من "تحت السجادة".. أرقام مخيفة تكشف ما تحاول تركيا إخفاءه

1-1180413.jpg
حجم الخط

أخذ الاقتصاد التركي منحدرا جديدا أخرجها من بيانات التضخم وأسعار الليرة إلى مستوى آخر يمس حياة المواطنين بشكل رئيسي، بعدما كشفت بيانات رسمية عن إفلاس آلاف الشركات، وتسريح 159 ألف عامل، بينما ارتفعت أسعار الأغذية بما يزيد عن الخمس، في أزمة تتعامل معها الحكومة بأسلوب "الكنس تحت السجادة"، بحسب كاتب متخصص.

وبحسب تقرير اقتصادي مفصل أوردته صحيفة أحوال التركية بناء على بيانات نشرة هيئة الضمان الاجتماعي الرسمية، فقد تراجعت أعداد الشركات ومحال العمل، خلال شهر يونيو الماضي بمقدار 10 آلاف شركة لتسجل 1.878.361 شركة مقارنة بعددها في شهر مايو، الذي بلغ حينها 1.888.635.

وتبعا لذلك فقد انخفض عدد العاملين خلال ذات الشهر بسبب الاستغناء عنهم، من 14.729.306 في شهر مارس 2018 ليسجل 14.570.283 عاملا في شهر يونيو، ما يعني أن 159 ألف شخص فقدوا مصدر رزقهم.

وقال كاتب التقرير، أكرم أونارين، إن ما يلفت الانتباه هو أن هذا الانكماش الضخم في عدد الأيدي العاملة حدث في أكثر الأوقات، التي من المفترض أن تزيد فيها العمالة مقارنة بباقي شهور السنة، ففي شهر يوليو تنتعش قطاعات السياحة والزراعة والإنشاءات مما يوفر فرص عمل "موسمية" للكثيرين.

ويعزز ذلك من بيانات أفادت بتسريح عدد كبير من العمال، فيما تم تخفيض عدد العمال في بعض الشركات إلى النصف.

مقاولون على حافة الإفلاس

وفي ذات السياق، نقلت صحيفة "دنيا" التركية عن رئيس اتحاد المقاولين الأتراك، طاهر تيلي أوغلو، أن مقاولي الأشغال العامة يبحثون عن سبل لإنهاء عقودهم، وأن 70 بالمئة من الشركات الخاصة أوقفت مشاريعها بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية.

وتعتمد صناعة البناء في تركيا بشكل كبير على رأس المال الأجنبي والواردات لمواد البناء. كما تمثل صناعة البناء ما يصل إلى 20 بالمئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في السنوات الأخيرة.

وقال تيلي أوغلو إن ثمة زيادة كبيرة في أسعار حديد التشييد، من 1500 ليرة للطن الواحد قبل 15 شهرا إلى 4500 ليرة للطن في شهر سبتمبر، مشيرا إلى أن الحديد يشكل حوالي 10 بالمئة من التكلفة الإجمالية لمشاريع البناء.

وتابع تيلي أوغلو، قائلا إن مقاولي الأشغال العامة على "حافة الإفلاس ويريدون إيقاف المشاريع التي هي الآن في مراحلها المبكرة لتجنب الخسائر المتوقعة".

الأسوأ يزحف على الأتراك

وفي ظل التدهور المستمر في سعر صرف الليرة خلال يوليو وأغسطس، فإن من شأن هذه البيانات أن تفصح عن الأسوأ.

فمن المتوقع، بحسب النشرة، أن تعاود نسبة البطالة ارتفاعها اعتبارا من شهر نوفمبر المقبل، بحسب الصحيفة.

وفي هذا السياق، فقد أشارت بيانات هيئة الضمان الاجتماعي إلى انخفاض أعداد صغار التجار والحرفيين والمزارعين بحوالي 100 ألف شخص.

وذكرت أن أعداد صغار التجار والحرفيين هبطت من 2.069.427 خلال شهر مايو، إلى 1.988.370 في يونيو، كما تراجعت أعداد المزارعين من 709.685 خلال شهر مايو، لتصل إلى 690.116 في شهر يونيو، بحسب الصحيفة.

وأرجعت الصحيفة سبب هذا الانخفاض إلى "عجز هؤلاء الأشخاص عن سداد قيمة الأقساط التأمينية، وبالتالي تم إلغاء قيدهم من قائمة العمال المُؤمن عليهم؛ حيث أتاح العفو، الذي صدر قبل انتخابات 24 يونيو، الفرصة لإسقاط قيد التجار والمزارعين الذين عجزوا عن سداد قيمة الأقساط التأمينية مقابل ما عليهم من ديون".

