الكاتب: د. حسن عبد الله
أما وقد اجريت انتخابات الأمانة العامة للاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين في الضفة والقطاع بشكلٍ موحد ومتزامن، بانتظار أن تستكمل العملية الديموقراطية في ساحات الشتات، فإن مهماتٍ ملحة تنتصب أمام الاتحاد الآن، تتطلب تضافر الجهود وتكامل الطاقات واستنفار الخبرات بالتنسيق والتناغم مع عمقنا العربي من خلال الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب.
وكانت الامانة العامة في جلستها الأولى وبحضور أعضائها في الضفة والقطاع وعبر)الفيديوكونفرنس) انتخبت الكاتب نافذ الرفاعي أميناً عاماً، وهومثقف عضوي، سلخ من عمره أجمل سنواته في الاعتقال، وكتب خلف القضبان بقلم ألمهِ وحلمهِ، بعد أن بدأ مشواره النضالي في حركة فتح، في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بمعنى أن اختياره لهذه المهمة لم يكن بمعزل سياقٍ طويلٍ متصل بين السياسة والثقافة.
واللافت في التجربة، أن الأمانة العامة جمعت كفاءاتٍ جديدة في تجربة الاتحاد، إلى جانب كفاءاتٍ مخضرمة، قد اتيح لها العمل النقابي في الاتحاد في محطاتٍ سابقةٍ وبينهم عبد الله تايه وشهاب محمد وحسن عبدالله وماجد أبوغوش.
والحقيقة أن اجراء الانتخابات احتاج إلى وقتٍ طويل من التجضير والأخذ والرد لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها، لكن للأمانة والتاريخ ينبغي الإشارة إلى الدور المسؤول للدكتور سمير التميمي الذي واصل الليل بالنهار عملاً وتنسيقاً، في سبيل التمهيد والتهيئة لإجراء انتخابات ديموقراطية، وهذا ليس غريباً على شخصية ثقافية ووطنية كبيرة تجلى دورها أكثرما تجلى في الانتفاضة الأولى في العام 1987.
بالطبع سوف لا نبدأ من الصفر، وإنما من خلاصة ما تحقق سابقاً ثقافياً ونقابياً وإبداعياً في الاتحاد، أقول ذلك على خلفية عقدة البدء من الصفر في المؤسسات والجمعيات والاتحادات والوزارات، فكل قادم جديد، يحاول أن يشطب ما تركه الآخرون، على اعتبار أنه خاطئ، وأن المسؤول الجديد فقط هوالذي يأتي بالمطلق. نحن في الاتحاد لا نبدأ من الصفر، بل نبني على ما أسسهُ محمود درويش ومعين بسيسو وصابر محي الدين ويحيى يخلف وأبوشاور وأسعد الأسعد والمتوكل طه وعزت الغزاوي ومراد السوداني وغيرهم، وبالتالي لا ننطلق من فراغ أونتحرك ونقفز في فراغ، فالأرضية التي نقف عليها صلبة، وسياقنا الثقافي والسياسي التاريخي يتيح لنا أن نضيف إضافات نوعية لا كمية لمجمل التجرية، من خلال تفعيل وتعميق بعدنا القومي العربي أولاً عن طريق اتحاد الكتّاب والأدباء العرب، وثانياً بالتنسيق مع كل الاتحادات العربية بشكل ثنائي في الساحات كافة.
كما يتطلب ذلك تنشيط عملية النشر باعتماد أسس مهنية، واعطاء الأولوية للنصوص الجدية، واستثمار ما ينتجه كتابنا الكبار، بالتزامن مع تحفيز الادباء الشبان، بنشر نتاجاتهم والتعريف بهم وتحفيزهم ليشقوا طريقهم ويواصلوا عملية الكتابة والابداع، ومن المفيد هنا إطلاق مسابقة ثقافية سنوية باسم الاتحاد وتخصيص الجوائز المالية والمعنوية لها.
وفي إطار عملية التفعيل، من الضروري والملح تشجيع الأصوات الأدبية النسوية، لمزيدٍ من العطاء والإنتاج، لا على خلفية أدب نسائي وأدب رجالي، وإنما انطلاقاً من الأبعاد الوطنية والقومية والانسانية للأدب.
وفي محور مهم آخر، فقد خرّجت تجربة الأسر كوكبة من الأدباء والباحثين والأكاديميين والمترجمين، فيما بادرت بعض المؤسسات إلى اعطاء اهتمام معين لما انتج خلف القضبان، إلا أن حجم ما صدر ونشر بقي متواضعاً، مقارنةً بحجم ونوع ما انتج .
