قبل أكثر من سنة، منذ فاجأ مقاتلو «داعش» العالم واحتلوا الموصل، عاصمة شمال العراق، يعمل الرئيس الأميركي على اقناع نظيره التركي، اردوغان، لمساعدته في الحرب ضد التنظيم الذي يعرض للخطر استقرار الشرق الاوسط، وفتح القاعدة الأميركية في انجيرلك للغارات الجوية في سورية والعراق، واشراك الجيش التركي في قتال التحاف الدولي. وفي نهاية الاسبوع، في خطوة مفاجئة قرر الاتراك الانضمام الى الجهود.
حتى الآن رفض الاتراك ذلك، بمعاذير مختلفة، كون «داعش» لم يكن في نظرهم التهديد الاساس. التهديد الاكبر على تركيا، كما اعتقدوا، هو تنظيم حزب العمال الكردستاني، الذي قواعده في المنطقة الكردية المحاذية لحدود تركيا الجنوبية، ومنها خطط ونفذ اعمال القتال والارهاب داخل الدولة.
منذ العام 2013 ومع ان الحكومة التركية سعت للوصول الى اتفاق مع الممثلين السياسيين للاتراك: فقد التقى ممثلو الحكومة بالسياسيين وبزعيم التنظيم السري الذي يقبع في السجن التركي، واتفق الطرفان على صيغة تزيد الحكم الذاتي الثقافي للاكراد، ولكن في السنة الاخيرة، وعلى ما يبدو في محاولة لربط اليمين التركي بعربته، فاجأ اردوغان المتفاوضين، رفض هذه المبادرات، وأعلن انه ليس في نيته مواصلة العملية.
في نظر اردوغان نشأت في سورية «معادلة محصلتها صفر». كل عمل لاضعاف «داعش» هو بالضرورة تعزيز للمليشيا الكردية التي تقاتل ضده في شمال سورية، ولهذا فان الانضمام الى التحالف الدولي يتعارض مع المصلحة التركية. ولفترة طويلة رد اردوغان مساعي المغازلة الأميركية، وحسب شهادات غير قليلة أيد غير قليل من اجهزته السرية في الخفاء منظمات الجهاد السنية في سورية. ففي المعركة على بلدة كوباني، في غرب سورية، اضطر اردوغان الى ابتلاع الضفدع والسماح بدخول مقاتلين اكراد من العراق الى منطقة المعارك عبر تركيا، ولكنه فعل كل ما في وسعه لتقليص المساعدة ومنع النصر عن الاكراد.
وبالتوازي فهم استراتيجيو اوباما بانه بدون تركيا سيصعب عليهم جدا المس بقواعد القوة لـ»داعش»، وبالتالي وافقوا على طلب تركيا سحب حمايتهم عن الاكراد في شمال سورية مقابل الاستعداد التركي للانخراط في الجهد الحربي ضد «داعش». واستجاب الاتراك اخيرا للطلبات ووافقوا على فتح قاعدة انجيرلك للهجمات على اراضي سورية والعراق، ووافقوا ايضا على إشراك قواتهم في القتال، ولكن شرط ان يسمح الأميركيون لهم، في ذات الوقت، بمهاجمة قواعد التنظيم السري الكردي خلف الحدود.
ومنذئذ تمكن الاتراك من قصف عدة تجمعات كردية، الى جانب الهجمات على منظمات الجهاد، وأول من أمس، اوقفوا مئات النشطاء الاكراد الى جانب نشطاء «داعش» ممن عملوا في المدن المركزية. وهكذا اكتسب الاتراك تأييد الولايات المتحدة، ولكن في الوقت ذاته أيقظوا عدوين عنيفين ومصممين من سباتهما.
وجاء الهجوم على قواعد الاكراد مفاجئاً لهم. فقد كان بعضهم لا يزال يؤمن بالمسيرة السياسية، وحقيقة أن الحزب الذي يمثلهم فاز في الانتخابات الاخيرة بـ 80 مقعدا في البرلمان شهد في نظرهم ايضا على تعزيز قوتهم السياسية. ومس الهجوم غير المتوقع مسا شديدا بما تبقى من الخيوط السياسية التي تربط بين الجمهور الكردي في تركيا وبين الحكم. وقد أعلن التنظيم السري الغاء كل اتفاقات وقف النار (التي لم تحترم في الماضي ايضا) ونيته العودة للضرب في قلب الدولة.
«داعش» هو الآخر، الذي أثبت حتى الآن قدرته فقط في عملية كبيرة واحدة في تركيا، في مدينة سوروتش الحدودية، سيعيد النظر في موقفه، ويحتمل أن يقرر تصعيد وتيرة العمليات. وكما تعلمنا من تجاربنا في الحروب الاقليمية، فانه من السهل الدخول في مثل هذه المعارك، ولكن من الصعب الخروج منها.
عن «يديعوت»