ويعني ذلك أن الحكومة التركية قد "جردت هؤلاء العمال من حقوقهم التأمينية مقابل التغاضي عما عليهم من ديون عجزوا عن سدادها"، بحسب الكاتب.  

وصلت إلى الجيوب

وفي المقابل، فقد ارتفع عدد المستفيدين من معاش البطالة خلال شهر يوليو بنسبة 26 بالمئة، وهو أكبر دليل على ارتفاع معدل البطالة في البلاد.

وقد انخفض متوسط إجمالي المكسب اليومي للعامل، من 190 ليرة يوميا إلى 131 ليرة بالنسبة للعاملية في الدولة و112 في القطاع الخاص، بينما تراجع إلى 93 ليرة بالنسبة للعمالة المؤقتة.

ومع الوضع في الحسبان اقتطاع الضريبة وقيمة التأمين من أجور العاملية بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة، فإن صافي ما يحصل عليه العامل يوميا لا يتعدى 75 ليرة.

وأمام هذا الانزلاق في الرواتب، فإن الارتفاع المضطرد في التضخم وما يعنيه من زيادة صاروخية في أسعار السلع، تقف بالمرصاد لابتلاع ما تبقى في جيوب الأتراك.

فبحسب تقرير عن نسبة الجوع والفقر في تركيا، صادر عن اتحاد نقابات العمال في شهر أغسطس، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية على النحو التالي: 13 بالمئة زيادة في سعر الحليب و21 بالمئة زيادة في سعر اللبن الرائب، و17 بالمئة زيادة في سعر الجبن، وهو ما يجعل متوسط الزيادة في المواد الغذائية المستخدمة في المطبخ التركي تزيد عن 20 بالمئة.

وقال أونارين إنه "بحساب حجم الإنفاق الشهري لأسرة مكونة من 4 أفراد على شراء مستلزماتها من المواد الغذائية، فلن يقل ما تدفعه هذه الأسرة عن 1812 ليرة تركية، أي بزيادة قدرها 204 ليرة، مقارنة بما كانت تتكلفه الأسرة نفسها في مطلع العام الجاري (..) في الوقت الذي تتحمل فيه الأسرة أعباء إضافية لا تقل عن 1000 ليرة شهريا".

ليست كسابقتها

وتذكر هذه البيانات بالظروف التي صاحبت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2009، حين وصلت نسبة البطالة في تركيا إلى 16 بالمئة. 

واضطرت الكثير من الشركات إلى تسريح مئات الآلاف من العمال والموظفين كل شهر، لكن الفارق أن تركيا في ذلك الوقت كانت قادرة على استقطاب استثمارات أجنبية، وهو ما مكنها من تعويض الانكماش بفتح أسواق لصادراتها في الشرق الأوسط وأفريقيا.

أما الآن، فالوضع مختلف تماما بحسب أونارين، فقد "حادت عن طريق دولة القانون، وعلّقت العمل بأسس الديمقراطية؛ دولة لها عداءات مع الكثير من الدول، ولاسيما مع جيرانها؛ لذا كان من الطبيعي، مع السياسة العشوائية التي تنتهجها تركيا منذ فترة طويلة، أن تختل كافة الموازين الاقتصادية الأساسية، وينتهي بنا الحال إلى هذا الخلل الخطير في الإنفاق العام، وفي تغطية نفقات موظفي الدولة والضمان الاجتماعي"، بحسب الكاتب.

ويضيف الكاتب: "تركيا ظلت تتقمص دور من يقوم بكنس الأرض، ثم يقوم بدفع ما يكنسه تحت السجادة بدلا من البحث عن حلول للمشكلات المزمنة التي تعاني منها، حتى وجدت نفسها في نهاية المطاف في مواجهة أزمة اقتصادية خطيرة، ولم يكن لديها القوة الكافية لمجابهة تلك الأزمة الاقتصادية، التي يزداد تأثيرها يوما بعد يوم (..) وإذا استمرت على هذا المنوال، ولم تتخذ خطوات عاجلة لمعالجة هذه الأزمة، فربما يمتد تأثيرها إلى أجيال".

وأعلنت الحكومة التركية مرارا أن الأزمة الاقتصادية الحالية هي "مؤقتة" وناجمة عما وصفته "حرب اقتصادية" خارجية، فيما يؤكد خبراء أن الاقتصاد يعاني من أزمة هيكلية تستدعي إجراءات جذرية لإصلاحه.