المصالحة الوطنية هي خيار شعبنا وليس هدنة مشوهة لن تلبى الحد الأدنى

تنزيل (16).jpg
حجم الخط

 

 تحركات دولية واقليمية ومحلية جميعها تناقش الوضع الفلسطيني وارتفاع وتيرة المواجهة بين الشعب الفلسطيني من جهة ودولة الاحتلال الاسرائيلي من جهة اخرى وكيفية إيجاد منفذ لتفريغ الضغط الناجم عن استمرار الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس وحصار قطاع غزة

شهدت العواصم المختلفة سلسلة من اللقاءات بين الأطراف الدولية والإقليمية وخاصة طاقم الرئيس الامريكي دونالد ترامب المكون من كوشنير وجرينبلات اضافة لمستشار الأمن القومي الامريكي جون بولتون وايضاً الامين العام للامم المتحدة ومبعوثه لعملية السلام في الشرق الاوسط ميلادينوف وتحركات اخرى روسية وأوروبية وجميعها تقريبا تركت السبب الأساسى لارتفاع حدة العنف وهو استمرار الاحتلال الاسرائيلي والسياسات الفاشية لدولة الاحتلال والتى آخرها إقرار قانون القومية اليهودية العنصري والذى يضاف الى مجمل التشريعات والسياسات والاجراءات العنصرية التى اعتمدتها المؤسسات الاسرائيلية في السنوات الأخيرة وركز الجميع على المسألة الإغاثية وحل القضايا الانسانية لقطاع غزة المحاصر منذ اكثر من عقد من الزمن فى محاولة من هذه الأطراف لتحقيق عدة أهداف

اولا : اخراج قطاع غزة من مسار اي حل سياسي كامل بين الفلسطينيين والاسرائيلي بحيث يكون لغزة حل خاص بها قد يختلف عن الحل في الضفة الغربية وبالتاكيد يختلف عن حل فى القدس وهذا يعنى اعادة تقسيم الشعب الفلسطيني الى تجمعات سكانية غير معرفة الهوية وبلا حقوق قومية او وطنية

ثانيا : إيجاد ادارة في غزة لتنفيذ الحلول الانسانية وبالتالي خلق حكومة جديدة منفصلة او متنازعة مع الحكومة الفلسطينية وهذا يعني تقسيم الهيكل الاداري والمالي والانفصال المؤسسي بين شقي الوطن مما يؤدى بشكل او بآخر الى فك للارتباط بين منظومة الحكم في شقي الوطن

ثالثا : الترويج لنموذج للحل يقوم على تحسين شروط الحياة مع بقاء الاحتلال حتى لو بالحد الأدنى وبالتالي كسر قاعدة ان استمرار للاحتلال هو المعيق لأية تحسينات في حياة الشعب الفلسطيني وبالتالي الإبقاء على السيطرة الاسرائيلية المطلقة على مفاصل الحياة الفلسطينية بحجة ان الاحتلال ليس معيقا للتنمية بل أعادتنا الى مشاريع السلام الاقتصادي التى تقول ان التنمية ممكنة بوجود الاحتلال وانها ربما طريق للسلام

رابعا : ضرب التمثيل الفلسطيني الموحد للشعب الفلسطيني وتقليل مكانة منظمة التحرير الفلسطينية وخلق تمثيل موازي يبدا في غزة ويمتد الى الشتات مما يسمح للاحتلال وحلفائه برفض التعامل معها والتحريض على النشاط الديبلوماسي للمنظمة خاصة في الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولى ووقف اي نشاط فلسطيني يهدف الى تدعيم الدولة الفلسطينية أمميا ودوليا ويمنع المنظمة من التوجه للعالم مطالبة باعتراف اكبر من المجتمع الدولي

خامسا : دفع غزة باتجاه الجنوب لتلقى بأعبائها الثقيلة على مصر لإكمال النقص في البضائع والمستلزمات التى تمنعها اسرائيل مما يخلق واقعا جديد تزداد فيه الاتكالية على مصر وتقليص مسئولية اسرائيل بصفتها دولة الاحتلال وربما اكثر من ذلك حيث لم تتوقف الاطماع الاسرائيلية عن طرح تصورات لتوسيع غزة في سيناء وضم مساحات من الاراضي المصرية لغزة واستبدالها بأراضي حدودية في النقب وفي احسن الاحوال ان يكون الميناء او المطار داخل الاراضي المصرية وخلق بيئة جغرافية جديدة تكسر مطالب الفلسطينييين بان حدود الدولة الفلسطينية هي حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧

سادسا : خلق حالة من عدم اليقين في قدرات الشعب الفلسطيني علي الصمود ومواجهة الاحتلال وان كل الادعاءات برفض التفاوض مع الاحتلال هي ادعاءات ليس لها مستقبل وان جميع قوى الشعب الفلسطيني بما فيها الحركات الاسلامية والفصائل المسلحة خضعت لشروط فرضتها القوه الاسرائيلية واضطرت ان تعقد اتفاقات مع الاحتلال حتى وان كانت اتفاقات هدنة او اتفاقات سياسية عبر أطراف مختلفة

إن هذه الأهداف الاسرائيلية والمخاطر وغيرها من التأثيرات التى تمس بالقضية الفلسطينية تجعل من كل هذه التحركات تنسجم تماما مع ما يخطط له من تمرير صفقة القرن بشكل تدريجي وهاديء واستغلال الظرف الموضوعي للانقسام الفلسطيني وضعف الفعل السياسي والكفاحي الفلسطيني وغياب الظهير العربي والاقليمي فى ظل الأزمات التى يعيشها العالم العربي اضافة لوصول ادارة ترامب للحكم برؤية تتماهى مع المفهوم الاسرائيلي للتسوية

ان المتتبع لبنود مقترح التهدئة او الهدنة بين غزة والاحتلال يلاحظ بشكل لا يدع مجالا للشك انها اقل بكثير من حاجة الشعب الفلسطيني وهي أدنى من ان تغير الواقع المعيشي للفلسطينيين في قطاع غزة اضافة للمخاطر السياسية على المشروع الوطني الكلى وتهديدها لمستقبل المشروع الوطني المتفق عليه بالحد الأدنى على الأقل

وفى قراءة لاهم بنود هذه الهدنة نجد ما يلي

اولا : انها تثبت مبدأ الهدوء مقابل الهدوء اي ان اي تحرك فلسطيني حتى ولو كانت مسيرات سلمية كمسيرات العودة الكبرى يعتبر عملا عدائيا على الحدود وبالتالي يعفي اسرائيل من التزاماتها ويعطيها الفرصة لفرض عقوبات على الفلسطينيين من إغلاق للمعابر او تقليص مسافة الصيد او غيرها من العقوبات او حتى شن عدوان عسكري كبير على غزة

ثانيا : تتحدث المقترحات عن بدائل اقل بكثير مما منحته للفلسطينيين إتفاقات سابقة مثل اتفاقية اوسلو او حتى تفاهمات ٢٠١٤ فاستبدل الميناء بممر مائي الى قبرص تحت الرقابة الاسرائيلية واستبدل مطار غزة الدولى بمدرج للاقلاع والهبوط في احدى القواعد العسكرية الاسرائيلية جنوب شرق النقب مما يجعل الممر المائي والممر الجوي تحت السيطرة والتحكم الاسرائيلي

ثالثا : تتيح المقترحات لاطراف مختلفة للتأثير على الواقع الفلسطيني فإضافة لإسرائيل دولة الاحتلال تنضم مصر بحكم رعاية الاتفاق وايضا بحكم الجغرافيا وتضاف قطر وتركيا وقبرص وقد يمتد هذا ليحول غزة الى مساحة للصراع على النفوذ خاصة ان كل هذه الأطراف متصارعة فيما بينها

رابعا : اية اتفاقات جديدة سواء اتفاقات أمنية او اقتصادية او سياسية يجب ان لا تنزل باي حال من الاحوال عن ما سبق تحقيقه في مفاوضات سابقة وان لا نتفاوض على نفس الشيء مرتين او اكثر لان هذا سيشكل مدخلا لتنازلات متوالية ومستمرة تحت الضغط او الحاجة

خامسا : الحفاظ على مقدرات الشعب الفلسطيني وعدم تعريضها للفناء نتيجة سياسات غير محسوبه تؤدي الي إعطاء فرصه للاحتلال للانقضاض على الشعب الفلسطيني بشكل انتقامي يؤدي الى كوارث انسانية تضطرنا الى قبول ما لا نقبله الان وهذا يحتاج الى اعادة بحث الشراكة السياسية والمشاركة في قرار السلم والحرب

ان شعبنا قدم الكثير من اجل حماية وجوده على ارضه ودفاعا عن القرار الفلسطيني المستقل وحماية للحقوق غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وضمان حق اللاجئين في العودة وهذا يجعلنا نتحمّل مسئولية حماية هذه الأهداف والتطلعات والوفاء لتضحيات شعبنا العظيم ودعم صموده على ارضه والتصدي موحدين لكل المؤامرات التى تحاك ضد شعبنا وقضيته