موسم الحج إلى موسكو

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

ليس المقصود بالحج هنا، الحج "المونديالي الكروي".
المقصود،هو العدد اللافت الذي زار موسكو من الفلسطينيين ومن دول الاقليم ايضا في الفترة القصيرة الماضية.
من القوى الفلسطينية، زار موسكو وفود من الجبهة الديموقراطية ومن الجبهة الشعبية ومن حركة حماس ثم اختتمت بزيارة الرئيس محمود عباس.
ومن دول الاقليم كانت زيارة " علي ولايتي" المستشار السياسي لمرشد الثورة الايراني، وقد تزامنت مع زيارة نتنياهو.
تقاطع  الموضوع الفلسطيني مع الحدث السوري، وتقاطع التحركات والمسارات بينهما امر عادي ومتوقع، فبين الاثنين ترابط موضوعي عميق ، ولأن دولة الاحتلال هي العنصر الاساس في الموضوع الاول، وهي عنصر اساسي في الحدث الثاني. 
 الوفود الفلسطينية تركز اهتمامها على دعوة روسيا تفعيل دورها على الساحة الدولية وفي الاقليم تجاه القضية الوطنية الفلسطينية، وفي مواجهة استفراد اميركا و"صفقة قرن" رئيسها.
دعوة الوفود الفلسطينية هذه تأتي على قاعدة اجماع وطني يتوحد على رفض صفقة القرن ورفض التعاطي معها، والدعوة الى مجابهتها.وتأتي في اجواء يتعالي فيها الحديث الفلسطيني عن ضرورة الانتهاء من الانقسام والذهاب الى المصالحة الوطنية.
كما تاتي قبيل او اثناء اعلان مصرعزمها استئناف مساعيها لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
زيارة الرئيس ابو مازن لموسكو بالذات، جاءت بعد قيام مصر بخطواتها التنفيذية الاولى على طريق تحقيق المصالحة الفلسطينية . والرئيس، كما نقل عنه، ابلغ الروس ان مصر هي الدولة الموكلة والمقبولة لتولي امر المصالحة الفلسطينية.
وهو ما يؤشر الى طلب تعاون روسيا مع مصر في هذا الامر، وما يعني ايضا، تأييده  للمساعي المصرية وتجاوبه مع منطلقاتها. يؤكد نفس المعنى، قول القيادي الفتحاوي عزام الاحمد " ان حركة فتح ابلغت الجانب المصري انها وضعت تصرفاتها وقرارتها بتصرف القيادة المصرية". 
هل نحن امام فرصة حقيقية لتجاوز الانقسام؟
هل يحق لنا ان نركب موجة تفاؤل عالية كما فعلنا مع الجولة الاخيرة واتفاقاتها، لنكتشف بعد وقت قصير انها موجة راجعة اعادتنا الى مواقع اكثرعمقا وظلاما.
 كل العوامل الوطنية والنضالية والسياسية والمجتمعية والتحالفية الصادقة، وحقائق الامر الواقع كلها تصب في خانة التفائل.
لا يقف ضد التفاؤل الا المصالح التنظيمية، وربما الذاتية ايضا، وشهوة الحكم وانانية التفرد والسيطرة.  
يصب في خانة التفاؤل عوامل استجدت بعد الجولة الاخيرة :
-  وحدة الموقف الوطني الفلسطيني الجامع على رفض " صفقة قرن" الرئيس الاميركي ومجابهتها. خصوصا وان ما تحملة من اخطار ماحقة، تطال اساسيات وثوابت قضيتنا الوطنية واهداف نضالنا،لا يترك خيارا الا التوحد في مواحهتها
اضافة ايضا الى عدم التجاوب العربي مع " الصفقة" واثمانها
-  وحدة الموقف الجماهيري النضالي المبدع والمبادر كما يتجلى في مسيرات العودة وفك الحصار و في الحراك الجماهيري، وفي حركة المقاطعة.وكلها تبشر باستعادة الجماهير وقواها المجتمعية لدورها الطبيعي والريادي في النضال الوطني.
-  ان مبادرة كوشنر- غرينبلات وجوهرها غزة اولا، وانعاش غزة انسانيا دون ارتباط بالحل السياسي، وبتجاهل وتجاوز مقصودين للسلطة الوطنية وموجه لمحاصرتها، قد دفنت.
-  لقد تبين بوضوح، وهم ولا صدق ولا واقعية ولا امكانية تحقق كل الهمهمات والمشاريع من اكثر من مصدر، ومن فوق الطاولة او من تحتها، حول هدنة طويلة الامد مع العدو وما رافقها من وعود ومغريات.
خصوصا وانها ايضا، جائت محصورة بغزة، وعن خارج طريق القيادة السياسبة .
تبين ذلك،  بسبب موقف دولة الاحتلال الرافض في حقيقته لها.
كما تبين بسبب الثمن الباهظ المطلوب دفعه وطنيا مقابلها، وهو ما لم يقبل به ولا يقدرعليه اي طرف فاسطيني، فيما لو وجد.
-  وتأكد ان لا مشروع يمكن ان يمر اذا لم يات بالتوافق مع القيادة السياسية وعن طريقها.
-  ان الخطة/ المبادرة المصرية المطروحة حالية لانهاء الانقسام تتم بالانسجام مع جهود الامم المتحدة  وبالتوافق مع السلطة الوطنية، ان لجهة انعاش الاوضاع الانسانية في غزة وان لجهة نزع فتيل العدوان الاحتلالي.
مفتاح المصالحة الوطنية، بعد الاتفاق على برنامج واقعي وتفصيلي ومتزامن، هو حكومة تحكم فعلا في غزة كما بالضفة في جميع المجالات وفي كل الامور، وليست طربوشا على رأس الحاكم الفعلي، ولا يتم تشكيلها بمنطق المساومة والتقاسم.
حتى تكون الحكومة حكومة وفاق وطني حقيقية ومعبرة عن شراكة الكل الوطني في منظمة التحرير والسلطة الوطنية وكل مؤسساتهما واجهزتهما، لا بد ان تأتي بعد انتخابات عامة نزيهة وديموقراطية.
الضرورة الوطنية تفرض الآن التوافق على حكومة وحدة  وطنية بين كل الاطراف، ولكن يجب ان  يكون في صلب اتفاق تشكيلها انها مؤقتة، لانجاز مهمات ضاغطة، بالذات على المستوىين الوطني والاجتماعي،  وايضا للتحضير لانتخابات عامة باسرع وقت.
لقد جربنا اجتماعات كأجتماعات " مجمع الكرادلة" وظهر الدخان الابيض في كل مرة على شكل اتفاقات تتلو بعضها بعضا. ولكن الدخان كان دائما يتبخر بسرعة قياسية والاتفاقات تذهب للنوم السبات في الاراشيف.
لماذا لا نعود بالامور الى حاضنتها الطبيعية،الجماهير صاحبة الحق الاصيل؟ ولماذا لا ننزل عند اختيارها وحكمها في انتخابات ديموقرطية وحرة؟ وليأخذ كل طرف حقه ووزنه الحقيقي.
من يخشى الانتخابات ويعيقها هو من لا يؤمن بها في حقيقة فكره وعقيدته، او من يخشى حكم الجماهير وانكشاف حجمه الحقيقي.
وهولذلك، يبقى منحازا لبدعة " التوافق" فهي اكثر "سترة" واضمن للحفاظ على الموقع، وربما الامتيازات.