غزة.. الفشل الأميركي الثالث

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

يبدو أن السياسة الفلسطينية، الرسمية، التي تستخدم اسم "صفقة القرن" للإشارة للسياسات الأميركية الراهنة بشأن فلسطين، في طريقها لتحقيق إفشال ثالث لجزء من المخطط الأميركي الإسرائيلي؛ فقد فشلت عملية تمرير المخطط فلسطينياً (عبر السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية)، ثم عربياً، ثم الآن غَزيّاً. ولكن هذا لا يلغي أن هناك شقا آخر يمضي كما يشتهي الجانب الأميركي الإسرائيلي، ولا أحد يملك برنامجا كاملا عمليا لوقفه، هو التهويد والاستيطان.

عندما أدت الضغوط والمطالب لجعل دونالد ترامب، ومن خلفه نائبه مايك بينس، يعلنان في 6 كانون الأول 2017، القدس عاصمة إسرائيلية، فإنّهما غامرا كثيراً بأن يتحقق ما كان الرؤساء الأميركيون يخشون منه في السابق؛ أي أن يؤدي موقف أحادي من القدس مخالف للقانون الدولي لعرقلة العملية السياسية السلمية.

وقد جاءت هذه الخطوة الأميركية، بعد أن كانت إدارة ترامب قد خلقت توقعات عالية بوجود شيء مقبل في المنطقة، كان الفلسطينيون ينتظرونه بإيجابية، وكانت دول عربية أو بكلمات أدق سياسيون عرب، يوافقون على لعب دور إيجابي في إعطاء ما قد يطرح من أفكار أميركية فرصة، ويوافقون على المساعدة على إطلاق عملية سياسية جديدة.

كان الاعتراف بالقدس، هو الرصاصة الأولى التي أطلقها "إسرائيليو الإدارة الأميركية" على فكرة الصفقة، بالعمل على تنفيذ مخططات التهويد والأسرلة وتصفية قضية اللاجئين وضم أراض من الضفة الغربية، خطوةً خطوة، من طرف واحد، ثم مساومة الفلسطينيين على الثمن؛ أي إلغاء التفاوض عن هذه القضايا، وتخيير الفلسطينيين بين أن يكون ما قام به الأميركيون والإسرائيليون بلا ثمن، أو بثمن يتلخص بتحسين نسبي لظروف الاحتلال والمعيشة.

رفضت القيادة الفلسطينية هذا المنطق ورفضت الدخول في مساومة من أي نوع، وبالتالي رفضت فكرة "رفع القضايا عن الطاولة"، بحسب تعبير ترامب، ورفضت انتظار الثمن الذي قد تقبل إسرائيل بإلقائه لهم، لقاء التسليم بهذه الخطوات وإعطائها الشرعية، وفتح الطريق للتطبيع العربي الإسرائيلي.

ثم جاء الفشل الثاني، مبنياً على الأول، باستجابة الدول العربية، للفلسطينيين، ورفضها التخلي عن مركزية القضية الفلسطينية (ولو نظرياً)، ورفضهم القيام بالضغط على الفلسطينيين لقبول النهج الأميركي الإسرائيلي، ورفضهم الدخول في عملية تطبيع وتحالف علنية، كما كان يَعِد ويروّج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

تراجع الجانب الأميركي من مستوى العمل على إحداث الاختراق على مستوى العلاقات العربية الإسرائيلية؛ أي المستوى الأوسع، إلى مستوى نقيض؛ أي المستوى الأصغر، الإسرائيلي-الحمساوي، عبر الحديث عن مشاريع وتحسين الحياة في غزة، مقابل أمور متفق عليها مثل التهدئة، مع استمرار مخططات تصفية وكالة الغوث، وما زاد من تفاؤل الأميركيين بالنجاح هذه المرة، هو الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني، ورفض "حماس" ترك السيطرة في غزة ورفض الرئاسة والحكومة الفلسطينيتين، إلا السيطرة الكاملة. وبالتالي المخطط في غزة هو الحصول على الهدوء والاستكانة أمام المخططات الإسرائيلية والثمن تحسين ظروف الحياة الخانقة بفعل الحصار.

شنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، هجوماً ضد حق أي طرف بتمثيل الفلسطينيين، في أي اتفاق مع أي جهة في العالم، سوى المنظمة، وشنّت حملة تُذكّر بأنّ كل ما يقال رسمياً أو بشكل غير رسمي، عن مشاريع أو تسهيلات ستقدم لغزة، كانت متوفرة قبل العام 2000، من دون تنازلات، وهذا جعل مصر وفصائل فلسطينية تؤكد أنّ الوحدة الفلسطينية، تسبق التهدئة، وبالتالي أنّ منظمة التحرير هي من يقرر ماذا يجري قبوله ومقابل ماذا، هذا من دون غض النظر أن المنظمة لم تعد تملك (حتى الآن) قرار الحرب والسلم في غزة.

هذا "الإفشال" لا يعني أن مخططات الاستيطان والتهويد غير مستمرة، ولا يعني أن مخططات المقاومة الشعبية تنجح، فتجربة "الخان الأحمر" مثلاً لا يجري تعميمها، ولا يعني أنّ المحاولات الأميركية لتحقيق اختراق سواء على المستوى العربي أو الداخلي الفلسطيني توقفت، ولكنه يعني من ضمن أمور أخرى، أن منظمة التحرير وقيادتها ما تزال عائقا ورقما صعبا رغم كل ما تعانيه من مشكلات، وأنّ المشكلة في قطاع غزة لن تحل إلا باتفاق فلسطيني-فلسطيني.