عامٌ مضى على معركة العصف المأكول، وما زالت الأيام تكشف عن خبايا المعارك الشرسة والعمليات النوعية التي خاضتها وحدة النخبة القسامية مع العدو على أعتاب غزة، وما زالت صور المجد المشرقة تتوالى، ليكتب التاريخ صفحات العزة والرجولة بمدادِ من ذهب.
في بيت حانون والشجاعية وخانيونس ورفح والمغازي وجحر الديك سطرت نخبة القسام أروع ملاحم البطولة والفداء، التي كبدت العدو خسائر فادحه، وما زالت آثارها حتى يومنا هذا، فأسرت وقتلت وأصابت العشرات من الجنود، ومرغت أنفهم في التراب.
ومن جديد تثبت كتائب القسام صدق روايتها، وتفضح كذب العدو ومحاولته المستميتة لتغطية خسائره الفادحة، فبعد مقاطع الفيديو والصور التي نشرت لعميات ناحل عوز وزيكيم وأبو مطيبق، تظهر صور جديدة لعملية نوعية نفذتها وحدة النخبة في جحر الديك.
وفي الذكرى الأولى للمعركة، تكشف كتائب القسام لأول مرة خفايا كمين محكم نفذته احدى مجموعات النخبة التابعة لها، بمنطقة "جحر الديك" وسط القطاع، وتنشر صوراً حصل عليها موقع القسام تعود لنتائج هذا الكمين القسامي، وتظهر دبابة "ميركافاه" وقعت في الكمين، وقد دمرت بشكل شبه كامل.
موقع القسام يسرد التفاصيل الكاملة من نقطة الاستعداد والتجهيز مروراً بالرصد وصولاً الى تدمير "الميركافاه" وتطاير اجزائها ومن ثم الانسحاب من المكان، على لسان القائد الميداني في وحدة النخبة "أبو محمد"، و المجاهدين "أبو عبد الله" و "أبو أحمد" الذين قاموا بتنفيذ المهمة.
إعداد الخطة
أعدت وحدة النخبة في كتائب القسام بمنطقة جحر الديك خطة محكمة لضرب العدو في مقتل، ونظراً لطبيعة المنطقة المنعزلة والقريبة من العدو، اعتمدت الوحدة على استخدام اسلوب "الكمائن".
وبعد دراسة المنطقة و مسرح العمليات، اُتخِذ القرار بعمل كمين " مثلث مغلق"، مكون من 3 نقاط تتمتع كل نقطة بوجود عتاد متنوع (دروع/أفراد)، الهدف منه تدمير الآليات والافراد في حال الدخول من أي اتجاه، وبعد وضع الخطة أُعطيت الأوامر ببدء عمل "وصلات صغيرة"، تكون حصناً للمجاهدين خلال المعركة، من القصف المدفعي والرؤية الليلة والحرارية من طائرات العدو .
بدأت الحرب الصهيونية على قطاع غزة، وصدرت الأوامر من القيادة العسكرية، بشحن الكمائن واستنفار المجاهدين، وأعطى القائد الميداني "أبو محمد" التوجيهات والتعليمات الهامة لهم، ورغم القصف والتحليق المكثف لطائرات العدو استطاع المجاهدون الوصول الى الكمائن بطرق آمنة .
ومع شدة القصف من مدفعية وطائرات العدو، تعرض الكمين للقصف، فيما لم يصب كمين النقطة الشمالية والتي تبعد مئات الأمتار قبالة الخط الزائل، فاستطاع مجاهدان من وحدة النخبة القسامية، التنقل بين الوصلة المعدة مسبقاً والدشمة التي انشأت خلال المعركة للمساعدة في المناورة، والتحصن فيها فترة القصف الجوي، الى أن قرر العدو الغوص في وحل غزة.
13 يوماً
مكث المجاهدان "أبو أنس" و "أبو حمزة" من وحدة النخبة 13 يوماً في نقطة الكمين، منتظرين وقوع العدو في المقتلة المعدة مسبقاً، وطيلة فترة القصف الجوي الصهيوني، تنقل المجاهدان في النقطة بين "الوصلة والدشمة"، التي أعدت لكمائن الآليات والأفراد.
