ربما تكون الفرصة الأخيرة ..؟

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

في وقت متأخر، وفي ظروف غير تلك التي تزامنت مع الجولة الأخيرة للبحث عن المصالحة، تعود هذه القضية للظهور على سطح الأخبار من جديد. لقاء الرئيس محمود عباس مع رئيس الحكومة السابق الدكتور سلام فياض، يؤخذ على أنه مؤشر على وجهة جدية، نحو تغيير وزاري، يتم من خلاله استبدال حكومة الوفاق بحكومة وحدة وطنية.
وبغض النظر عن مدى احتمالية ذلك، إلاّ أن الناس صحافيين كانوا أم محللين سياسيين أم مراقبين، يميلون عادةً، للأخذ بالبعد الإيجابي، ويتمسكون بأي شعاع أمل.
على أن المؤشر الأهم الذي يساهم في رفع مستوى التوقعات، بشأن المصالحة، هو الدعوة التي توجهها مصر لحركتي حماس وفتح، من أجل إعادة تنشيط الحوار لتحقيق المصالحة.
إن كانت هذه بعض المؤشرات الإخبارية، فإن التحليل المنطقي سيضيف، بأن العودة في هذا الوقت، لبحث ملف المصالحة، قد أصبح أكثر من ضرورة وطنية. لم يعد لدى الفلسطينيين المزيد من الوقت لاستنزافه في مناكفات، وحسابات غير وطنية، في الوقت الذي تتحرك فيه الولايات المتحدة بسرعة وبجدية، لفرض «صفقة القرن» في الحلقة التي تتصل بغزة، يدرك الفلسطينيون كل الفلسطينيين على اختلافهم وخلافاتهم، أن ثمة العديد من المبادرات الجادة التي تتصل بتغيير الأوضاع المأساوية في قطاع غزة، ولعلّ السفير القطري العمادي أشار في تصريح له مؤخراً، إلى واحد من هذه الخيارات.
على أن الخيارات مصدرها جهتان في الأساس، فإما الحلف الأميركي الإسرائيلي، الذي يسعى نحو حلول لغزة شكلها إنساني، وأبعادها سياسية بامتياز، وبما يضعف قدرة الفلسطينيين على مجابهة «صفقة القرن»، وإبقاء غزة بعيدة ومنفصلة عن الضفة، وإما أن يكون الحل فلسطينياً، وذلك لا يمكن أن يتم إلاّ من خلال إنجاح المصالحة.
إذا صدقنا أن الموقف العربي عموماً ملتزم بقرارات قمة الظهران وأن العرب ملتزمون برؤية الدولتين على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، فإن القاهرة تعزز مصداقية هذا الالتزام، من خلال حرصها على إتمام المصالحة، وتوفير فرصة جديدة لإنجاحها.
الأوضاع التي يعاني منها قطاع غزة، تشكل عاملا ضاغطاً على الطرفين فتح وحماس، وبغض النظر عن التصريحات الحمساوية التي تنفي وجود اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل من أجل التوصل إلى صفقة تؤدي إلى رفع الحصار أو تخفيفه، فإن حماس لا تستطيع أن تتجاهل مسؤوليتها عن تفاقم أزمات السكان في قطاع غزة. لدى حماس خيارات ولديها أوراق مهمة في حال توفرت ظروف للمساومة مع الطرف الإسرائيلي، وهي، أيضاً، تعرف أن الناس في غزة، لن يمانعوا أو يقاوموا، أي مشروع أو حل يوفر لهم الكهرباء، والعمل والأدوية والمستلزمات الطبية، ويفتح أمامهم المعابر للحركة.
وتعلم حماس، أيضاً، قيمة ومدى أهمية موقف الشرعية الفلسطينية في تسهيل أية مبادرات تتوخّى معالجة الأزمات في قطاع غزة، ولكن الكل يعرف، أيضاً، أنه لا يمكن تجاهل مدى قوة الدور الأميركي الإسرائيلي، في فرض الوقائع، بما في ذلك إمكانية تجاوز أو إضعاف دور الشرعية الفلسطينية حيال تنفيذ مخططاتها.
الطرفان الفلسطينيان فتح وحماس، يملك كل منهما أوراقاً قوية ارتباطاً بالحلول المطروحة لغزة، أو مجريات تحقيق المصالحة، ومن الواضح أن كل طرف يتمسك بأوراقه، للتأثير في طبيعة جوهر وآليات المصالحة، فلا حماس ستفرّط بأوراقها بما في ذلك إمكانية التوصل إلى تفاهمات مع إسرائيل والوسطاء موجودون، ولا السلطة مستعدة للتفريط، بأوراقها وأولها ملف الإجراءات المتخذة بحق القطاع.
مؤسف جداً، إذا حاول كل طرف، أن يضع شروطاً على الطرف الآخر، لتحريك وإنجاح ملف المصالحة، ومؤسف، أيضاً، أن ترتفع نبرة الاتهامات والاتهامات المقابلة، والمساهمة في تسميم الأجواء. نحتاج إلى هدنة إعلامية، وبأن يتوقف الطرفان عن إطلاق التصريحات السلبية، أو حتى التصريحات المعسولة، التي يمكن أن تتسبب في رفع مستوى التوقعات لدى الناس، ما سيؤدي إلى تعميق خيبات الأمل والاحباط مرة أخرى.
بعد تجربة الحوارات والمداولات الفاشلة السابقة، نأمل من القاهرة أن تنتبه لنقطتين: الأولى، أن الحوار ينبغي أن يكون وطنياً، شاملاً لمختلف القوى بما يضع الفصائل الأخرى أمام مسؤولياتها للإعلان عن الطرف المسؤول عن التعطيل، فضلاً عن أن الانقسام لم يعد فقط بين فتح وحماس، فالساحة كلها مشرذمة، وتحتاج إلى مساهمات الكل.
أما النقطة الثانية، فتتصل بأن تكون طبيعة الحل، شاملة، لا تقف عند حدود ما تم تداوله تحت عنوان تمكين الحكومة، ومعادلة إما أن تتحمل المسؤولية بالكامل، وإما أن تسلمها بالكامل. إن الحل الشامل هو الذي يوفر المصداقية، ويعالج أزمة الثقة والتخوفات القائمة، من أن طرفاً يسعى لإقصاء الطرف الآخر، ويجعله رهينة حساباته ومزاجاته. ويترتب على الفلسطينيين أن يدركوا أن الخيار الفلسطيني عَبر المصالحة، هو افضل الخيارات، بمقاييس الضرورات الوطنية، حتى لو كانت التكلفة على هذا الطرف أو ذاك، أكثر من اللجوء إلى خيارات أخرى.