ومعلوم أن اتحاد الكتّاب، لعب دوراً مهماً على هذا الصعيد في الانتفاضة الأولى، حيث تم نشر عدد من الدواوين الشعرية والمجموعات القصصية والمعالجات النقدية، لكن عملية النشر توقفت في مرحلةٍ لاحقة، كذلك المطلوب وضع خطة عمل من أجل تعميم هذه التجربة الثقافية والإبداعية الرائدة، من خلال النشر وعقد الندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية، للتعريف بتجربةٍ وطنيةٍ إنسانيةٍ هي الأرقى والأعمق والأشمل على المستوى الأممي، ويمكن للاتحاد أن ينجز هذه المهمة بالتنسيق مع مؤسساتٍ عاملة وفاعلة في ميدان الأسرى، كهيئة شؤون الأسرى والمحررين ومركز أبوجهاد لشؤون الحركة الأسيرة ونادي الأسير.
أما مجلة "الكلمة" التي كان المبادر لإصدارها الراحل – الروائي عزت الغزاوي، فقد حان الوقت لكي ترى النور مجدداً، حتى يتم التعبير عن ثقافتنا وإبداعنا في مجلةٍ رصينةٍ محكمة، تستقطب الأقلام المحلية والعربية، وتحدث حراكاً ثقافياً وإبداعياً بالأفكار والرؤى بل وبتباين الرؤى، فنحن الكتاب وإن كنا نقف على أساسٍ وطني مشترك، فإن الرؤى تتباين بين كاتب وآخر، وبالضرورة أن تكون كذلك، نظراً لطبيعة التجارب الذاتية والمستوى الثقافي وخصوصية كل حالة ثقافية.
وبخصوص مهمة التوثيق لتجاربنا، أشير إلى عمليةٍ توثيقيةٍ تأريخيةٍ تلفزيونية قامت بها فضائية "معاً"، من خلال برنامج "عاشق من فلسطين" الذي تشرفت بإعدادهِ وتقديميه واستضاف البرنامج خمسين تجربة ثقافية وإبداعية فلسطينية من الضفة والقطاع والشتات، وجرت الحوارات في عديد القضايا والمواقف والمحطات وبعد ذلك صدرت التجارب المذكورة في كتابين متصلين، لتحقق التجربة البعد التأريخي التلفزيوني والمكتوب، حيث ارى من المناسب الاستمرار في هذه العملية وإعادة إنتاج خمسين حلقة أخرى في الوطن والشتات، لنبدأ في تأسيس أرشيف توثيقي لكتابنا وأدبائنا، واقترح استكمال هذا المشروع بإنتاج مشترك بين فضائية "معاً" واتحاد الكتاب.
وفي السياق ذاته، وفي إطار تعميم وتوسيع التعريف بتجاربنا، يجب اختراق الحصار ووالوصول إلى ساحاتٍ أخرى وثقافاتٍ مختلفة، فقد بدأ الراحل الغزاوي مشروع ترجمة إلى اللغة الإنجليزية، لنصوصٍ شعرية وقصصية تم إصدارها في كتب، وأقترح أن يتم البناء على هذا وواختيار نصوص جديدة للترجمة بعد تدقيقها وترشيحها من قبل لجنة متخصصة .
إنها فرصة جديدة مواتية لإعادة حضور الاتحاد على المستويات كافة، والاستفادة من خبرات كتاب كبار غابوا عن الاتحاد في السنوات الأخيرة، مع فتح الباب واسعاً على مصراعيه للكتاب الشبان اللذين ماانفكوا يبحثون عن منبرٍ، في حين أن المنبر يجب أن يكون دائماً وأبداً هواتحاد الكتاب والأدباء الذي بالضرورة أن يتكامل دوره مع دور وزارة الثقافة في النشر والندوات والمعارض، ما دمنا نتحدث عن خدمة ثقافتنا الوطنية، فلا معنى هنا للعمل المشتت المبعثر، وعلينا استثمار وجود وزير أكاديمي ومبدع يتوقد حماسةً وهوعضوفي اتحاد الكتاب، وأقصد بالطبع الدكتور إيهاب بسيسو، والطريق إلى التنسيق والعمل المشترك سالك تماماً فلنقرع الجرس فوراً لا سيما وان هناك عضواً في الأمانة العامة للاتحاد، يعمل أيضاً في موقع حيويٍ في الوزارة وأعني بالتحديد عضوالامانة العامة الشاعر عبد السلام العطاري.
وأخيراً كان بمقدوري كعضوأمانة عامة تقديم ما ورد في هذا المقال، كمقترحات للزملاء مباشرة، لكنني آثرت النشر والتعميم، من هم خارج الأمانة العامة للإغناء والتعميق، فنحن لا نتحدث عن أسرار خاصة وإنما نناقش شأناً عاماً من مسؤولية الكتاب والأدباء بلا استثناء.