اليأس في غزة

thumbgen (23).jpg
حجم الخط

 

لعلها أسوأ لحظة في تاريخ الصراع، وقد تتجاوز مراراتها سنوات ولحظات صعبة مثل سنوات الهزيمة والقهر في العامين 1948 و1967. وفي أجواء ترتيبات تصفية القضية، تبرز حالة غزة لتقدم صورة مركزة وعميقة توضح الى أين يذهب هذا الصراع، ففي الوقت الذي يمسح فيه العالم تاريخ الصراع ويرضخ الجميع للخطة الأميركية الجديدة، تزداد التوقعات بهجوم بري واسع لجيش الاحتلال الإسرائيلي صوب عمق غزة، ليس لشيء أكثر من الانتقام وكسر المقاومة الرمزية التي أخذت طريقها منذ شهر آذار الماضي بالإطارات المشتعلة وبالطائرات الورقية الحارقة.
من الطبيعي أن تُجرى مراجعات استراتيجية دولية وإقليمية وإسرائيلية مع قرب توقف العمليات القتالية في سورية، وحتما ستفضي هذه المراجعات إلى تغير بعض المفاهيم وتقدير المواقف، لكن من الخطأ الوقوع في حبال الرهان الغامض الذي يضخم في هذا الوقت من حجم التوقعات؛ حيث يتم تصويرها اليوم على شكل تحولات كبيرة سوف يشهدها الصراع ومواقف الأطراف المعنية، بل ثمة احتمالات ولها نصيبها من الواقعية أن نشهد العودة الى بؤر التوتير والتأزيم التقليدية؛ أي جدول أعمال إسرائيلي جديد في غزة وربما في الضفة الغربية، وهو ما قد لا يتوافق للوهلة الأولى مع منطق السياسة ومع هجوم التسوية الأميركي الحالي. 
الأوضاع في غزة لم تكن بخير منذ نحو أكثر من سبعين عاما، ولكن منهج العمل اليومي الإسرائيلي والإقليمي والفلسطيني أيضا جعلها أسوأ مكان للحياة في العالم، ألم يقل معلق إسرائيلي: (لسنا وحدنا الذين نقتلكم)؛ فمعدل دخل الفرد اليومي بغزة يبلغ حوالي دولارين أميركيين فقط، وهو ربما الأدنى على مستوى العالم. ونسبة الفقر وصلت إلى 80 % من إجمالي سكان غزة، ونسبة البطالة تجاوزت 60 %، وتعد غزة أكثر مكان مزدحم ومعتم في العالم؛ حيث يعاني أكثر من مليوني مواطن من انقطاع الكهرباء لمدة 18-20 ساعة يوميا، وغزة أيضا أكثر مكان في العالم يعاني من نقص المياه وتلوثها.
جدول الأعمال اليومي الإسرائيلي في غزة سيزداد حضوره بعد أن اتجهت الجبهة الشمالية نحو الهدوء على الرغم من أن وسائل إعلام إسرائيلية لا تتورع عن استبعاد أن تخوض إسرائيل حربين في الوقت نفسه في جنوب سورية وفي غزة، لكن الأجندة الواقعية تعني أنه بالموازاة مع الهجوم السياسي سيزداد الحضور في تفاصيل حياة الفلسطينيين لجعلها أسوأ مما هي عليه، فلم يشهد التاريخ الحديث عملا ممنهجا لزرع اليأس مثلما يحدث في غزة من السيطرة على المعابر والحصار المالي والاقتصادي إلى التحكم بأساسيات الحياة في الوقود والماء والكهرباء، هناك قدرة مضافة بات يملكها البرنامج اليومي الإسرائيلي تبدو في بعض اللحظات أكثر خطورة من كل ما سبق والمتمثلة في التأثير الحيوي في أحشاء الشارع الفلسطيني، في الوقت الذي باتت تفتقد فيه حركة حماس قدراتها التقليدية وتحديدا القدرة المادية التي كانت تشتبك مع تفاصيل حياة الفلسطينيين عبر شبكة من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية الى جانب تراجع حضور عشرات المنظمات والمؤسسات الإنسانية والإغاثية.
التحالف الاستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط الذي يعني أن عربا وإسرائيل باتوا في عربة واحدة سيمضي -كما يقولون- سواء رضي الفلسطينيون وركبوا العربة أم بقوا على قارعة الطريق، الأحداث المقبلة في غزة قد تكون مفاجأة المسار السياسي الشائك والغامض وتربك كل ما يرتب حاليا، وقد تكون دراما عسكرية مؤلمة تدفع الجميع لركوب العربة المتهورة.

عن الغد الأردنية