في ذكرى رحيل الكنفاني 1936-1972 " رحل غسان وبقيت الفكرة"

1.PNG
حجم الخط

في ذكرى رحيل الكنفاني 1936-1972 " رحل غسان وبقيت الفكرة"

 

اغتراب عن الوطن أم الوطن مغترب يا غسان؟

 

د. زياد غانم بني شمسه

 

أستاذ الأدب والنقد جامعة بيت لحم

 

عضو جمعية النقاد الفلسطينيين

 

هو الاغتراب يا غسان كوى جسدك المحترق من أجل الوطن،وعذب روحك المتعطشة لذراته،تفتحت عيناك لترى الخيام طفلا في الثانية عشر من ربيع عمرك المسلوب، وفي مرحلة الوعي صرخت في وجه شعبك المشردين البائسين حسرة عليهم ومرارة" كانَ عليكُمْ ألّا تخرجوا مِنْ حيفا، وإن لَمْ يكن ذلكَ مُمكِناً كان عليكم بأي ثَمنْ ألا تتركوا طفلاً رضيعاً في السّرير، وإذا كان هذا مستحيلاً أيضاً كان عليكم ألّا تكفّوا عن محاولةِ العَودة..أتقولونَ أن ذلك كانَ مُستحيلاً أيضاً؟ لقد مضت عشرون سنة يا سيدي، عشرون سنة ماذا فعلت خلالها كي تستردّ ابنك المفقود؟ لو كنت مكانكَ لَحَمَلتُ السّلاح مِنْ أجل هذا! أيوجد سبب أكثر قوّة ؟ لا تقل لي أنَّكم أمضيتُم عِشرين سنة تبكون! الدُّموعُ لا تَستَرِدُ المَفقودين ولا الضائعين وَلا تَجتَرِح المُعجزات..!"رواية عائد إلى حيفا".

 

هو الوطن مغترب يا غسان!! لم تعد " أم سعد" تغرس فيه عرق دالية ناشف ليورق في نهاية المطاف دم ثوار طلبوا الحرية وماتوا من أجلها، هو الوطن مغترب يا غسان!! حين يعترف الوطنيون ألا جدوى من الوطنية أمام المكاسب والمناصب وتوزيع الحصص الإرثية، هي صورة أبي الخيزران عندما انسلخ من وطنيته وأبناء جلدته وتنكر لها" ماذا تنفعك الوطنية وأنت الآن أعجز أن تنام إلى جانب امرأة؟؟ لا أريد سوى مزيد من المال مزيد من المناصب"رواية رجال في الشمس.

 

 

هو الوطن مغترب يا غسان!! لأن أهله لم يحسوا بدبيب العارَ يزحفُ داخل عِظامهم.. أما أنت بدت لك الحياة كلّها وضيعة، وأضيق من أن تتسع للإنسان وجوعه معاً..!“ أتحسب أننا لا نعيش اليوم في حبوس؟؟ المخيم حَبْس، مُدننا " المحررة" حَبْس، الكلمة الوطنية الصادقة اليوم حبس،الإعلام حبس،الجريدة حبس،غزة حبس،القدس حبس،ألم أقل لك أن الوطن مغترب يا غسان!!

 

نعم اغتراب عن الوطن لكنك لست مغتربا يا غسان!! ذقت مرارة الاغتراب طفلا مشردا، وجسما عليلا،وشابا مكافحا في الشتات،لكن كنت في طفولتك ترجع بقدميك إلى الوراء، وفي مرضك لا تحب أن تذهب إلى الفراش" في زمن الحرب..يشتد عليّ المرض،وأشعر دائمًا بالعياء والتعب،ولكنّي لا أذهب إلى الفراش!!هناك شعور خفيّ بأن الذين يقعدون الآن لن يقوموا أبدا" قصة الصغير يذهب إلى المخيم".

 

كان إيمانك أن كل فلسطيني يحمل عاره أينما ذهب،وشعارك خيمة عن خيمة تفرق،وعلقت في عنق أم سعد رصاصة بدلا من كل تلك الشعوذات التي علقتها في صدرها سنين طوال، ولم تجلب لها إلا مزيدا من الضياع والشتات والتشرد،لقد أمنت "أن كل دموع الأرض لا تستطيع أن تعيد زورقا صغيرا يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود"، أما نحن حرقنا كل الخرائط وتناسينا الحدود ،وبدأنا نرسم حدود جديدة للوطن أصغر من حذاء طفل.

 

هو الوطن مغترب يا غسان!!طوبى لجسدك الذي تناثر مُدنا، للفكرة التي أنبت سبع سنابل ولم يحن موعد الحصاد،لإيمانك بثورة " مريم" على مغتصبيها زكريا النتن "رواية ما تبقى لكم"،لقد سقطت أجساد أبطالك على مفترق الموت، فما أعظم جريمة الأمة التي لا يموت فيها غير شرفائها وأعفائها ولكن "ليس المهم أني يموت الإنسان، قبل أن يحقق فكرته النبيلة؛ بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت".