تشكل البيئة المدرسية مفتاح نجاح تجربة التعلم بالنسبة للطلاب وعاملا مهما في العملية التعليمية، فحين تقوم المدرسة بدورها الحقيقي في المجتمع، فإنها تقوم بتشكيل شخصية الفرد وتعليمه، وبالتالي فإن ذلك ينعكس جليا على المجتمعات ويصبح التعليم عنواناً بارزاً لها.
إن العلاقة بين البيئة المدرسية والتعليم علاقة وثيقة وتبادلية، فالبيئة الجيدة للطلبة لها تأثير كبير على تحصيلهم وقابليتهم للتعلم، لكن الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة وتداعياتها أثرت على مجمل نواحي الحياة في فلسطين وخاصة في قطاع غزة، بما فيها قطاع التعليم الذي يعاني ويلات الحصار.
خلال زيارتنا لبعض المدارس في محافظات قطاع غزة والتعرف على أهم المشاكل التي تواجه البيئة المدرسية قالت مديرة مدرسة حيفا الأساسية للبنات "أ.ناريمان الأغا" : إن المشكلة الأساسية تكمن في عدم توفر الإمكانيات المادية اللازمة لعدد الطلبة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلد، إضافة إلى الكثافة الصفية في الفصل مما يؤدي لعدم عرض المعلومة بشكل كامل .
وفيما يتعلق بالآثار المترتبة عن اكتظاظ الفصول الدراسية من حيث الجوانب التربوية والتعليمية أجابت قائلة: "إن هذه الظاهرة تؤثر على نفسية الطالب لعدم وجود وقت لعرض جميع آراء الطلبة، وصعوبة متابعة أعمالهم، وذلك يؤدي إلى التأخر في إنجاز المنهج التعليمي .
وعند سؤالنا للأستاذة الأغا عن مدى رضاها كمديرة للمدرسة عن واقع البيئة المدرسية الحالي أجابت: " إن مدرسة حيفا امن أفضل المدارس وهي مركزية وتسعى وزارة التربية والتعليم لتوفير الإمكانيات اللازمة لها، لكن في ظل الوضع الصعب الذي يمر به قطاع غزة، نرى أن الإمكانيات قليلة جدا ومحدودة، بالرغم من ذلك نحاول تنفيذ التجارب والأنشطة على أكمل وجه وتوزيع الحصص بشكل مناسب ليستفيد العدد الاكبر من الطلاب.
وبما يخص اقتراح حلول لهذه المشاكل التي تواجه البيئة التعليمية، أكدت الأغا أن إلغاء نظام الفترتين واللجوء لفترة واحدة فقط تعمل على الحفاظ على الأثاث وغيره، إضافةً إلى توفير المستلزمات المدرسية بشكل كامل من قرطاسية ومواد تنظيف وأجهزة وبدل سبورة الذكية, مضيفة : " إن التخطيط الجيد منذ بداية الفصل الدراسي للفعاليات وغيره يساهم في تحقيق الأهداف التي تسعى أي مدرسة لتحقيقه، وكذلك عمل حملات توعية للمعلمات والطلبة".
وفي ظل المتغيرات الكبيرة والسريعة في العالم وخاصة التقدم التكنولوجي والعلمي وأهمية البحث العلمي في التطوير والبناء، يحتاج الشعب الفلسطيني لمعرفة مدى ملاحقته للتطور والتقدم العالمي، ومدى إمكاناته المادية المتاحة.
فالدول المتطورة والمتحضرة تنفق على التعليم المدرسي والجامعي من موازنتها العامة أعلى المبالغ ليصل إلى أكثر من مليار دولار، وكثير من الدول تقدم التعليم المجاني لمواطنيها، ويكون التعليم من أولى أولوياتها لوعيها بأهميته في بناء قوتها وحضارتها، فتوفر محفزات كبيرة لأجل تشجيع الطلبة وترغيبهم بالإقبال على التعليم بتوفير كل ما يناسب البيئة المدرسية الصحية والمثالية.
رئيس قسم الإدارات المدرسية بمديرية خانيونس الأستاذ محمد العسولي أوضح أن الوضع السياسي القائم بما فيه من الانقسام السياسي وأزمة الرواتب التي تعصف بالموظفين في قطاع غزة السبب الرئيس في المشاكل التي تواجه جودة التعليم في قطاع غزة، إضافةً إلى حالة الفقر الموجودة في القطاع، وعدم مقدرة أولياء الأمور على الإيفاء بحاجات أبنائهم.
