بقلم: الون بن دافيد*
ليست «حماس»، ولا «حزب الله»، وليس «داعش» ايضا هم الذين أقلقوا الجيش الاسرائيلي، هذا الاسبوع. ففي مقرات القيادة والمواقع العسكرية كان موضوع الحديث الاساسي هو تقرير لجنة لوكر، الذي يفزع الجيش. تسريبات التقرير الذي سينشر اليوم (أمس)، وبالذات التوصية باقتطاع من معاشات التقاعد لأصحاب الخدمة العسكرية في الجيش، تضطر الكثير من القادة الى عقد اللقاءات مع الجنود الدائمين في محاولة للتهدئة.
«هذا لن يكون»، قال القادة. قيادة الجيش الاسرائيلي، بمساعدة وزير الدفاع، تنوي الخروج الى حرب ضروس لن يتم فيها التراجع. «لا يعقل أن يتم تمييز من يخدم في الجيش عن السجان في مصلحة السجون، أو المُركز في «الشباك» أو رجل الاطفاء»، قال أحد الضباط الكبار، واضاف: «تقرير لوكر رصاصة بين العينين لكل الجيش الاسرائيلي».
حقيقة أن الجنرال المتقاعد يوحنان لوكر، الذي خدم مدة 36 سنة في الجيش الاسرائيلي، وهو من لحم الجهاز الامني، تزيد من الشعور بالخيانة التي ساهم فيها سلوك لوكر غير المفهوم: لماذا امتنع عن اللقاء مع رئيس الاركان منذ تعيينه؟ لماذا لم يقم كما هو معروف بايصال مسودة التقرير الى وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان قبل تقديمها؟
بعد أن فهم بوغي يعلون وغادي آيزنكوت أن لوكر لن يراهما أبدا أجبرا رئيس الحكومة على تأجيل نشر التقرير مدة اسبوعين كي يتمكنا من قراءته وتحضير الرد. وهما سيفعلان أي شيء من اجل دفن هذا التقرير الذي يشمل الكثير من التوصيات الغريبة، مثل تقصير مدة الخدمة الالزامية الى سنتين، وتقليص ثلث قوات الجيش الاسرائيلي.
تقرير لوكر مثل التقرير السري للجنة بروديت الذي سبقه، سيجد طريقه الى القمامة. هذه اللجان تخدم هدفا واحدا هو: اعفاء متخذي القرارات من الحاجة الى التقرير في الجدل اللانهائي بين وزارتي الدفاع والمالية. منذ سنوات لا يتجرأ قادة الدولة على تحديد الانجاز الذي يريدونه من الجيش الاسرائيلي، وما هي المخاطر التي يجب أن يتأهب لها، وإن كان نموذج الخدمة الحالي يخدم هذه الاهداف.
الجيش الاسرائيلي يريد التغيير، والمؤسف في تقرير لوكر أنه يوجد للجيش الآن قائد يمكن أن يكون شريكا في هذا التغيير، وليس هناك سبب لمقاطعته. آيزنكوت يفهم ضرورة ملاءمة الجيش مع الواقع المتغير، وفي الخطة متعددة السنوات التي قدمها للقيادة العليا هناك الكثير من الخطوات في الاتجاه الصحيح. يمكن بل يجب فعل أكثر من ذلك، لكن آيزنكوت هو قائد اركان لا يخشى التغيير العميق واعادة النظر في مواقف شاملة.
آيزنكوت يشجع على تشكيك الضباط الذين تحت إمرته ويدفعهم الى الاستئناف على امور متفق عليها من خلال تفكير أساسي وواضح. وهناك في الجيش من قال، هذا الاسبوع، إن الجيش فكر كثيرا في موضوع حل الكتيبة الدرزية أكثر من التفكير الذي قامت به لجنة لوكر في تعريف الانجاز المطلوب من الجيش الاسرائيلي في المواجهات المستقبلية.
يبدو أن لوكر انجر وراء الموضة التي يترأسها اشخاص في الاعلام الاقتصادي، والتي تعتبر أن مشكلة اسرائيل الاقتصادية هي الذين يخدمون في الجيش. هذا موقف جديد فيه الكثير من السحر، وقد صيغ في مقاهي جادة روتشيلد، حيث يمكن اغماض الاعين وتصور أننا في اوروبا، إذ ينشأ هناك توقع صبياني بأن يبقى الجيش الاسرائيلي أحد أقوى الجيوش وأكثرها اخلاقية في العالم، وأن يعرف المواجهة بنجاح مع كل ما يحيط بنا حتى لو دُفع للجنود راتب حارس في مجمع تجاري.
أنظر الى محيطنا، والى المنظمات والتيارات البربرية، وأريد من الناس الجيدين أن يكونوا وسيطا بين المحيط المجنون وبين بناتي. وهؤلاء الناس لن يكونوا اذا قمنا بتحويلهم الى كيس للكمات. في الازمة الاقتصادية الصعبة في الثمانينيات، حيث عانى الجيش من التقليص العميق وكثير من الجنود الالزاميين غادروه، أذكر ما قاله نائب وزير الدفاع في حينه، موتي غور: «نتيجة هذه الازمة سنجدها في هيئة الاركان العام 2000»، وقد صدق في ذلك.
إن تحديد الأولويات القومية شيء مهم، لكن بدل أن يتدهور الجيش الى مكان الجهاز التعليمي السيئ، يجب أن نسحبهما الى الأعلى – الى الامتياز. وبدلا من اعتبار الجيش هو المشكلة يجب استثمار المليارات التي تذهب لمؤسسات التعليم ولا تعود بالفائدة الجيدة على المجتمع العصري، أو الاستثمارات اللانهائية في الاستيطان، في الاماكن التي لن نبقى فيها.
الجيش الاسرائيلي هو الجسم الاخير والوحيد في اوساط الجمهور الاسرائيلي الذي يقوم بتنفيذ ما تطلبه منه الدولة. فهو ليس كاملا، ويستطيع أن يكون أكثر نجاعة، لكننا ما زلنا بحاجة الى أن يملأ الاشخاص الجيدون صفوفه. قال شخص من اليونان اسمه توكيديداس قبل الميلاد بـ 2500 سنة: «الأمة التي تفصل بين مثقفيها ومقاتليها ستجد أن تفكيرها يُدار من خائفين، وأن الحرب ستُدار من أغبياء». وهذا صحيح حتى اليوم.
عن «معاريف»
* محلل عسكري في القناة العاشرة.