السلم المجتمعي في خطر

38_16_14_2_9_20123
حجم الخط

حوادث القتل التي شهدتها فلسطين في الأسابيع الماضية، والتي وقعت لأسباب ربما تبدو أكثر من تافهة في كثير من الأحيان، ستترك جراحاً من الصعب أن تندمل في فترة قصيرة.. علاوة على آثارها  المجتمعية الخطيرة جداً...
جرائم القتل هي حلقة في مسلسل فلتان بدأ يضرب في أكثر من اتجاه.. ومن بينها جرائم السرقة - التي تضاعفت وفق ما ينشر في وسائل الإعلام وخاصة في شهر رمضان - والفلتان المروري خاصة في المناطق المصنفة «ج» وأبرزها ما يحدث عند مفترق قلنديا... بحيث تجد أكثر الناس خرقاً للقانون هم سائقو المركبات العمومية، الذين من المفترض أنهم تلقوا دورات مكثفة، وأنهم معرضون للعقوبات بشكل أشد.
قبل عدة أيام وقعت جريمة قتل في مدينة بيت لحم، والسبب الذي أدى إلى قتل طبيب، ربما هو سبب من السخافة التحدث عنه، ولكن النتيجة ماذا كانت؟ حرق مجمعات تجارية وسكنية بالجملة، لأن لذوي القاتل علاقة بهذه المجمعات سواء بمحل تجاري أو مسكن... والنتيجة أيضاً جريمة أخرى ذهبت ضحيتها مواطنة من بيت ساحور، إضافة إلى عدة إصابات...
تطورت الإشكالية ليس بين عائلة القتيل والقاتل لتمتد إلى نوع من التهييج الطائفي... والاعتصامات متواصلة في منطقة بيت لحم بسبب محاولة البعض تجاهل وقوع الجريمة، قد يكون الفاعل الفردي فيها مجهولاً ولكن هناك مسؤولية جماعية...
بعدها بعدة أيام قتل ثلاثة أشخاص في قرية بِدِّو وأصيب عدد كبير... ويوم أمس قتل شاب قرب بلدة الرام وأصيب أربعة أشخاص... وقبل ذلك في قرية كور بمحافظة طولكرم... والعديد من الحوادث المماثلة في قطاع غزة.
إذن هي حرائق اجتماعية تندلع هنا وهناك دون سابق إنذار، تُخلف ثكلى وثارات قبلية، وسلماً مجتمعياً أصبح مهدداً من الداخل، في الوقت الذي نصارع فيها عدواً شرساً من الخارج...
السؤال: لماذا هذا الفلتان؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية؟ ومن المستفيد من تصاعده بهذه الوتيرة؟
ربما السبب الأول هو نجاح البعض في جعل العائلة تتفوق على القضاء والقانون... وهذا برز بشكل واضح مع الفلتان الذي اجتاح فلسطين في الانتفاضة الثانية، حيث لاحظنا ارتداداً إلى حضن العائلة والعشيرة بدلاً من سلطة القضاء والقانون أو حتى التنظيمات... وهذا عكس ما حدث في الانتفاضة الأولى التي كادت تقضي على مفهوم العائلية، عبر الانتصار للوطن أو التنظيمات الوطنية المقاومة.
المشكلة الأخرى هي في اعتقاد البعض أن سلطة القضاء ضعيفة... أو أن القضاء غير نزيه... وهذا أمر خطير... .
نحن لا نشك مطلقاً في سلطة القضاء ونزاهته، ولكن تراكمت عند البعض مفاهيم خاطئة، ربما لمسلكيات بعض المتنفذين الذين أساؤوا بتصرفاتهم إلى سلطة القضاء والقانون... وبالتالي أصبح مفهوم الثقة كصورة نمطية يحاول البعض تصنيفها بعدم المصداقية أو المحاباة... .
وهنا وحتى نحافظ على السلم المجتمعي الذي يبدو كأن انهياراً حل به خلال الأسابيع الماضية، أو ما قد يحدث خلال الأسابيع المقبلة، لا بد من التأكيد على ضرورة الاحتكام إلى قوة القضاء والقانون لأنها الوحيدة التي تساوي بين المواطنين ولا تفرق بينهم... أما العشائرية والقبلية فإنها تخضع لميزان القوة العددية أو الفوضى وامتلاك السلاح غير الشرعي.
وحتى نعيد ثقة الناس للقضاء، يجب على السلطة القضائية نفسها أن تتحرك وتنقل المعلومات للجمهور... وتؤكد أنها قادرة على تحقيق مفهوم العدالة، وهذا ما حصل في كثير من جرائم القتل.
ولكن أيضاً هناك دور مهم مناط بالسلطة التنفيذية وخاصة الحكومة من خلال تفعيل قدرة الأجهزة الأمنية على احتواء الجرائم... وبسرعة، فلا يمكن القبول بأن تأتي الأجهزة الأمنية لتقول يمكننا فرض القانون بعد أن احترق المجمع التجاري والمنازل السكنية في بيت لحم... فهي بذلك تكون كالذي استنجد بالدفاع المدني لإطفاء حريق في منزله، فوصلت الإطفائية بعد احتراق المنزل.
يا حكومة، نحن في وضع صعب، الجمهور يتململ وينتقد كثيراً وكرة الثلج تكبر شيئاً فشيئاً... فهل سيكون هناك حراك سلطوي حقيقي من أجل لجم موجة الفلتان التي تضرب في الاتجاهات كافة... وكأننا نترك مصائرنا للقدر.