تمكن المجاهدان من عمل "الدشمة" الجديدة مع دخول الحرب الأيام الأولى، وتحصينها بشكل جيد من قذائف المدفعية لقربها بشكل كبير من العدو، فهي لا تبعد سوى 800متر من الخط الزائل، شرق منطقة جحر الديك وسط قطاع غزة، واستمر التواصل المباشر مع الشهيد القائد/ معاذ أبو زايد والقائد الميداني "أبو محمد"، باستخدام وسائل اتصال خاصة، في إعطاء الأوامر ومتابعة الخطط، وقضى المجاهدين 13 يوماً من رمضان، في الدعاء والاستغفار وختمات القرآن، واقتصر سحورهم وإفطارهم على شربة من ماء.
وطيلة هذه الفترة برزت كرامات من الله عز وجل في حفظ المجاهدين وتثبيتهم كان منها، مكوث المجاهدين في نقطة الكمين بأمان، رغم استخدام العدو لسياسة الأرض المحروقة، التي طالت الأراضي الزراعية ودمرت جميع المنازل المحيطة بالكمين، كما استطاع المجاهدان استخدام طرق في الاخفاء التمويه لرصد العدو دون كشفهم.
في المقتلة
وفي اليوم الأخير من القصف الجوي، وتحديداً في اليوم الـ 20 من الحرب الساعة 11 ليلاً، بدء العدو بالتقدم نحو منطقة جحر الديك، ورصد المجاهدان تقدم قوة عسكرية مؤللة مكونة من جرافتين وعدد من دبابات "الميركافاه"، بعد ورود معلومات إليهم من القائد الميداني بوجود حشودات عسكرية على بوابة النسر تستعد للتقدم، وعاد العدو الكرّة واستخدم سياسة الأرض المحروقة، بمعنى تدمير كل ما هو أمامه، في محاولة لتأمين تقدمه نحو المنطقة، حتى وصلت الآليات الى مسافة قريبة جداً من نقطة الكمين لا تتجاوز 5 أمتار.
وفي تمام الساعة 6:30 صباحاً 21/7، استقرّت دبابة "الميركافاه"، فوق عبوة برميلية تزن 60 كجم، رغم تخطيها للعبوة ثم عودتها الى الوراء مرة أخرى، ومن تقديرات المجاهدين أن "الميركافاه" هي لقيادة عمليات العدو، وكان أحد الضباط الصهاينة قد اعتلى ظهر الدبابة، ووقع نظره على المجاهدين بشكل مباشر إلا أنه لم يراهم !
اتخذ المجاهدان القرار بتفعيل العبوة المخصصة للآليات، وتحييد عبوات الأفراد نظراً لتواجد الجنود داخل الآليات، وخوفهم من النزول الى ارض المعركة.
صراخٌ واستغاثة
واستطاع القسام توجيه ضربة قوية للعدو بعد دخوله مئات الأمتار، فتمكن المجاهدان من تفجير العبوة البرميلية أسفل الدبابة، فوقع انفجار ضخم، وتطايرت حطام الدبابة في كل مكان، هنا .. ومن هول المنظر وقوة الإنفجار، توقفت الآليات عن الحركة وخفت إطلاق النار، بينما تعالى أصوات صراخ الجنود ونداءات الاستغاثة في المكان، ووقف العدو عاجزاً لأكثر من نصف ساعة عن إسعاف قتلاه وجرحاه.
وبعد وقوع العدو في المقتلة وتدمير "الميركافاه" قرر المجاهدان الانسحاب من المكان رغم محاصرة العدو لهم من 3 جهات، واستطاعا الوصول الى مكان آمن رغم كثافة النيران وتعرضهم للقصف من طائرات الاف 16 بأربعة صواريخ، الا أن عناية الله تدخلت في حفظهم حتى عادا بسلام، بكامل عتادهما العسكري .
وبعد انتهاء المعركة توجه المجاهدون الى مكان التفجير، ليشاهدوا بقايا أشلاء الميركافاه محترقة ومتناثرة في المكان، واستدلوا على أن سبب ذلك هو وقوع انفجار وحريق ضخم في الآلية المستهدفة، وحاول العدو أن يخفي آثار الدمار الذي لحق بأقوى آلياته تحصيناً، وتظهر الصور الخاصة بالقسام آثار الدمار والأشلاء والدماء في المكان.
وبهذا تكون كتائب القسام قد أفصحت عن خفايا احدى الآليات الصهيونية التي سحقت على أعتاب غزة، بأيدي مجاهديها، وستحمل الأيام القادمة الكثير، بينما سيقف العدو خائفاً وجلاً من الإقتراب وتخطي الخط الزائل .