لدفع العلاقات بين مصر و»حماس» نحو التوتر والعدائية وللعودة إلى مربع شيطنة قطاع غزة بأكمله دون حساب النتائج.
إغلاق معبر رفح، واستمرار حالة التوتر في العلاقة بين مصر و»حماس» التي تسيطر على قطاع غزة، يلحق أضراراً بليغة ليس فقط بالنسبة للجانب الفلسطيني، وإنما أيضاً للجانب المصري، ولا داعي للتفصيل.
عودة إلى ما بدأنا به، أمام حركة حماس تطوران مهمان جداً، الأول ما يتصل بصفقة تبادل أسرى بعد أن اعترفت إسرائيل بوجود عنصرين إسرائيليين وجثتين لدى حركة المقاومة، والثاني ما يجري الحديث عنه من مفاوضات غير مباشرة بشأن الهدنة وما يتبع ذلك، وحتى لا نقع في الخطأ، فإن إسرائيل لا تؤمن بالمواثيق والأوراق المكتوبة، ويكفيها أن تلتزم «حماس» بالهدنة تحت عنوان تثبيت وقف إطلاق النار، حتى تتوصل إلى اتفاق لا يؤدي إلى زوبعة سياسية عارمة.
النوايا الإسرائيلية أكثر من واضحة، بغض النظر عن النوايا الفلسطينية فهي تسعى لتوحيد الضربة القاضية للحقوق الفلسطينية من خلال فرض دولة غزة على المدى الأبعد، لذلك يلزمها تغيير طريقة التعامل مع القطاع ومن فيه، بما يعمق الانقسام وينهي أي آمال بالمصالحة واستعادة الوحدة. لقد حان وقت استثمار سنوات الحصار على غزة، وتشديده على الضفة، لتظل اليد الإسرائيلية هي العليا، وهي التي تملك القدرة على التلاعب بالخيارات طالما أن الخيارات لدى الفلسطينيين متعارضة ومتناقضة.