طبعاً لا علاقة للحب والمطر بما سأكتب. الا أنني أميل باستمرار الى العناوين الطويلة لسببين، أعرف أحدهما بالتأكيد ، وهو انشغالي بعنوان كتاب انجلز : أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ( كان إيقاع هذه المفردات وتتاليها وتواطؤ العلاقة بينها، قد ترك أثراً طيباً لدي وعلاقة حسنة مع العناوين الطويلة )
لكن الحب كما تعلمون يذكر في كثير منه بالمطر، وهي متلازمة على كل حال يمكن إدراجها في خانة المتلازمات المضطربات من حيث النتائج المتطابقة.
أما متعة التظاهر، فقد كنت حتى سنوات الدراسة الجامعية ، اقسم الناس الى نوعين : متظاهرين وغير متظاهرين .
كان المتظاهرون دائما يخطفون القلب والروح ،حين تصدح أصواتهم بأناشيد موزونة ومقفاة على بحري الكامل أو المتقارب، أحس أن الأرض كلها صارت مكاناً أجمل يمكن العيش فيه، ومواصلة التظاهر حتى نهاية العمر. وظننت الحياة مظاهرة طويلة لا تنتهي، وأن العلاقات التي تنشأ بين المتظاهرين، أسمى اشكال العلاقات الانسانية ، وهي خالدة لا تموت.
الا أنني ارتطمت يوماً بمظاهرة معادية للحزب الشيوعي السوفيتي، مظاهرة صغيرة، لكنها قاسية، لا وزن ولا قافية لأناشيدها ، بل تشبه هتافات المتظاهرين فيها، قصائد النثر.
اذن انها مظاهرة ضدي . ولم أجد تعاطفاً او تفهماً لهم . الا انني حملت في ذهني صورة جديدة للمتظاهرين، غيرت لاحقاً من قناعاتي ومن المسلمات التي تربيت عليها.
كسرت المتلازمة الأولى، فلا علاقة عاطفية مع أي تجمع لمجرد اعتباره تظاهرة محتملة . صارت التجمعات تخضع لاسئلة واجابات، قبل تحديد العلاقة معها.
لكني بقيت ، وسابقى كما الاحظ بشدة ، معارضاً أبدياً . رغبة في تعزيز ثقافة الاختلاف : سانتخب دائماً من لا حظ له، ولن اشارك في المسيرات الكبرى، بل في التظاهرات الصغيرة الهامشية، ولن اظهر على التلفزيون الرسمي ، بل في فيديوهات مرتجفة اخذتها كاميرات واعين الاصدقاء، ولن ابدأ الحديث بالبسملة ، فهذا يفعله الرئيس وشيخ الأزهر وملك السعودية.
لكن لا بد ، على ما يبدو ، من التقاط الاشارات الآتية من على حدود متلازمة استكهولم، والتي لاحظت اشاراتها البعيدة، بعد ان هدأت الهتافات وعاد الناس (الطرفان ) الى بيوتهم.
في الحالة الفلسطينية، فإن اسقاطات متلازمة استكهولم، قد تذهب الى ابعد من تعاطف مجموعة من الرجال والنساء في الاربعينيات من عمرهم، تجاه أولاد وبنات في مطلع العشرينيات طاردوا المجموعة الأولى بالعصي والشتائم.
سنحتاج بالتأكيد في الحالة الفلسطينية، الى (جون لانغدون داون ) جديد ، سيكولوجي وسياسي، وباحث مجد في علم نفس الجماعة، غير ميال للمبالغة ولا للتقليل ، كي يصف متلازمة جديدة لمتعة التظاهر من جهة والرغبة الجارحة بالقمع، مع ملعقة صغيرة من غبار التاريخ.
سيظل للتظاهر متعة، طالما فشلت المؤسسة، في الإجابة على السؤال البسيط والسهل، كلمته السر بلا علامة استفهام : الحرية.