من هو العربي التالي على الجدول الإبادي ؟

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 

من لا ينظر من الزعماء العرب الى ما يحدث في غزة على انه إبادة وتطهير عرقي ، فعليه ان يغير نفسه او على الأقل مستشاريه ، لأن الابادة ستطوله غدا ، حتى لو غير اسمه ورسمه ودينه ولغته ، سيظل "العربي الجيد هو العربي الميت" وليس العربي الخانع او الساكت او حتى المطبع والمنسق .
لا تقتصر الإبادة و التطهير على عدد القتلى والجرحى ، وإن كانت عنصرا من العناصر ، بل على نوعية هؤلاء القتلى والجرحى ، فحين يكون أكثر من النصف مدنيون لا علاقة لهم بالقتال والمقتتلين ، فهذه إشارة ثانية لعناصر الابادة ، وحين تكون نسبة وازنة من هؤلاء أطفال ، فهذه إشارة دامغة بالابادة ، ذلك ان الأطفال ليس لهم علاقة بالقتال والمقتتلين ، فقط ، بل ليس لهم علاقة بأي شيء على الاطلاق ، بما في ذلك السياسة والدين والاقتصاد ، لهم علاقة فقط بالحليب يسدون به جوعهم و بألعابهم حين تنتزع من بين أيديهم .
تتعدى الإبادة الى تدمير كل شيء وتسويته بالأرض ، وما تسمية مناطق آمنة من غير آمنة ، الا دليلا دامغا على الإبادة . اما ما يمكن ان يكمل دائرة الإبادة فهو الحصار الذي طال الكهرباء والغذاء والدواء والماء على مدار أربعين يوما ـ فمن لم يمت بالصواريخ والدبابات وتحت الردم يموت بالجوع او العطش او المرض حتى لو كان مرضا شائعا كالسكري والضغط والكلى والربو .
خلال الأسابيع الأولى ، كانت سيارات الإسعاف ما تزال تستطيع الوصول الى حيث مكان القصف ، كانت ما زال فيها بعض الوقود ، ثم أصبحت لا تصل لوعورة الطرق المقصوفة ، كان ما يزال بإمكان المسعفين ورجال الطوارئ ان يمدوا يدهم لإنقاذ بعض الاحياء ممن هم تحت الأنقاض، اصبح ذلك متعثرا لانعدام الإمكانيات ، ثم اصبح متعذرا في الليل البهيم حيث لا نور ولا كهرباء ، ثم اصبح بدون جدوى لطالما ان المستشفيات غصت بالمرضى والنازحين بدون الدواء او أي تدخل جراحي ، ثم اصبح مستحيلا وقد احتلت الدبابات مداخل المستشفى وأروقته واستباحت حتى غرف الطوارئ والعمليات والعناية الفائقة .
انها الإبادة يا سيدي الزعيم العربي ، إبادة شعب غزة من الوجود ، واذا كنت تراهن على حشر ما يتبقى منه في النصف الجنوبي بعد ان يتم سلخ نصفه الشمالي، فأنت مخطيء، لقد استغرق إسرائيل أسبوعا واحدا فقط لدفع اكثر من مليون انسان لنزوح جماعي من الشمال القاتل الى الجنوب "الآمن" ، لكن كم سيستغرق دفعهم الى معبر رفح واطراف سيناء ؟. وما تعجز عنه آلة القصف الاسرائيلية والمناشير التي تلقيها على الناس والتجويع والتعطيش والتطبيب ، تقوم به القنبلة الذرية التي نادى بها وزير التراث . انها ليست لغزة الصغيرة ولا لبقايا شعبها ، انها لك ولبلادك الواسعة ولشعبك الذي لطالما عاملته كقطيع ، عندما يخرج من لدنه "طوفان أقصى" آخر قد يطلق عليه طوفان غزة او جباليا او بيت حانون او حتى طوفان الشفاء .