عام دراسي جديد ... إرادة متجددة

التقاط.PNG
حجم الخط

 

وزير التربية والتعليم العالي

في هذا اليوم، ينطلق جيش من التربويين قوامه 68 ألف معلم ومعلمة، ومليون وثلاثمئة ألف طالب وطالبة في ربوع الوطن الحبيب، يعيدون انتشارهم كخليّة نحلٍ دائبة الحركة والإنتاج، يُجدّدون الحياة والحيوية، والنشاط والعمل، في البيوت والشوارع والمدارس، ومختلف المرافق التربويّة، ينشرون التفاؤل والأمل، ويرسمون البهجة والسرور، مُتسلّحين بإرادةٍ قويّة، وعزم أبيٍّ لا يلين.

هذا العام الدراسي الجديد، أطلقنا عليه اسم "عام دعم التعليم في القدس"، وفاءً منّا لعاصمتنا الأبدية الحبيبة، مهوى الأفئدة، وأقرب أرض الله إلى السماء، مُجددين البيعة لها، ولأرضها، ولمقدّساتها، وأبنائها، ومدارسها، وباديتها، بأنّنا سنبقى الأوفياء المُخلصين لها، نفديها بالمُهج والأرواح، ونبذل كلّ جهودنا لحماية مسيرة التعليم فيها، ومستقبل أجيالها، لإنقاذهم من براثن الأسرلة والتهويد، لتبقى دُرّة التاج، وواسطة العقد.

ومن هنا، نؤكد استمرار تقديم الدعم المالي لمدارس القدس، بما فيها المدارس الخاصة، واستمرار صرف علاوات التعليم الخاصة بالعاملين في المدينة المقدسة، وتقديم جميع الكتب مجّاناً لطلبة مدارسها، مع إعفائهم من الرسوم الدراسيّة، وتقديم المنح الدراسية الجامعية لطلبة البلدة القديمة، لتجذير بقائهم، ولتعزيز صمودهم.

وإيماناً منّا بضرورة استمرار التطوير والتجديد في القطاع التربوي، سنُقدم مطلع هذا العام الجديد، على اتخاذ قرار جريء وشجاع، يقود إلى إقرار نظام جديد لامتحان الثانوية العامة في التخصصات المهنية يلغي امتحان الثانوية العامة وذلك بهدف تشجيع الأهالي والطلبة على الالتحاق بالمسار المهني، وفتح آفاق جديدة أمامهم، تتيح لمن أراد منهم أن يلتحق إمّا بالمسار الأكاديمي أو مسار الكفاءة المهنيّة، حيث يتم خلاله تقييم الكفايات أو ما يعرف بـ "التقييم للمشاريع" التي يتم تحكيمها وطنياً، وتُصحّح بنفس طريقة امتحان الثانوية العامة "الإنجاز".

لقد جاءت هذه الخطوة بعد دراسة مُستفيضة وشاملة، ومشاورات متعددة في اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم ولجنة الامتحانات العامة، ولجنة السياسات والتخطيط التربوي في الوزارة، وكذلك في لجنة التربية والتعليم، تعزيزاً للمهنة، وتعظيماً لها، ولما لها من دور مُهمّ ومحوري، على صعيد التنمية المستدامة، ودعم الاقتصاد الوطني واحتياجات السوق، والدفع بعجلة الإنتاج إلى الأمام. ولنا في تجارب العديد من الدول التي نهضت صناعياً، قدوة في هذا المجال.

وبذلك سنواصل التوسّع في التعليم المهني والتقني باعتباره أولوية، فهو منطلق لربط إبداعي بين مخرجات نظامنا التعليمي والتنمية المُستدامة، حيث سيكون عدد طلبة هذا الفرع (5000) طالب وطالبة، منهم 1700 في العاشر المهني. وسيرافق التوسّع في عدد المدارس، توسّعٌ في نوعية البرامج والتخصّصات، ومن هنا جاء إقرار نظام جديد لاجتياز طلبة الصف الثاني عشر المهني دون التقدّم لامتحان نهائي، وكذلك جاء العمل على تطوير مناهج التعليم المهني والتقني. كما أننا قمنا بافتتاح (14) وحدة مهنية في مدارس أكاديمية، من ضمنها شعبتان زراعيتان في بلدة عرابة بمديرية تربية قباطية، وفي بلدة بورين بمديرية تربية جنوب نابلس، كنواتين لمدرستين زراعيتين.

وحين رفعت وزارة التربية والتعليم العالي شعار "التطوير"، فقد طبّقته نهجاً وممارسة، في الخطط والبرامج والمشاريع التربوية الريادية، وعلى أرض الواقع، حيث بدأنا ذلك بافتتاح صفوف تمهيدية في 60 مدرسة في مناطق نائية، وأصبح لدينا 204 روضات أطفال حكومية وصفوف تمهيدية، ضمن خطّة تقود إلى تأسيس صفّ تمهيدي في كلّ مدرسة من مدارس الوطن، وهو ما من شأنه أن يُحدث نقلةً نوعيةً في مجال رياض الأطفال.