أما عن سياسية الرسوب أو ما يسمى بالترفيع الآلي , أشار العسولي إلى أن فلسفة النظام التعليمي ككل يتبع هذه السياسية , ولها إيجابيات وسلبيات. وبما يخص الايجابيات، تم سردهم كالتالي:
يوفر مقاعد للدراسة لطالب جدد، لو تم استخدام نظام الترسيب بشكل كبير سوف تكون نسبة الرسوب كبيرة جدا.
فصل الطالب الراسب بعد سنتين حسب القانون في التعليم هذا يؤدي إلى إهمال عدد كبير من الطلبة، وبالتالي يصبح الطالب عنصر غير فاعل في المجتمع، فنترك له مجال للثانوية ومن ثم يشق طريقه بذاته.
في حين أن السلبيات تكمن وفق رأيه في تراجع مستوى الطالب في التحصيل الدراسي, حيث يقول:" في كل الأحوال, الترفيع الآلي يعدل من شخصية الطالب، فتكون المدرسة مأوى له " وبرأي الأستاذ العسولي أن أسباب الترفيع الآلي تعود إلى عدم توفر أعداد كافية من المعلمين، وعدم توفر أماكن للطالب الجدد في حال كان هناك رسوب في أعداد كبيرة.
وبما يخص الأمور التي تتم من أجل تحسين جودة التعليم، أكد العسولي أن الذي هو أساس كل المنظومة هو المعلم الفلسطيني الذي لابد أن نهتم به وأن يتم إكرامه، موضحاً أنه لابد من تدريب المعلم أثناء المهنة كي يبقى على تواصل بكل ما هو جديد للمبحث . وأضاف قائلا: "في اختباراتنا وتقييمنا على أرض الواقع وطرق تدريسنا, لابد من التركيز على التفكير الإبداعي وأن تكون المناهج مواكبة لكل متطلبات العصر،. بدأنا بالمعلم ومن ثم الطالب ومن ثم المناهج وباقي الأمور تأتي تباعا".
وفي مقابلة مع بعض المعلمين تبين أن حجم المعلومات والموضوعات تفوق الفترة الزمنية وعدد الحصص المسموح لتدريسها وإيصالها للطلبة، وبعض منها يجد صعوبة في شرحه وتوضيحه إما بسبب عدم خبرة المعلم بها وتدريبه عليها، أو لعدم معرفته بها أو اطلاعه عليه سابقا حيث وصف بعض المعلمين مقررات المرحلة الأساسية أنها تناسب المرحلة الثانوية أو الجامعية، أما أهالي الطلبة فمعظمهم يشكون من صعوبة المواد وكثرتها.
بعض المناهج يوجد نسبة عالية من الطلبة يجدون صعوبة في تعلمها مثل مادة اللغة الإنجليزية ومادة الرياضيات أو بعض المواد العلمية الأخرى، حيث لا يوجد زيادة اهتمام على كيفية علاج هذه المشكلة عند الطلبة، ومعرفة أسباب انتشار الخوف ( فوبيا ) من اللغة الإنجليزية ومادة الرياضيات وبعض المواد العلمية، وفي معظم الأحيان تكون الأسباب تلقي المعلومات الخاطئة أو ملاحظة سلوك سابق عن صعوبة هذه المادة والخوف منها، فيعمم السلوك بين الطلبة.
إن التعليم حق إنساني من واجب الحكومة الفلسطينية أن تضعه في أولى موازناتها السنوية وأن تخصص له أعلى الموازنات، وأن يعاد للتعليم دوره ومكانته العالية، وتحسين نظرة المجتمع للمعلم ورفع قدره ومقامه واحترامه من الجميع، ويجعل التعليم رغبة ذاتية يندفع إليها جميع الطلبة بسبب محفزات ومرغبات داخلية وخارجية للإقبال عليه وعدم الهروب منه أو التثاقل عنه، وأن يقدم مجاناً كحق من الحقوق الإنسانية التي نصت عليها القوانين الدولية وقانون التعليم الفلسطيني، والاهتمام بالمبدعين وتوفير الأجواء والإمكانات اللازمة لتطورهم وضمان مستقبل زاهر لهم، والتكفل برعايتهم بكافة الجوانب الحياتية ليتفرغوا لخدمة مجتمعهم.
ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ
مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية