لم أستطع أن أمر علي "بسطة" أحمد مرور الكرام فصوته الدافئ وهو ينادي ويحاول بيع النظارات يجبر كل مارٍ عليه أن ينظر لهذه البسطة ويتأمل هذا الطفل الكبير ، كبير بمسؤولياته وتحمله معاناة الحياة على كتفيه .
أحمد الجملة، 5 أعوام يقف بجانب أخاه الكبير الذي يبلغ 14 عاما ً ليبيع النظارات الشمسية على بسطة متواضعة عليه يدخل شيئاً من المساعدة لبيته الفقير أو يسد قوت إخوته وأمه أو حتي يتحمل مسؤولية نفسه من ملابس للعيد وملابس للمدرسة فيخفف عن أهله بعض المصاريف التي لا تنتهي في بيت مفتوح عطش لأدني متطلبات الحياة .
يقف أحمد وأخاه محمود بين المئات من البائعين الرجال والشباب الصغيرة الذين يحاولون جمع قوتهم المنغمس بالشقاء ، فيخوضون صراع يومي علي أرصفة الأسواق ، فتارة يقفون لتسويق بضائعهم بأعلي أصواتهم وتارة يركضون خائفيين من رجال البلدية خوفا ً من مصادرة بضائعهم.
أحمد الذي لم أستطع أن أخذ منه سوي بعض الكلمات والابتسامات البريئة قال "أنا أعمل هنا لأن العيد اقترب أريد أن أشتري ملابس العيد وأن أساعد أبي في مصروفي ومصروف أخوتي"، ينتظر أحمد شهراً واحداً ليدخل صفه الإبتدائي الأول فقد تخرج من روضته هذا العام،
يقول الطفل الكبير والسعادة لا تفارق وجهه " أنا سأدخل المدرسة هذا العام وعملي هنا لكي أدخل المدرسة وأستطيع أن أشتري الزي المدرسي مثل باقي الأطفال بعمري" اللافت للإنتباه أن عدد الأطفال المتجوليين والبائعيين بالشوارع في غزة قد زاد بشكل ملحوظ وأن البطالة قد أخذت وجهاً أخر وأشكالاً متنوعة، فجعلت من عدد لا يستهان به من أطفال الفقراء الانتشار بكافة الشوارع والمفترقات والأسواق حتي أصبح هؤلاء الأطفال مصدر رزق لشريحة لا بأس بها من سكان القطاع بكل ما يحمله من مشكلات اجتماعية واقتصادية وانسانية.
ليس ترفا ً ولا بطرا ً وانما نقص المادة والحاجة هو من يجبر أحمد والكثير من القاصرين والأطفال للجوء للعمل علي أرصفة الشوارع.
حال أحمد يعكس الصورة الحقيقية التي يعيشها سكان قطاع غزة بعد حصار لأكثر من 8 عوام ،وثلاث حروب في أقل من عقد من الزمن حرقت الأخضر واليابس وجعلت من هذه البقعة الجغرافية أكثر المناطق فقراً بالعالم .
يبقي السؤال هنا هل سنرى أحمد في العام القادم علي نفس هذه البسطة ، أم سيأخذ أحمد وغيره من الأطفال مكانهم الحقيقي ويأخذون حقهم الكامل بعيش طفولة كباقي أطفال العالم ؟.