وعلى صعيد المناهج الجديدة، فقد تم الانتهاء من تأليف كتب الصف الثاني عشر، بما في ذلك كتاب التربية المسيحية وإدراجه في امتحان الثانوية العامة "الإنجاز" لأول مرّة في تاريخ شعبنا. مناهج جديدة كتبت بأيدٍ فلسطينية وأنجزت في زمن قياسي، ركّزت على مختلف جوانب العلم والمعرفة، في سياق حياتي وطني، يقود الجيل إلى الإبداع والتميّز، بعيداً عن الحفظ والتلقين والاستظهار، وتم تأليف مناهج للمدارس المهنية والصناعية، ومناهج للتعليم الموازي، لفئة حرمتهم الظروف من إكمال تعليمهم، وبصورة تحقّق مبدأ توفير التعليم النوعي للجميع.

وعلى صعيد رقمنة التعليم، فإننا نتطلع إلى اليوم الذي نودّع فيه التعليم التقليدي، والحقائب المدرسية، ونستعيض بهما بأدلّة إرشادية للمعلمين تطلق العنان أمام تعليم إبداعي يعتمد وسائل تعليمية مختلفة، وعليه فقد أصبح لدينا 54 مدرسة ضمن مدارس التعلّم الذكي، وأصبح لدينا 14 ألف طالب يستخدمون الأجهزة اللوحيّة، فيما يجري العمل على توسيع هذا المشروع الرائد، الذي سيُتوّج هذا العام بتطبيق منهاج مقرّر جديد للبرمجة، من الصف الخامس إلى الصف العاشر في جميع المدارس، كجزء أصيل من العملية التعليمية.

وسننطلق في مجال افتتاح مدارس فلسطينية جديدة خارج فلسطين، فقريباً سنفتتح مدرستين في تركيا ولاحقاً مدرسة في ماليزيا وأخرى في ألمانيا، وهي مدارس تدرّس المنهاج الفلسطيني.

كما يشمل مخطط التطوير، التوسّع في برنامج إنتاج الطاقة من أسطح المدارس، حيث يطبّق حالياً في 50 مدرسة، وسنواصل العمل ليشمل 500 مدرسة على مدار 3 أعوام بالتعاون مع صندوق الاستثمار. وكذلك التوسّع في المدارس المستدامة ورفع عددها من 18 مدرسة إلى 35 مدرسة هذا العام، والبدء في تطبيق نظام تسريع التعليم وفق ما نصّ عليه قانون التربية والتعليم.

وفيما يتعلّق بالتعليم العالي، سنبدأ باعتماد نظام التعليم عن بعد "التعليم الإلكتروني المفتوح" مستفيدين من تجارب دول كثيرة باتت رائدة في هذا المجال. بالإضافة إلى تفعيل مجلس التعليم العالي الجديد، ليصبح هناك مجلس للتعليم العالي، وآخر لرؤساء الجامعات. ولا يغيب عن بالنا موضوع تصنيف الجامعات من ناحية جودة التعليم، ومن حيث التخصصات وفق احتياجات سوق العمل والاستمرار في تقنين التخصصات ودمج الممكن منها؛ إضافةً إلى تكثيف الاهتمام بالبحث العلمي.

وختاماً نقول إن طموحنا كبير وآمالنا أكبر، سنظلّ نسير على بصيرة من أمرنا، رائدنا فلسطين وأبناؤها، صاعدين سُلّم التطوير والتجديد التربوي، خطوةً خطوة، دونما بطء أو تردد، لأننا حدّدنا أهدافنا، ورسمنا خططنا، ولن يضلّ أبداً مَنْ عَرَفَ الطريق؛ طريق تُرسم معالمه كل يوم في الخان الأحمر والبلدة القديمة في الخليل وفي القدس وفي غزة وفي الكل الفلسطيني؛ الذي نطرز أركانه بالمزيد من مدارس التحدي المخصصة للمناطق المهمشة والمستهدفة، ومدارس الإصرار التي تتاح في المشافي خدمةً لأبنائنا الذين يخضعون لعلاج طويل المدى.

لقد قالها البنك الدولي بأن نظام التعليم في فلسطين بات الأسرع تطوراً في العالم العربي، وهو ما يعزى لقيادةٍ حكيمة وحكومة جريئة وأسرة تربوية نابضة بالحياة وشعب لا يعرف الخضوع ولا الركوع.

مبارك لفلسطين عامها الدراسي الجديد والمتسلح بإرادة متجددة.