أي مراقب لوسائط التواصل الاجتماعي بعد الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي يمكنه أن يلحظ ببساطة وصلات "السخرية المرة" عند المواطن العربي الذي أصيب بحالة "فصام" تتراوح به ما بين الخوف من سياسات إيران "الطائفية"، بعد وقبل اتفاقها النووي، وما بين اعترافه بأن المؤسسة الإيرانية بصرف النظر عن كل ما تفعله بالشعوب العربية وتثيره من هواجس حققت "إنجازا" للشعب الإيراني دفعه للرقص في الشوارع.
تبدو السخرية هنا في مكانها الصحيح تماما، وإحدى ألطف النكات التي تبادلها الناس بالعيد تلك التي تقول ما يلي: "بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نجحت إيران في استقطاب العلماء الروس، فيما استقطبنا الروسيات".
الروسية التي استوردت لخدمات الترفيه في ملاهي وفنادق العقبة وشرم الشيخ ودبي قد تكون ابنة أو كريمة عالم ذرة أو جنرال متخصص بالنووي عمل لدى الإيراينين، ما يجعلنا نحن وإيران على الأقل في مسألة استثمار الكفاءات الروسية نشكل "عائلة واحدة".
مرارة السخرية هنا هادفة بصورة صادمة والمنطق الذي تفترضه هذه النكتة السياسية لا يمكن معارضته بكل الأحوال، فالنظام العربي الرسمي استسلم لفكرة أن الغرب لن يسمح بنقل التكنولوجيا الدفاعية وحتى الهجومية للعالم العربي من أجل إسرائيل.
بدت تلك الفكرة مريحة وتدفع للاسترخاء، وتشكل بديلا عن العمل الجاد والمضني للإنجاز والتقدم العلمي، خصوصا أن الأنظمة العربية فاشلة بامتياز؛ فهي لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تزرع، ولا مكان فيها لحقوق الإنسان ولثقافة المواطنة، وحتى في حالات الاعتداء عليها تستعين بالآخرين للقتال بدلا من أولادها.
حتى سجادة الصلاة التي تباع بمكة مصنوعة في الصين.. كذلك الشماغ الأردني الشهير الذي نزاود به بالوطنية على جميع من حولنا، إضافة لعجلة السيارة في مصر، والسجائر في المغرب والجزائر، مع الأحذية.. كل ما نستهلكه مستورد من الخارج.
المضحك المبكي ما تفعله تنظيمات قطع الرؤوس في العراق وسوريا، وهي تعتمد في تمرير "دولة الإسلام" على تقنية اتصالات أمريكية مصنعة في إسرائيل، وعلى ذخائر ألمانية أو بريطانية، وعلى صواريخ مصنعة في كوريا والصين.. يقال حتى الرايات التي ترفعها جماعات جهادية وتمثلها، وتحمل عبارة "لا اله إلا الله"، مصنعة من مورد تركي متخصص يستخدم مواد خام صينية.
العربي الشامي أو الخليجي والمغاربي لا يصنع شيئا إلا في قطاع الطعام والشراب و"جلدة الغاز"، وحتى لا أعمم، فهمت من صديق بأن مصر فيها مصنع "مسامير"، وبأن صناعة الأحذية منتعشة في مدن الضفة الغربية، وبأن في بلدي الأردن يتم تركيب بعض المعدات العسكرية، وفي السعودية تصنع معلبات البندورة والعصائر وبعض أنواع المعكرونة.
لا يوجد عند المواطن العربي حافز للقتال والجهاد والصبر بسبب الإخفاق الكبير الذي يحيط به ويدفعه للإحباط والاكتئاب، وبسبب الإخفاق الذي يحيط بحياته، ولاحقا بسبب ثنائية الفساد والاستبداد، فقد اكتشفنا بعد الربيع العربي بأن حكومات وأنظمة العرب، التي تزاود على الجميع في الوطنية والانتماء والولاء، لم تكن في الواقع تفعل شيئا على الصعيد العلمي والتكنولوجي، وبدا أن النظام الرسمي من الضعف المستوطن بحيث يستكين لفكرة أن إسرائيل تمنع التكنولوجيا المتعلقة بالمسائل الدفاعية، علما بأن هذه التكنولوجيا قد يمنع عنا الصنف الأمريكي منها، فيما كان الروسي والصيني متاحا للغاية.
لدى العراق -أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا في الماضي- مقترحات حول مشروع إنجاز علمي، لكن أول من سمح الاحتلال الأمريكي بقتلهم ومطاردتهم هم العلماء العراقيون، فيما كنا نصفق بسذاجة لإسقاط العراق، وإعادته للوراء 40 سنة على الأقل، وإشغاله بالحروب وبأموال العرب، قبل أن تخطئ القيادة العراقية وتشارك بهذه الجريمة بكل الأحوال التي أعقبتها سلسلة جرائم أعنف وأشد قسوة بحق الشعوب العربية.
كل ذلك حصل، ويحصل، ونحن نتوقع من الشعوب والدول الأخرى أن تتصرف بخمول واستكانة وضعف فقط، فيما المليارات العربية التي أهدرت هنا وهناك، وسرقها لصوص الأنظمة، كفيلة بتجميع تكنولوجيا نووية عربية يمكن تسويقها للخارج أيضا حتى تهابنا الأمم وتحترمنا الشعوب.
شخصيا، لا أثق إطلاقا بإيران ونظامها ووكلائها ومقاوليها في المنطقة، فسياسات هؤلاء طائفية بامتياز، ومتخصصة في دعم الأنظمة المتوحشة، مثل النظام السوري، ولا أثق بنوايا إيران الدولة تجاهي كوني عربيا، ولا يوجد بجعبتي ما يقلل هواجسي ومخاوفي من ألّا تستخدم المقدرات الإيرانية بعد الاتفاق النووي ضد العربي والسني وعلى أساس طائفي.
لكن رغم ذلك، حققت المؤسسة الإيرانية لشعبها ولموقفها ومشروعها إنجازا كبيرا… فعلتها إيران وها هي قادمة بقوة للمستقبل حتى تزيد من تحكمها في حياتنا.. بدلا من احتفالات اللطم، السؤال ينبغي أن يكون: أين مشروعنا؟ وماذا نحن فاعلون؟